مدريد: اقتربت أسبانيا امس الثلاثاء من دخول دائرة دول منطقة اليورو الحاصلة على قروض إنقاذ دولية بعد أن ارتفعت تكاليف اقتراضها من أسواق المال إلى مستوى قياسي جديد، وإن كان الإقبال على الاكتتاب في السندات التي تم طرحها امس قويا نسبيا.


فقد باعت وزارة المالية الأسبانية امس سندات بقيمة 3.05 مليار يورو (3.7 مليار دولار) وتتراوح مدتها بين 3 سنوات وستة أشهر. وقالت صحيفة (سينكو دياس) الاقتصادية الأسبانية إن الفائدة على هذه السندات كانت 'مقبولة' رغم انها الأعلى منذ تشرين ثاني/نوفمبر الماضي. في الوقت نفسه ظل العائد على السندات الأسبانية ذات العشر سنوات فوق الحد الحرج وهو 7'، رغم تراجع هامش المخاطر الذي يقيس الفارق بين الفائدة على السندات الأسبانية والسندات الألمانية القياسية بدرجة طفيفة إلى 26.82 نقطة مئوية.

في الوقت نفسه تراجع مؤشر آيبكس الرئيسي لبورصة مدريد للأوراق المالية بنحو 2' من قيمته في تعاملات الظهيرة امس.
والفرصة الوحيدة أمام أسبانيا لتفادي اللجوء إلى قروض الإنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تكمن في تحرك البنك المركزي الأوروبي لشراء كمية كبيرة من الديون الاسبانية، حسبما قال محللون اقتصاديون في مدريد . ولكن يبدو أن البنك المركزي الأوروبي مازال متمسكا برفضه القيام بهذه الخطوة.


وكان ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي قد قال مطلع الأسبوع الحالي إن البنك ليس مسؤولا عن حل مشكلات الدول بشكل منفرد. وذكرت صحيفة (البايس) الأسبانية في افتتاحية أن صناديق الإنقاذ المالي التابعة لمنطقة اليورو يمكنها التدخل في سوق المال لتخفيف الضغوط على السندات الأسبانية ولكن ذلك يحتاج إلى وقت طويل.


وقالت مصادر في حكومة رئيس الوزراء الأسباني ماريانو راخوي إن الحكومة تسعى إلى الحصول على أوسع دعم دولي ممكن لإجراءاتها الرامية إلى تهدئة مخاوف الأسواق دون الكشف عن طبيعة هذه الإجراءات. وتصر الحكومة الأسبانية على الحاجة إلى تدخل البنك المركزي الأوروبي في السوق. ويقول المحللان الاقتصاديان خافيير فيرير وإجانسيو كانتوس إن أسبانيا فعلت كل ما في وسعها لتفادي طلب قروض إنقاذ دولية ومن غير المتوقع أن تفعل المزيد.


وكانت الحكومة الاسبانية قد أقرت قبل أيام حزمة جديدة من إجراءات التقشف قيمتها 65 مليار يورو (80 مليار دولار)، في الوقت الذي تظاهر فيه مئات الآلاف من الأسبان بما في ذلك السياسيون اليساريون احتجاجا على هذه الإجراءات الجديدة.
يأتي ذلك فيما ذكرت وزارة المالية أنها تتوقع انكماش الاقتصاد الأسباني بمعدل 0.5' من إجمالي الناتج المحلي خلال العام المقبل في حين كانت التوقعات السابقة تبلغ 0.2' فقط. وقال وزير المالية كريستوبال مونتورو إن الوزارة تتوقع عودة الاقتصاد إلى النمو عام 2014 بمعدل 1.2' من إجمالي الناتج المحلي.


