يفضل أغلب العراقيين التعامل بالدولار بدلاً من عملتهم المحلية ما يعكس عدم الثقة بالعملة الوطنية من قبل المواطنين. ويرجع خبراء هذه الظاهرة إلى كثرة التقلبات في قيمة الدينار منذ التسعينات، الأمر الذي ولّد خوفًا وقلقًا لدى الكثيرين من الخسارة.


وسيم باسم من بغداد: يسود منذ العام 2003، عام الحرب الأميركية على العراق، ظاهرة التعامل الواسع بالدولار، على مستوى الدولة والفرد على حد سواء.

ويقول المصرفي زكي حمزة من منطقة الكاظمية إن من السهولة اليوم تصريف العملة الصعبة في أي مكان تريده سواء في المحال المخصصة أو حتى عند الباعة المتجولين وأصحاب (البسطات) على الأرصفة. ويشير حمزة في هذا الصدد الى الانتشار الهائل لمحلات الصيرفة في بغداد وبقية المدن بعدما كانت محدودة العدد في التسعينات من القرن المنصرم.

لكن ما يقلق، بحسب حمزة أن أغلب العراقيين يفضلون التعامل بالدولار بدلاً من الدينار، وأن الرغبة في اقتنائه كبيرة جدًا ما يعكس عدم الثقة بالعملة الوطنية من قبل المواطنين.

ويرجع الناشط في الشؤون المالية والمصرفية أحمد الوكيل شيوع ذلك إلى كثرة التقلبات في قيمة الدينار منذ التسعينات، وقد ولّد ذلك خوفًا وقلقًا لدى الكثيرين من الذين يخافون الخسارة في المستقبل اذا ما اقتنوا العملة المحلية.

ويعمل أحمد كاظم في الصيرفة متجولاً في الشوارع التجارية، شأنه في ذلك شأن الكثير من الشباب الذين يفترشون الارض في المراكز التجارية المكتظة وهم يمسكون بأيديهم (شدات) العملات الورقية. وبسبب عمليات البيع والشراء المباشرة، يتعرض الكثير من أصحاب المهنة الى السرقات والاحتيال، كما يمرر عبر هذه الطريقة الكثير من العملات المزورة الى السوق.

ويشير أحمد فدعم الذي يعمل في سوق جميلة في بغداد كـ (مصرّف عملة)، إلىعدد العملات المزورة الذي يصادفه يوميًا، وقد تعود على الأمر حيث علمته التجربة الحذر والدقة بعدما سببت له الفئات المقلدة خسائر فادحة العام الماضي.

ويقول أبو أيمن الكبيسي من سوق الشورجة في بغداد إن التجّار العراقيين وأصحاب المخازن يفضلون الدولار على الدينار لأسباب فنية وأمنية أيضًا. ومما يعزز التعامل بالدولار في العراق أن مصادر السلع تحبذ التعامل بالدولار لاسيما المصادر خارج العراق.

وبحسب الباحث الاقتصادي أمين لقمان، فإن شيوع التعامل بالدولار بين الأوساط التجارية والصناعية يساهم من الانتقاص من قيمة الدينار العراقي الذي شهد انتعاشًا في قيمته منذ العام 2003. لكن لقمان يتوقع ارتفاع الدينار بشكل كبير اذا ما استتب الوضع الامني بصورة كبيرة اضافة الى زيادة انتاج وتصدير النفط.

وبلغ عدد محال الصيرفة المجازة في العام 1998 في جميع انحاء العاصمة بغداد 360 مكتبًا، لكنها اليوم تنتشر بالمئات في كل مدينة ومحافظة. وتفضل المهندسة لمياء حسين تحويل جزء من راتبها الذي يعادل نحو الف وخمسمائة دولار، الى العملة الصعبة حيث تودعه في أحد المصارف.

وبحسب لمياء، فإن الكثير من الموظفين العراقيين بدأوا يسلكون الامر ذاتهويفضلون الدولار كنوع أمين للمدخرات بالنسبة اليهم. وبحسب الباحث الاجتماعي ليث السامرائي، فإن للدولار بريقاً لا يضاهيه أي بريق في العراق.

ويرجع السامرائي ذلك الى فترة الحصار الاقتصادي التي مر بها العراق حيث كان الدولار ذا أهمية كبيرة ويصعب الحصول عليه من قبل المواطن بسبب انخفاض العملة الى حد كبير.

وفي الوقت ذاته،فإن الكثير من العاطلين عن العمل وجدوا في الصيرفة في الشارع أسلوبًا للرزق يوفر لهم لقمة العيش.

من ناحيته، ما زال أبو احمد النجفي من سوق الشورجة التجاري وسط العاصمة بغداد، غير واثق من التعامل مع الدينار العراقي بسبب تغيير قيمته بصورة مستمرة وخوفه من التقلبات الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تحدث فجأه.

لكن الصيرفي صباح فرهود (خريح كلية إقتصاد) يرى أن تشريع قوانين تنظم عمل مكاتب الصيرفة ضروري جدًا، وهو اسلوب فعّال في مكافحة ظواهر غسيل الاموال والتزوير، لكن ذلك لن يكون كافيًا ndash; بحسب فرهود- لرفع قيمة الدينار العراقي.

ويدعو فرهود الى دور مؤثر للدولة في الحد من هيمنة الدولار الذي جعل الدينار العراقي يراوح على القيمة ذاتهامنذ سنوات على الرغم منارتفاع اسعار النفط. وبحسب فرهود، فإن حذف الأصفار سيساهم في تعزيز التعامل بالدينار.

وكان البنك المركزي العراقي اعلن أن الدولار الاميركي يستحوذ على 40 في المئة تقريبًا من التداولات المحلية.