عندما ثار شباب بلدة كاسرين التي يطل عليها جبل الشمبي الفاصل بين تونس والجزائر على نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل عام، نالوا سمعة بطولية بتحديهم رصاص الشرطة وقُتل منهم 20. وكان في مقدمة مطالب المحتجين توفير فرص العمل. ولكن مسؤولين في البلدة يتحدثون الآن عن اختراق عصابات لبرامج تشغيل الأيدي العاملة في البلدة.


إعداد عبدالإله مجيد: نقلت صحيفة الغارديان عن المحامي ماهر بوعزيزي (38 عامًا) الذي تولى رئاسة مجلس كاسرين منذ ايار/مايو ان هذه العصابات quot;ليست مافيا صغيرة بل مافيا كبيرةquot;. وأوضح بوعزيزي انه خلال التحقيق في حجم هذه التجارة بفرص العمل تلقى تهديدات وان اشخاصا جاءوا اليه من احد الأحياء الفقيرة ليقولوا له انهم مكلفون بتحذيره من ان quot;آخرينquot; قد يحرقون سيارته. وتلقى مسؤولو الحكومة المحلية للبلدة تهديدات أخطر، كما أكد بوعزيزي، مشيرا الى ان quot;الوزراء في تونس أنفسهم يعرفون انهم حين يتحركون لاستئصال هذه المافيا سيتعين عليهم ان يتحركوا بحذرquot;.

ولكن أي حاكم محلي يتحرك ضد هذه العصابات ترد عليه بتعبئة شبكات محاسيبها واتباعها في موجة من اعمال النهب والاعتداءات على المباني العامة، كما حدث حين عُزل حاكم سابق في تموز/يوليو. وقال قاهري ان الخطر يتمثل في ان كاسرين ستحترق مرة أخرى عندما تتحرك السلطات ضد هذه العصابات.

ولم يتسن الاتصال بمسؤول من وزارة الداخلية في كاسرين للتعليق على هذه الأنشطة في الاسبوع الماضي، ولكن رئيس مجلس البلدة بوعزيزي استبشر بالنبأ الذي سمعه يوم الخميس عن فتح تحقيق قضائي في اتهامات بالاختلاس ضد واحد من كبار مراقبي العمل في برامج التشغيل. وقال بوعزيزي ان هذه اول مرة يحدث فيها ذلك في كاسرين وهو أمر بالغ الأهمية.

ونقلت صحيفة الغارديان عن الدكتور محجوب احمد قاهري الذي يعمل رئيس قسم في المستشفى المحلي ومراسل صحيفة الشروق التونسية ان مراقب العمل المرتشي في برامج التشغيل هذه يمكن quot;بسهولةquot; ان يكسب 60 الف دينار تونسي أو 39 الف دولار شهريا من اقتطاع حصة من رواتب مئات المسجلين في هذه البرامج.

ومن بين الوجهاء المحليين الذين يتحدثون ضد هذا الفساد اعضاء سابقون في حزب بن علي، التجمع الديمقراطي الدستوري، يطالبون الآن باجتثاث شبكة متداخلة مع عناصر مرتشية محلية كانت تحميها ليلى طرابلسي زوجة بن علي. واشد ما يبعث على القلق ان المسؤولين يعتقدون ان بعض الأموال المرصودة لبرامج التشغيل تُستخدم الآن في تهريب الحشيش والبترول الجزائري والسلاح الى ليبيا.

ويُقدر ان حوالى 18 الف شخص مسجلون الآن في برنامج التشغيل في منطقة كاسرين كلها. ويتقاضى كل منهم راتبا شهريا من الدولة قدره 250 دينارا تونسيا أو 166 دولارا. ويقتطع مراقبو العمل المرتشون من هذا الراتب ما يصل الى 50 دينارا من كل شخص، كما يؤكد تونسيون من أهل المنطقة. وإذا بقي العامل في البيت فان مراقب العمل قد يقتطع 100 دينار من الراتب. كما انه يدس اسماء وهمية في سجل العمال الأجراء.

وفي بلدة كاسرين على سبيل المثال كانت نسبة البطالة قبل الثورة تزيد على 36 في المئة بين المتخرجين، وارتفعت بعد الثورة. ويُرسل المحظوظون، الذين تشملهم برامج التشغيل الحكومية للعمل منظفين أو القيام بأعمال يدوية أخرى لا تتطلب مهارة في الدوائر الرسمية أو المستشفيات أو المدارس أو مشاريع الغابات.

وكشفت الثورة في الأرياف عن وجود أزمة مريعة في السكن والنقل والخدمات الصحية والماء والتغذية. وما زالت العائلات الكبيرة عادة تكافح في احيان كثيرة لسد رمقها بالأجور الزهيدة التي يكسبها واحد أو اثنان من افرادها العديدين. وما زالت شبكة الأمان الاجتماعي المهلهلة للنظام السابق هي المعتمدة، ولكن سكان المناطق المحرومة لن يتحملوا طول الانتظار بعد اليوم.

وهناك مؤشرات الى ان الحكومة على علم بالمشكلة. وانتقد وزير المالية في الحكومة الجديدة حسين الديماسي الاجراءات الترقيعية للتخفيف من وطأة البطالة، قائلا انها كلفت حتى الآن 767 مليون دينار تونسي أو 509 ملايين دولار، ولم يتحقق شيء غير quot;الدوران حول المشكلة دون استهدافهاquot;. وندد الديماسي بهدر المال في وقت تفتقر تونس الموارد لمواجهة quot;انفجار الحاجاتquot;. وكانت برامج التشغيل العام بدأت في زمن بن علي. ومع تزايد الهجرة من الريف الى الأحياء الفقيرة في المدن استخدم حزب التجمع الديمقراطي الدستوري بزعامته هذه البرامج لنزع فتيل التوتر الاجتماعي وبناء شبكات محسوبية.

وكانت الحكومة الانتقالية التي تسلمت مقاليد السلطة بعد الثورة بادرت الى توسيع برامج التشغيل الممولة من ميزانية الدولة في محاولة للاستجابة الى مطلب توفير فرص العمل. ولكن مستوى جديدًا من الفساد تفشى بالارتباط مع هذه البرامج التشغيلية، لا سيما في بلدة كاسرين، حيث لا تبسط الحكومة المركزية إلا سيطرة مهزوزة، على حد وصف صحيفة الغارديان. كما إن الذين يرتبطون بهذه البرامج يشترون نفوذًا بين صغار الموظفين في مكتب الحاكم الاقليمي، بحسب رئيس مجلس كاسرين المحامي بوعزيزي ومصادر أخرى في البلدة.