دمشق: كشف تقرير مصرفي عن خروج نحو 10.5 مليارات دولار من سوريا منذ بدء الأزمة، واحتمالات أن ينحدر احتياط العملات الصعبة في المركزي السوري إلى 1.1 مليار دولار في نهاية العام الحالي، وهو رقم لا يغطي شهرا كاملا من فاتورة الاستيراد، بحسب ما جاء في نشرة مصرف بيبلوس اللبناني ونسبه إلى معهد التمويل الدولي.
ويتابع الاقتصاديون بقلق مماثل ما يرد في التقارير الدولية حول الاستنزاف الحاد لاحتياط العملات الصعبة في سوريا، وترقب انحداره إلى نحو مليار دولار فقط في نهاية العام الحالي نزولا من مستوى 18 مليار دولار ما قبل اندلاع الأزمة منتصف مارس من العام الماضي، وهذا ما يقلص تباعا قدرة الدولة على استيراد مواد أساسية من جهة، ويزيد من ضعف سعر صرف الليرة من جهة مقابلة.
وقال مسؤول مصرفي لبناني لصحيفة الشرق الأوسط إن أغلب مصادر تمويل الاحتياط من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي السوري شبه مسدودة أو تواجه تعقيدات صعبة في ظل الأوضاع القائمة، لا سيما بالنسبة لقطاع السياحة الذي كان يدر دخلا بنحو 6 مليارات دولار سنويا، وقد تراجع بما يفوق 90% خلال النصف الثاني من العام الماضي والنصف الأول من العام الحالي.
كما تقلصت بشكل حاد الصادرات النفطية وبعض الصادرات غير النفطية بفعل العقوبات العربية والأوروبية والأميركية وبفعل تعطل الإنتاج أو تقلصه في الكثير من المصانع والإنتاج الزراعي بفعل الأحداث الجارية التي تشمل معظم المحافظات السورية.
وقال نسيب غبريل رئيس الوحدة الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس quot;من الصعب حاليا رصد تأثيرات الأزمة السورية على كل القطاعات الاقتصادية، لكن التقرير الدولي يتمتع بالصدقية لجهة المصدر ومن جهة معد التقرير الذي يملك خبرة واسعة في صندوق النقد الدولي ويتابع منذ سنوات اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليجquot;.
ويحذر معهد التمويل الدولي، وفق ورد في النشرة الدورية لبنك بيبلوس، من انكماش الاقتصاد السوري بنسبة 20% في نهاية العام الحالي إذا استمرت الأوضاع السائدة على ما هي عليه حاليا. إذ يتوقع تراجع الاقتصاد بنسبة 14% خلال العام الحالي، معززا بذلك التراجع البالغ نسبته 6% خلال العام الماضي. وذلك نظرا إلى التراجع الكبير في الإنتاج الزراعي واستمرار هبوط حركة الاستثمارات والتصدير بسبب تزايد معدلات العنف والعقوبات الاقتصادية.
ويلفت التقرير إلى تراجع حاد في حجم الاستثمارات الأجنبية الوافدة لتصل إلى حدود 100 مليون دولار فقط هذا العام، مقابل 600 مليون دولار في العام الماضي. وذلك انحدارا من 1500 مليون دولار سجلتها في عام 2010. كذلك تتراجع الإيرادات النفطية؛ إذ يتوقع انخفاض الصادرات إلى 100 ألف برميل نفط خام يوميا، من 130 ألف برميل في عام 2011. وفي ظل استمرار عجز الحساب الجاري في سوريا واستمرار هروب الرساميل من البلاد وعجز المالية العامة، يتوقع التقرير أن يجف احتياطي البلاد من العملات الصعبة بنهاية عام 2013.
وتعاني البنوك اللبنانية عموما، وبالأخص منها التي تملك حصة الغالبية وحق إدارة 6 مصارف خاصة من أصل 14 مصرفا خاصا عاملا في السوق السورية، من ضغط مزدوج مرده إلى الأزمة المستمرة في سوريا على مدى 17 شهرا متتاليا من جهة، ومن رقابة مالية أميركية صارمة وتفصيلية في تطبيق العقوبات الصادرة عن جهات عربية وغربية في حق أشخاص ومؤسسات من سوريا، فضلا عن إيران وحزب الله.
ويقدر مصرفيون تدني أصول المصارف الستة العاملة في سوريا المقومة بالدولار بما يقارب 50% حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي، بسبب الخسائر المباشرة والتراجع الحاد في حجم الأعمال.
وقد عمدت هذه المصارف إلى تخصيص مؤونات لتغطية التعثر المحقق أو المرتقب في المحفظة الائتمانية، لكنها تتريث في اتخاذ تدابير إضافية بما فيها الخروج الذاتي من السوق بانتظار جلاء مسار التطورات الحاصلة ونتائجها، سيما أن الإجراءات المتخذة تكفلت باستيعاب الخسائر والتداعيات، كما أن حجم هذه الوحدات يراوح بين 5 و10% من المصرف الأم، باستثناء مصرف واحد.
ويعزز هذه التوقعات تصريحات سابقة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة كشف فيها أن أعمال المصارف اللبنانية الخاصة في سوريا تراجعت بنحو 40% منذ بدء الأزمة، وأنها اضطرت إلى حجز مخصصات بنحو 300 مليون دولار لمقابلة تسليفات قد تتعرض للتعثر. فيما أكد عدم وجود أي تفلت من جانب المصارف اللبنانية في التزام العقوبات المقرة والمعلنة ضد سوريا من قبل أميركا وأوروبا والجامعة العربية.
واعتبر أنه من المؤكد أن الأحداث السورية لها تأثير على المصارف اللبنانية التي تعمل في سوريا أو التي تعمل مع السوريين، ولكننا اتخذنا بالتنسيق معها إجراءات استباقية وكونت المؤونات اللازمة وبالتالي لن تعترضنا مفاجآت سلبية من خلال نتائج مفاجئة تتأتى من هذه المصارف العاملة في سوريا.
وتضم مجموعة البنوك اللبنانية الستة العاملة في سوريا: بنك بيمو، بنك سوريا والمهجر، بنك عودة سوريا، بنك بيبلوس سوريا، فرنسبنك سوريا، وبنك الشرق التابع لمجموعة اللبناني الفرنسي، إضافة إلى مساهمة أقلية في بنك لبنان والخليج. وقد احتلت هذه المصارف موقعا متميزا في السوق المصرفية السورية. فقد كانت ما قبل الأزمة (منتصف مارس 2011) تمثل نحو 60% من إجمالي الأصول لدى المصارف الخاصة و70% من الودائع و57% من إجمالي القروض.