بعدما بدأ يتراجع النفوذ الأميركي في العراق، بعد خروج القوات الأميركية من هناك قبل أشهر عدة، بدأ يبزغ نجم تركيا، وهي الجارة الشمالية للبلاد، من خلال الدور الاقتصادي الفاعل الذي باتت تلعبه، وربما تتحول بموجبه إلى لاعب رئيس في العراق.
تعتبر تركيا اليوم أكبر شريك تجاري للعراق، بعد زيادة الصادرات بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً منذ العام 2007 |
أشرف أبو جلالة من القاهرة: ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن تركيا تعتبر اليوم أكبر شريك تجاري للبلاد، بعد زيادة الصادرات بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً منذ العام 2007.
وأعقبت الصحيفة بتأكيدها على أن النفوذ التركي المتزايد بات واضحاً للعيان في كل مكان تقريباً، فهناك شركات خاصة تقوم بتنظيف الشوارع وتدريب الأطباء وتشغيل أفضل الفنادق وتوفير القدر الأكبر من الكهرباء لمدينة البصرة، التي تعتبر من أكثر المدن العراقية التي تواجه مشكلات على صعيد الكهرباء. ويعتبر زخم تركيا التجاري جزءًا من إصرار أكبر في النطاق يحولها إلى قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
مضت الصحيفة تشير إلى تأخر تنامي دور تركيا التجاري في العراق، خاصة وأنها كانت من المعارضين للغزو الأميركي، الذي تعرّضت له البلاد قبل 9 أعوام، كما إنها دفعت الثمن حين قامت حكومة الاحتلال بفرض قيود على التجارة التركية، وتفضيل شركات من حلفاء أكثر تعاوناً. كما نفرت تركيا في البداية من العراق الجديد، لقلقها من عدم الاستقرار الإقليمي والمنطقة الكردية شبه المستقلة على حدودها.
وهو ما نتج منه إقدام إيران، القوة الإقليمية الكبرى الأخرى التي تحد العراق، على توسيع نطاق نفوذها بصورة كبيرة، وتستفيد من العلاقات التاريخية مع شيعة العراق.
لكن الوضع بدأ يتغيّر الآن، مع بدء انتشار البرامج التلفزيونية التركية في العراق، وإدارة مجموعة من الأتراك لأكبر مول تسوق في بغداد، وسعي القنصلية التركية في البصرة إلى تعزيز سبل التعاون التجاري، خاصة وأن القنصل التركي هناك، فاروق كايماكسي، يرفع شعاراً مفاده quot;نقدم الجودة الأوروبية بأسعار تناسب الشرق الأوسطquot;.
وأفادت إحصاءات لحكومة تركيا بأن التجارة التركية مع العراق قفزت إلى 8.3 مليارات دولار عام 2011 بعدما كانت 2.8 مليار دولار عام 2007. وقال مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي إن ما يقرب من 600 شركة بناء تركية تعمل في العراق.
وأشارت الصحيفة إلى أن سعي تركيا إلى كسب النفوذ في العراق ليس مقصوراً على النشاط التجاري، حيث لعبت الحكومة التركية دوراً مهماً في صياغة المشهد السياسي في العراق. لكنها أوضحت أن تزايد نفوذ تركيا السياسي في العراق، وباقي أنحاء المنطقة كذلك، يؤجّج بشكل متزايد الانقسامات الطائفية، ويساهم في المناوشات الإقليمية.
وقال سينان أولغن، محلل متخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى مؤسسة كارنيغي في بروكسل، إنه ورغم الجهود التي يتم بذلها لتكوين علاقات مع كل فصائل العراق السياسية والطائفية، إلا أنه يُنظَر بشكل متزايد إلى تركيا باعتبارها جهة مساندة للسنة.
السفينةالعائمة التركية للطاقة تدعم محطة توليد للطاقة في البصرة |
ثم مضت الصحيفة تشير إلى الجهد الذي تقوم به شركة تركية في محافظة ميسان لبناء مشفى جديد، على أن تقوم بتشغيله بعد ذلك. وقال عبد الحسين عبد الرضا رئيس مجلس محافظة ميسان: quot;لا يمر أسبوع من دون قيام أحد رجال الأعمال الأتراك بزيارةquot;.
ثم تحدثت عن الدور المتزايد الذي تلعبه تركيا في مناطق، مثل البصرة، البعيدة كل البعد عن الحدود التركية، فضلاً عن تسيير الخطوط الجوية التركية للمزيد من الرحلات من هناك، بصورة يومية تقريباً، مقارنةً بغيرها من شركات الطيران الأخرى.
عاود هنا كايماكسي ليقول: quot;نحن نساعد الأتراك على اكتشاف العالم الخارجيquot;. ولفتت الصحيفة كذلك الى حادثة الاختطاف الطارئة التي تعرّض لها صادق أوغلو، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها بمساعٍ من جانب رئيس الوزراء نوري المالكي في العام 2008.
وسارت الأمور من وقتها بشكل جيد، واتفق صادق أوغلو، الذي يمتلك فندقاً كبيراً في إسطنبول، مع مجلس الاستثمارات التابع للحكومة المحلية على إنفاق ما يصل إلى 18 مليون دولار لبناء فندق جديد خمس نجوم مكون من 250 غرفة على أرض تم تخصيصها له من جانب مجلس الاستثمار في البصرة. لكن المشروع لم يخرج من وقتها للنور بسبب خلل بشأن سجلات الملكية، بينما تعهد أوغلو بالعودة إليه وإكماله.
وبينما أشار اركومنت أكسوي، رئيس مجلس إدارة مجموعة DEIK التجارية التركية، إلى أن النشاط التجاري التركي قد يتوقف، وربما يتقلص كذلك لأسباب عدة، من بينها الانقسامات السياسية، فإنه أوضح أن التباطؤ سوف يكون quot;موقتاًquot; على الأرجح.
وهي الاحتمالية التي لم يستبعدها ميثم الأحمد، وهو رجل أعمال من البصرة، لكنه قال إن التظاهرات، التي ساعد على تنظيمها، كانت بمثابة التحذير للابتعاد عن السياسة العراقية، موضحاً أنهم بحاجة إلى تعاون الأتراك، لكن من دون أن تتأثر العلاقات بينهما.
التعليقات