الظاهرة الملفتة في رمضان هذا العام في العراق، هي محاولات الترويج للبضاعة الفاسدة بعدما وجدت مستقرا لها في الأسواق، وبصورة علنية ، عبر بائعين يعرفون جيدا ان البضاعة فاسدة لكنهم يبيعونها مع سبق الاصرار، ما جعل المواطن العراقي في حالة من الهوس والخوف من السلع التي يستخدمها.


بغداد: يؤكد مصطفى كامل (موظف) ان المواطن يفقد ثقته بصورة تدريجية بالسوق وبالمجتمع ايضا بعدما تعرض الكثير من المستهلكين الى التسمم وحالات سوء الهضم بسبب تناولهم الغذاء الفاسد. ويعجب كامل كيف أن هؤلاء الباعة يتجاوزون قيم الخير والإخلاص التي يرسّخها رمضان فيستغلون الشهر الفضيل ، لتصريف البضاعة الفاسدة .

شهادة

الطبيب علي حسن في مستشفى بابل (100 كم جنوب بغداد) يؤكد أن الكثير من حالات التسمم مصدرها مواد غذائية فاسدة . وإحدى ضحايا الغش الصناعي محمد امين ( مدرس ) الذي اشترى قبل بدء رمضان ، زيتا غير صالح للاستهلاك ، مشيرا الى أن التاجر تلاعب بتاريخ الانتهاء ، لكن تكلّس الزيت في المخزن وانتشار رائحة نتنة أتاح له معرفة الحقيقة . وقبل أن يكتشف امين الخداع ، استخدم الزيت لعدة ايام ، مؤكدا ان حالة من الغثيان والتقيؤ أصابت أفراد الاسرة ، لكنه كان يعتقد ان ذلك ناجم عن الصيام .

الباحثة فاطمة الموسوي تؤكد أن هناك فضائح في هذا الصدد أبطالها جهات مسؤولة في الدولة وليس التجار وحدهم كما في قضية الشاي الفاسد الذي وزعته وزارة التجارة ضمن الحصة التموينية في الجنوب وكذلك الحليب الصيني المسبب لأمراض سرطانية خطرة حيث نوقشت القضية من قبل مجلس النواب عام 2008 .

التسمم

ومنذ أن أصيب فاهم حسين بالتسمم بعدما تناول الإفطار في أحد المطاعم قرر عدم خوض التجربة مرة أخرى ، مؤكدا أن بعض المطاعم هي الأخرى تستخدم أطعمة منتهية الصلاحية لغاية تحقيق أرباح جيدة . وكانت مديرية شرطة الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد) ، أعلنت هذا الاسبوع ، عثورها على مخزن يحتوي على نحو ستة أطنان من الشاي غير صالحة للاستهلاك البشري.

مراقبة الأسواق

وبحسب الضابط في الشرطة احمد حسن في بابل، فإن مديريات الشرطة في العراق والرقابة الاقتصادية تراقب الأسواق وصلاحية المواد الغذائية خلال شهر رمضان بصورة مكثفة. وشهدت مختلف مدن العراق تدفقا كبيرا في السلع وامتلأت مخازن الاسواق بشتى أنواع الصنوف لكن ذلك تزامن مع ارتفاع في أسعار المواد الغذائية .

الاكاديمي احمد عبيد من جامعة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) والاختصاصي في علم التغذية يؤكد أن الكثير من السلع في اسواق العراق تخالف المواصفات بل وتخالف الحد الأدنى منها. ويتابع : quot;الاكثر خطورة ، المواد الغذائية التي تحدث خللا في أداء الانسانquot;. ويصف الناشط في المجتمع المدني حليم حسن طرح سلع غير صالحة للاستهلاك وبكميات كبيرة جدا وفي مختلف المناطق يطرح السؤال حول إمكانية وجود جهات تنظم عمليات إرهاب تجاري ضد العراقيين بغية الإضرار بالمواطن والاقتصاد . الباحث الاقتصادي محمد الكاظمي يرجع ما يحدث الى غياب الرقابة الاقتصادية او ضعفها حتى قبل العام 2003 .

الامن الاقتصادي

ويؤكد الكاظمي الذي عمل لفترة ثلاثة عقود في الامن الاقتصادي ان العثور على المخازن تمتلئ بالبضائع الفاسدة ذات الأسعار الزهيدة احياناً، امر شبه يومي ، ما يدل على ان الجهات المختصة لم تستطع ان تجفف منابع هذه البضائع .ومن الامثلة الميدانية على ذلك ، ولا تحتاج الى دلائل على وجودها حين يصحبك الكاظمي الى ( بسطات ) الشوارع التي تحتوي بين بضائعها على سلع تم تغيير تاريخ انتهاء صلاحيتها عن عمد حيث يمكن ملاحظة ذلك بسهولة، او بضاعة منتهية الصلاحية .

لكن سؤال البائع عن مصدر هذه البضاعة لا يجدي نفعا لانه سيقول لك انه اشتراها من أحد المخازن . ويؤكد البائع الشاب احمد سعيد انه لا يعرف مصدرها، فقد اشتراها من مخزن متجول ، مؤكدا ان بضاعته من مصادر مختلفة ولهذا السبب لا يمتلك أي جواب .

سوق الشورجة

لكن التاجر احمد سعيد من سوق الشورجة في بغداد الذي يعد مخزنا تجاريا ضخما في بغداد ، يشير الى ان اغلب التجار من اصحاب البضاعة الفاسدة يعتدون على بائعين متجولين وأصحاب بسطات في غالب الاحيان لتصريف البضاعة وتتم العملية عبر منح البائع كمية من السلع من دون مقابل حتى ينجح في تصريفها عندئذ يحصل على نسبة من الارباح . وتتلف سلطات الامن الاقتصادي بين الحين والآخر في كل مناطق العراق كميات كبيرة من المواد الفاسدة بين الحين والآخر .

معايير السلامة

ويشير التاجر كمال الجنابي الى أن زيادة كميات السلع المنتهية الصلاحية ناتجة من ان بعض التجار لا يلتزمون بمعايير السلامة والصحة وهم يشترون البضاعة من بلدان المنشأ مشيرا الى انهم يخالفون القانون وبالتواطؤ مع جهات معينة في المنافذ الحدودية ، كما ان بعضهم يعمد الى استبدال التاريخ المنهي بآخر صالح ، وتتم هذه العملية بصورة سرية مخالفة للقانون، حيث يوزع التاجر بضاعته على أنها صالحة للاستهلاك البشري .

ويقول أحمد حسن الموظف في شعبة الرقابة الصحية إن استيراد المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك البشري ، عمل يومي لا يتوقف . ورغم ان الجهات الصحية تغلق بين الحين والآخر مطاعم ومخازن تجارية لا تهتم بنظافة وجودة وصلاحية الغذاء والسلعة ، الا أن هذا الاجراء يقف عاجزا عن مداولة آلاف الاطنان من المواد الغذائية والسلع المستهلكة التي لا ينقطع ضخها الى الاسواق .

المواصفات العالمية

وكانت الحكومة العراقية ، وقعت عقوداً مع شركات فرنسية وسويسرية، لفحص السلع الداخلة الى العراق ومدى مطابقتها المواصفات العالمية. ويشدد الباحث الاقتصادي احمد مهدي على ضرورة مطالبة دول الجوار بتبادل شهادات المطابقة و تفعيل جهاز التقييس والسيطرة النوعية على البضائع المستوردة .