لم تعد مشكلة الطاقة في المملكة حصرا على طاولة النقاش للقيادات الاقتصادية أو مجلس الوزراء، وليست أيضا في معزل عن المواطن السعودي الذي أضحى أكثر اطلاعا في ظل تزايد وسائل الاتصال وسهولة الحصول على تقارير، وهذا ما حدث في تقرير سيتي غروب الأخير الذي أثار جدلا داخل المجتمع السعودي.


الرياض: كانت شركة الكهرباء تنادي دوما بضرورة ترشيد الاستهلاك والمحافظة على معدلات تشغيل متدنية في أوقات الذروة، وبحكم غياب التنسيق بين الوزارات والقطاعات الحكومية الذي تعاني منه اغلبها في السعودية، فإن مثل هذه المشاكل غابت عن طاولة النقاش منذ وقت مبكر.

فوزارة الاقتصاد والتخطيط يظهر في خططها الخمسية مطالبات دائمة بضرورة عدم الاعتماد على النفط بشكل رئيس والتركيز على زيادة الناتج المحلي من مصادر أخرى، وتتكرر هذه المطالبات بشكل متتالي في الخطط الصادرة من الوزارة، دون أي متابعة من قبلها على الرغم من ذلك من أهم المهام التي يجب أن تقوم بها وزارة التخطيط في أي دولة في العالم.


حجم الإنتاج والاستهلاك اليومي
وتعد المملكة من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، حيث احتلت لسنوات عديدة الترتيب الثاني بعد روسيا الاتحادية بحجم إنتاج يبلغ 10 مليون برميل يوميا، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 12.5 مليون برميل يوميا، والترتيب الأول من حيث حجم الاحتياطات في باطن الأرض التي تعتبر جاهزة من حيث الاستخراج، وأظهر تقرير صادر من شركة (بريتش بتروليوم BB ) العالمية أن حجم الاستهلاك اليومي للنفط في السعودية خلال 2010 بلغ 2.5 مليون برميل، ويتزايد سنويا بمعدل 6-8 % الأمر الذي ينبئ بمخاطر على المدى المتوسط والطويل على الناتج المحلي والإيرادات النفطية للسعودية مستقبلا.


مصادر الطاقة في المملكة واستغلالها عانت لفترات طويلة صعوبة الاستغلال وسوء في اتخاذ القرار، يقابلها ارتفاع في التكاليف بالإضافة إلى ندرة في الخبرات الإدارية في هذا المجال، الأمر الذي أدى إلى اعتماد المملكة على مصادر محدودة لتوليد الطاقة، والفشل الذي صاحب مشروع الطاقة الكهربائية الضخم الذي أقرته الحكومة قبل عدة سنوات ورفض عدة شركات الدخول فيه لارتفاع رأس المال التشغيلي وتدني هامش الربح.

المشكلة وفق كل تحليلات الخبراء في quot;الإدارةquot; وليس في الإمكانيات أو توفر وسائل الطاقة، فالغاز المصاحب لإنتاج النفط الذي من المفترض منطقيا أن تكون المملكة من أكبر الدول إنتاجا وتصديرا له، فتظهر دولة قطر من أكبر الدول في العالم في إنتاج وتصدير الغاز على الرغم من تدني تكاليف الإنتاج والنقل لهذا المصدر المهم للطاقة.


مصافي النفط وتكاليف الإنتاج
ما تتميز به المملكة هو تدني تكاليف الإنتاج النفطي، وبالتالي ارتفاع هامش الربح للتصدير، وتتجاوز إيرادات العام 2011 أكثر من ٤٠٠ مليار دولار فيما بلغت الإيرادات في النصف الأول من هذا العام حوالي ١٦٠ مليار دولار، في المقابل ارتفاع في المصروفات بالإضافة إلى ارتفاع مطرد في الاستهلاك النفطي للمملكة، عطفا على الارتفاع الكبير في كلفة توفير الطاقة في المملكة وخاصة الكهربائية.

وتشير التقارير إلى الخطورة في الفترة المستقبلية وهو انتهاء العمر الافتراضي لأغلب مصافي النفط في المملكة، مما يؤدي إلى توقف البعض منها للصيانة وبالتالي توقف الإنتاج أو تعويضه من خلال مصافي أخرى مما يزيد تكلفة الإنتاج والاستخراج وبالتالي تقل الإيرادات عما هو مخطط له، وهو ما صرح به احد الخبراء الاقتصاديين قبل سنتين تقريبا واصفا الأمر بالمكلف جدا في ظل ارتفاع الإيرادات النفطية وزيادة الطلب العالمي على النفط.

تقرير سيتي غروب يلامس قضية عدم توجه الحكومة من خلال قياداتها الاقتصادية إلى النظر في البحث عن مصدر آخر للطاقة غير النفط يكون أقل كلفة، كما تفعل الدول المتقدمة، خاصة وأن المملكة تملك من رؤوس الأموال ما يسمح لها باستقطاب الكفاءات في مجال الطاقة، بالإضافة إلى مشكلة التوسع السكاني الهائل في المملكة والزيادة الملحوظة في السكان سنة بعد أخرى.

وإذا تمت مقارنة السعودية بدولة متقدمة كالولايات المتحدة التي أصبحت تستخدم النفط في السنوات الأخيرة في قطاع النقل فقط من بين القطاعات الأخرى، حيث قامت بإحلال وسائل طاقة أخرى وأهمها المفاعلات النووية، في حين نجد أن المملكة وفي ظل أزمة النقل المتجددة وعدم توفر وسائل بديلة للسيارات والطائرات بالإضافة إلى المساحات الشاسعة للمملكة، تظهر الحاجة للاستهلاك المحلي بشكل أكبر سنة بعد أخرى، يقابلها ضمور ملحوظ في الانتقال إلى مصادر أخرى للطاقة، خاصة المفاعلات النووية والطاقة الشمسية المهدرة في المملكة.


الحلول ليست بعيدة!
مشكلة الطاقة في المملكة ليست صعبة إلى الحد الذي تخشاه ولكنها في الوقت ذاته في غاية الأهمية وبحاجة لتحرك حكومي سريع جدا وتظافر الجهود من كافة الوزارات ذات العلاقة، بدء من وزارة التخطيط والجهات الرقابية الأخرى. موضع المملكة في سوق النفط مهم جدا وتكمن المشكلة هي في كيفية التحول من محاولة السيطرة والتحكم في الأسعار إلى التوجه لتقليل الاستهلاك المحلي وإهدار الطاقة، خاصة في ظل الاعتماد الكبير للناتج المحلي على النفط فقط دون غيره من الإيرادات.

التقرير وتوقعاته عن السوق السعودية يستحضر الأزمة الأميركية في السبعينيات حيث أصبحت تستهلك أكثر مما تنتجه من النفط، وهي كبرى دول العالم، خاصة بوجود خلل في بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي لها.