يؤرق الارتفاع الكبير لأسعار المواد الغذائية في شهر رمضان التونسيين، الذين استقبلوا هذا العام شهر الصيام في ظل حكم الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة للمرة الأولى في تاريخ البلاد.


رمضان تونس: أسواق لا تنام وأسعار خارج الرقابة

تونس: سجلت أسعار المواد الغذائية التي يكثر عليها الطلب في شهر رمضان (اللحوم والخضر والفاكهة...) ارتفاعًا، وصفه مواطنون تونسيون بـquot;القياسيquot; مقارنة بالسنوات الماضية، في وقت يشكو فيه التونسيون من مصاعب مالية متزايدة جراء تداعيات الثورة التي أطاحت في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

شطط الأسعار يدفع عائشة، وهي ربة منزل في الأربعينات من العمر، إلى التجول في كامل السوق المركزية في العاصمة تونس بحثًا عن الأسعار quot;الأرفقquot;. وقالت السيدة وهي تلقي نظرة على خضر معروضة في ركن في السوق quot;هذا العام كل شيء غالٍ جدًا، الأسعار حطمت أرقامًا قياسية تاريخية مقارنة بالأعوام الماضيةquot;.

وأضافت quot;كثير من الناس الذين يأتون إلى هنا يكتفون بمشاهدة البضاعة أو شم رائحتها، ثم يمرون في حال سبيلهم، لأن العين بصيرة واليد قصيرةquot;. وفي نيسان/إبريل 2012 تعهد حمادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة الإسلامية بخفض الأسعار مع حلول شهر رمضان.

وتقول وسائل إعلام محلية إن الحكومة عجزت عن الإيفاء بتعهداتها بسبب تواصل الاحتكار والمضاربة وتهريب الأغذية إلى ليبيا المجاورة وعجز الدولة عن كبح جماح التجار الجشعين. وخلال شهر رمضان يرتفع معدل الاستهلاك في تونس بنسبة تصل إلى 15 % مقارنة ببقية أشهر السنة بحسب وزارة التجارة.

سليمة، عاملة في مصنع نسيج وربة عائلة، قالت إن عائلتها كانت في السابق تخصص 160 دينارًا (80 يورو) لمصاريف الأكل طوال شهر رمضان، لكنها أنفقت هذا العام المبلغ نفسه خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان. وأضافت مغتاظة: quot;سعر كيلو الليمون وصل اليوم إلى 4 دنانير (2 يورو) أي ثمانية أضعاف ما كان عليه قبل رمضانquot;.

وعلقت إذاعة محلية على ارتفاع أسعار المواد الغذائية في رمضان بالقول: quot;يجب الحصول على قرض بنكي لإعداد (طبق) الشكشوكةquot; الشعبي، الذي يتكون من الطماطم والبصل والفلفل.

في 18 تموز/يوليو 2012 أصدرت وزارة التجارة quot;مقررًا يحدد أسعار البيع القصوىquot; للحوم البيضاء والحمراء والبطاطا والليمون والتمور والبيض.

وقالت الوزارة في بيان إن تحديد أسعار هذه المواد يأتي quot;بمناسبة حلول شهر رمضان وأمام الارتفاع السريع وغير المبرر أثناء هذا الأسبوع (الذي سبق شهر رمضان) لأسعار بعض المنتجاتquot;.

ورغم إصدار المقرر، فإن مصالح وزارة التجارة سجلت خلال الأيام الخمسة الأولى من شهر رمضان أكثر من 1000 مخالفة، غالبيتها تتعلق بعدم احترام الأسعار من قبل تجار quot;جشعينquot;، أقدم بعضهم على الاعتداء بالعنف المادي واللفظي على مراقبي الأسعار التابعين لوزارة التجارة.

محمد (موظف) قال مستاء: quot;على الحكومة فعل اللازم من أجل احتواء ارتفاع الأسعار ورفع الأجور، وإلا فسيتم كنسها في الانتخابات المقبلةquot;، متسائلاً quot;هل هناك شيء أهم من أن يملأ الصائم بطنه في شهر الصيام؟quot;.

ورفعت الحكومة في العام الحالي الأجر الأدنى المضمون إلى نحو 150 يورو في الشهر، فيما انطلقت المفاوضات الاجتماعية التي تطالب برفع الأجور في القطاعين العام والخاص.

وأظهرت دراسة، نشرتها في وقت سابق مؤسسة quot;أمرهود كونسلتينغquot; التونسية المتخصصة في دراسة الأسواق، أن التونسي يصرف كامل راتبه خلال النصف الأول من كل شهر، وأنه يواجه خلال النصف الثاني منه صعوبات مالية كبيرة تدفع إلى الاقتراض.

وبحسب نتائج استطلاع أعدته في وقت سابق quot;منظمة الدفاع عن المستهلكquot; غير الحكومية، فإن أكثر من 85 % من التونسيين مدينون ماليًا للبنوك والأقارب والأصدقاء.

وانكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 1.8 % سنة 2011 بسبب تداعيات الثورة بعدما كان يحقق معدلات نمو سنوية تفوق 4 % خلال العقدين الأخيرين. ورغم بوادر انتعاشة اقتصادية في بداية 2012 لا تزال البطالة التي كانت وقود الثورة التونسية مرتفعة (حوالي 19 %).

وبعد الإطاحة بنظام بن علي، اكتشف التونسيون أن نسب الفقر، التي كانت السلطات تنشرها في عهده (حوالي 4 %)، كانت مغلوطة، إذ كشفت وزارة الشؤون الاجتماعية أن حوالي 25 % من التونسيين يعيشون تحت خط الفقر.