كما تتوقع الحكومة ارتفاع معدل البطالة إلى 24.6' بارتفاع طفيف عن التوقعات السابقة. كان معدل البطالة في الربع الأول من العام الحالي 24.4' . وتشمل حزمة التقشف زيادة ضريبة القيمة المضافة وإلغاء منح موظفي القطاع العام في عيد الميلاد وخفض الضرائب على أصحاب الرهن العقاري، فضلا عن التخفيضات في إعانات البطالة. وتصر الحكومة على انه ليس لديها خيار آخر سوى خفض الانفاق اذا كانت تريد تحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتفادي طلب برنامج إنقاذ دولي.


ووفقا لاستطلاع رأي نشرت صحيفة (ألموندو) نتائجه فإن 21' فقط من الأسبان يعتقدون أن بلادهم ستتجاوز هذه الأزمة الاقتصادية.
كان وزراء مالية مجموعة اليورو قد توصلوا الجمعة الماضية لاتفاق بشأن قرض تصل قيمته الي 100 مليار يورو (121.9 مليار دولار) لمساعدة إسبانيا في إعادة هيكلة ديون بنوكها.


وتم التوصل للاتفاق في اجتماع عبر الدوائر التليفزيونية المغلقة. ومن المتوقع أن تحصل مدريد على أول قرض تبلغ قيمته 30 مليار يورو قبل نهاية الشهر الجاري. وفشل إقرار حزمة إجراءات التقشف الأخيرة وكذلك موافقة وزراء مالية اليورو على مساعدة أسبانيا بمئة مليار يورو في تهدئة الأسواق المالية ليواصل العائد على السندات الأسبانية ارتفاعه.


ويقول خوان إغناسيو سانيث المحلل الاقتصادي في مدرسة 'إي.إس.أيه.دي.إي' لإدارة الأعمال إن أسبانيا لن تستعيد ثقة الأسواق قبل أن يعود اقتصادها إلى النمو وخلق الوظائف الجديدة. ولكن لا توجد أي مؤشرات على تحقيق أي من هذين الأمرين في القريب العاجل حيث من المتوقع انكماش الاقتصاد بمعدل 1.5' خلال العام الحالي مع استمرار معدل البطالة المرتفع.

وتزداد الأزمة الاقتصادية والمالية الأسبانية تعقيدا بسبب الارتفاع الكبير لمعدلات الدين العام للأقاليم ذات الحكم الذاتي في أسبانيا حيث من المتوقع أن تطلب ستة من بين 17 إقليما مساعدات مالية من صندوق السيولة الذي تم إنشاؤه مؤخرا برأسمال قدره 18 مليار يورو. وقد تقدم إقليم فالنسيا شرق أسبانيا بالفعل بطلب الحصول على مساعدة الصندوق. يذكر أن هذه الأقليم مسئولة بنسبة كبيرة عن العجز الكبير في الميزانية الأسبانية والبالغ 8.9' من إجمالي الناتج المحلي. ويشكك المحللون في قدرة هذه الأقاليم على خفض عجز ميزانياتها إلى مستوى 1.5' الذي حددته الحكومة. يقول كريستيان شولتز المحلل الاقتصادي في بيرينبيرج بنك الألماني إن المشكلات المالية للأقاليم تزيد احتمالات حاجة أسبانيا إلى الإنقاذ المالي.


في الوقت نفسه فإن حكومة مدريد تصر على عدم الحاجة إلى قروض إنقاذ وتلقي مسئولية مشكلاتها المالية على فقدان الثقة في العملة الأوروبية الموحدة. ولكن التقارير الإعلامية الأسبانية تشير إلى تزايد مشاعر اليأس لدى مسئولي الحكومة خلف الأبواب المغلقة. ويقول محللون إن انضمام رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو إلى قائمة الدول المحتاجة إلى المساعدات المالية سيزيد من الأعباء المالية على كاهل الاتحاد الأوروبي ويمكن أن يزيد اضطراب اليورو. كما أن هذه الخطوة ستفرض على أسبانيا تبني المزيد من إجراءات التقشف مما يطيل امد الركود الامر الذي يهدد باضطرابات شعبية واسعة في البلاد. في ظل كل هذه الحقائق فإن أسبانيا تواجه مجموعة من الخيارات أحلاها مر.