فشل العصيان المدني، الذي دعت إليه قوى ثورية في أول أيامه، وجاءت ردود أفعال المصريين متشابهة تجاه الأمر، إذ إنهم يرون أن تعطيل عجلة الإنتاج في هذا الوقت ينذر بكارثة اقتصادية لا تتحملها البلاد.


وعي المصريين لمستقبل بلادهم الاقتصادي يحبط إضراب 11 فبراير

حسام المهدي من القاهرة: في ظل وضع اقتصادي متدهور، جاءت دعوة العصيان المدني في مصر للتأثير على المجلس العسكري الحاكم، وإجباره على تسليم السلطة إلى قوى مدنية، وكانت تيارات وإئتلافات سياسية وثورية عدة أعلنت عن دعوتها إلى العصيات المدني في الذكرى الأولى لتنحّي الرئيس المخلوع حسني مبارك.

في المقابل كانت هناك أصوات مناهضة لتلك الدعوات ناصحة بعدم الانصياع لها، تفاديًا للعواقب التي قد يخلفها هذا العصيان، وبالفعل فشلت التيارات الداعية إلى الإضراب عن العمل في الوصول إلى مبتغاها، ولم يستجب للعصيان سوى فئات قليلة تعاني أصلاً مشكلات فئوية.

واجهت الحكومة المصرية المؤقتة تلك الدعوة بسلسلة من الترتيبات لإجهاض المحاولة، بدأت بتصريحات إعلامية وبيانات، تطالب بعدم الانسياق للإضرابات ووقف سير الأعمال، وفي اليوم الأول لبدأ العصيان ndash;السبت- ترأس الدكتور كمال الجنزوري، رئيس مجلس الوزراء اللجنة الوزارية لإدارة الأزمة، بحضور كل من وزراء السياحة والتعاون الدولي والتنمية المحلية والإعلام والخارجية ومندوب عن وزارة الدفاع، وناقش إجتماع اللجنة مدى تأثير الدعوة إلى العصيان المدني في العمل في قطاعات الدولة كافة.

وتلقت اللجنة خلال الإجتماع تقارير عن انتظام وسير الأعمال في كل الوزارات والمنشآت الخدمية في الدولة، باستثناء البنوك والمصارف والهيئات التي لا تعمل يوم السبت، وجاءت التقارير مطمئنة تمامًا، حيث إن الاستجابة للعصيان كانت شبه منعدمة، باستثناء بعض الإئتلافات الطلابية والجامعات، وكان العديد من القوى السياسية والتيارات والاتحادات العمالية والاستثمارية تبنى حملات مكثفة لمناهضة العصيان المدني في وسائل الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الإجتماعي على الإنترنت.

الخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية السابق، قال لـ quot;إيلافquot; إن فكرة العصيان المدني مرفوضة في الوقت الراهن، فهذه الخطوة سوف تؤدي إلى شلل اقتصادي، إذا ما توقفت البنوك والشركات ومواقع الإنتاج عن العمل، فكل هذه المرافق والخدمات مرتبطة بمستوى التنمية البشرية، وسوف يتراجع هذا المستوى أكثر مما هو عليه، في حال الاتجاه إلى العصيان المدني.

يضيف عبد العظيم أنه عند حدوث العصيان سوف يعقبه تطبيق الأحكام العرفية ونزول قوات الجيش إلى الشوارع والميادين، وفقًا للقوانين، عندها يتوقف الاستثمار كليًا، سواء كان أجنبيًا، سوف يلوذ هاربًا، أو حتى محليًا، فالمستثمر المصري، الذي يرغب في الربح، سوف يبحث عن ملاذ آمن لأمواله في الخارج، بعد أن يصفي أعماله في مصر، إضافة إلى توقف تدفق السياح وتخفيض التصنيف الإئتماني لمصر، مما يحمّل أعباء زيادة الفوائد على القروض الأجنبية.

كما يشير الخبير الاقتصادي إلى أنه من الأخطار الجسيمة التي تترتب على العصيان المدني زيادة معدلات البطالة ومعدلات التضخم وعجز الموازنة، لأن الإيرادات تقلّ، بل وقد تكاد تنعدم، والمصروفات كما هي، بل تزيد عن معدلاتها الطبيعية في أجواء الإضرابات وتوقف العمل والإنتاج.

وعبّر عبد العظيم عن فرحته تجاه موقف المصريين من الإضراب، حيث قوبل برفض شعبي كبير، ولم يشترك فيه سوى بعض الحركات الطلابية وعدد من العمال، الذين هم في اعتصام مفتوح من قبل الدعوة، نظرًا إلى مشاكل تتعلق بهم، بينهم وبين الجهات التي يعملون لديها.

استطلعت إيلاف آراء العشرات من العاملين في القطاعين العام والخاص، ولم تصادف أحدًا ممن استجابوا لدعوة الإضراب عن العمل، نذكر منهم نادر عليوة ndash; فني اتصالات في هيئة التامين الصحي- والذي قال quot;لم نقتنع بفكرة العصيان، لأنها تؤثر بالسلب على الكبير والصغير في عالم الأعمال، فكان هناك إصرار على العمل في ذلك اليوم، وقد دعم ذلك الإصرار موقف الإدارة، التي شجعت على العمل بحساب ساعة إضافية لجميع العاملين، حيث إن الدوام (6 ساعات) سوف يزيد الراتب مقابل 7 ساعات.

أما عماد حمدي ndash; مشرف تسليم في إحدى شركات المقاولات الكبرى، فبدأ حديثه متسائلاً: من ذا الذي سوف يضرب عن العمل؟، أليس الشباب يقف في الطوابير الطويلة للبطالة، ولا يجد الفرصة إلا بشق الأنفس؟، لا أعتقد أنه من العقل أن يستجيب العاملون لهذه الدعوة، وخصوصًا أن الدولة تعاني تدهورًا اقتصاديًا شديدًا، ولا يمكن أن quot;نزيد الطين بلةquot; على رؤوسنا.

ويقول محمد البلاط (سائق توك توك) إن تلك الدعوة من شأنها ضرب الاقتصاد المصري في مقتل، لأنها ستسبب خسائر خاصة وعامة، فبالنسبة إلى العاملين في المصانع والشركات سوف يتوقف الإنتاج، وتلحق به خسائر مادية بملايين الجنيهات، وماذا نفعل لو تم الانصياع لتلك الدعوة؟.
وأضاف quot;بالنسبة إلينا نحن العاملين بالأجر اليومي، لا يمكن أن نضرب عن العمل، لأننا نعتمد في فتح بيوتنا وتوفير القوت على العمل اليومي، ومن ناحية أخرى أرى أن الطريقة هذه لن تحقق أهداف الثورة بنقل السلطة إلى المدنيين، ولكن ذلك سيؤثر على الطبقة المتوسطة وتحت المتوسطة ويضاعف من فقر الفقير.