إزاء استمرار إيران في برنامجها النووي، عمدت الولايات المتحدة إلى قطع طريق التحويل المالي باليورو، الذي كلن حبل نجاة الصادرات النفطية الإيرانية حتى الآن، بعدما جفت منابع دولاراته بفعل العقوبات الدولية التي تزداد تشددًا.


عمدت الولايات المتحدة إلى تجفيف منابع الدولارات التي تغرف منها ايران، كوسيلة لتعطيل برنامجها النووي. لكن لهذه العقوبات المالية حدودًا. وإزاء استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم، بالرغم من الضغوط الاقتصادية الغربية، فإن واشنطن تسعى الآن إلى منع نظام الملالي من الوصول إلى اليورو، العملة الثانية المفضلة لديه.
تتمثل الأداة الرئيسية للاستراتيجية الاميركية بما يُسمى نظام quot;التسوية الآلية للتحويل السريع عبر أوروبا في الوقت الحقيقي الإجماليquot; ومختصره quot;تارغيت 2quot; وهو المعادل الاوروبي لنظام quot;فيداويرquot;، الذي يعتمده مجلس الاحتياط الفيدرالي.

خدمات غير مقصودة
تُنجز جميع التعاملات والصفقات المالية باليورو عبر نظام تارغيت 2، إلا إذا كانت صفقات مشبوهة وغير قانونية مثل تبيض الأموال. ويتولى نظام تارغيت 2 تيسير عدد لا يُحصى من التعاملات والصفقات المالية المشروعة باليورو في كل عام. لكنه يمكن أن يُستخدم من غير قصد في خدمة المحاولات الايرانية، الرامية إلى الالتفاف على العقوبات.
على سبيل المثال، إذا أراد تاجر ايراني تحويل مبالغ باليورو من حسابه المصرفي بالعملة الصينية (يوان) ثم تحويل هذا المبلغ بالعملة الصينية إلى حساب باسم شركة صينية تنتج لدائن فولاذ فائقة المتانة، يمكنها أن تستخدم في تصنيع اجهزة طرد متطورة، فالمرجح أن يستخدم مصرف التاجر الايراني نظام تارغيت 2 في هذه العملية. كما يشارك في العملية مصرف اقليمي في آسيا أو مؤسسة تسويات مالية آسيوية ومصرف أوروبي.

تحول إلى اليورو
يتسم نظام تارغيت 2 بأهمية بالغة بالنسبة إلى إيران، لأن العقوبات المالية الاميركية نجحت في وقف القسم الأعظم من تجارة إيران بالدولار. وردًا، على هذا الاجراء، حولت إيران مليارات الدولارات من احتياطي عملاتها الأجنبية إلى اليورو، باعتبارها العملة الثانية في احتياطيات الدول من القطع الأجنبي، وتأتي بعد الدولار في سيولتها. كما بدأ النظام الايراني يبرم نسبة كبيرة من عقوده التجارية الدولية باليورو.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن الجمهورية الاسلامية تحتفظ بزهاء ثلث احتياطيها من العملات الأجنبية في مصارف أجنبية. ونقلت عن مصادر رسمية تأكيدها أن اليورو هو العملة المفضلة لدى الايرانيين حاليًا. وأودعت إيران إيداعاتهات باليورو في مصارف صينية وسويسرية ونمساوية وروسية وتركية ورومانية، إلى مصارف أجنبية أخرى. كما حولت بعض ارصدتها باليورو إلى عملات أخرى لتيسير ما تبقى من علاقاتها التجارية الدولية.

عبر أوروبا
أصبح اليورو العملة المفضلة للمصرف المركزي الايراني ايضًا، منذ بدأت العقوبات المالية الاميركية تأخذ مفعولها. واليورو هو الآن أداة التحوط الرئيسية التي تملكها إيران للإفلات من هذه العقوبات.
لكن توجيهات المصرف المركزي الاوروبي تحظر استخدام الضالعين في تبييض الأموال وتمويل الارهاب، وفي نشاطات تسهم في الانتشار النووي، وفي تطوير منظومات لإيصال أسلحة نووية إلى اهدافها، لنظام تارغيت 2. وهي مواصفات تنطبق بالكامل على النظام الايراني.
لكن مصارف ايرانية عديدة ومصارف اجنبية مختلفة، تتولى إنجاز الصفقات والتعاملات التي تجريها الجمهورية الاسلامية باليورو، ما زالت قادرة على استخدام نظام تارغيت 2 كأطراف مباشرة أو غير مباشرة.
وهذا لا يثير الغرابة، فحتى اوائل العام 2012، كان 44 مصرفا ومؤسسة مالية ايرانية مستمرين في استخدام نظام سويفت البلجيكي، الذي يدير غالبية المعاملات المالية في العالم، فضلًا عن خدمة تأمين الرسائل المالية المتبادلة بالارتباط مع نظام تارغيت 2.
في شباط (فبراير) 2012، أصدر الكونغرس الاميركي قانونًا يجيز لادارة اوباما معاقبة نظام سويفت إذا لم يطرد المصارف الايرانية من شبكته. والتزمت السلطات الاوروبية ذات العلاقة في الشهر التالي بإصدار اوامر إلى سويفت بطرد مستخدمي النظام الايرانيين المدرجين على القائمة السوداء للاتحاد الاوروبي. وطُرد بالفعل نحو 30 كيانًا ايرانيًا بينها المصرف المركزي الايراني. وكان اجراء سويفت غير المسبوق ضربة موجعة لعلاقات إيران التجارية.
ولم يمتد التشريع الاميركي في حينه إلى نظام تارغيت 2، لكن بعدما ظهرت أدلة جديدة تؤكد أن إيران تحصل على اليورو من خلاله لتسوية مدفوعاتها، أعلن مسؤولون في المصرف المركزي الاوروبي استعدادهم لمنع إيران من استخدام النظام لانتهاكها توجيهات المصرف، كما افادت وكالة رويترز.

عامل الوقت
يكتسب نظام تارغيت 2 أهمية أكبر من اهمية نظام سويفت، بعد العقوبات المالية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة في 6 شباط (فبراير) الجاري. وتُبقي العقوبات الجديد مليارات من عائدات النفط في حسابات بالعملة المحلية داخل البلدان التي تستورد النفط الايراني، مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا.
ولا يمكن تحويل هذه الأرصدة بالعملة المحلية إلى ايران، ولا استخدامها لتمويل صفقات تجارية خارج هذه البلدان. وعلى إيران أن تنفق هذه العملات المحلية لشراء بضائع من مصدِّرين محليين.
كما تحد هذه العقوبات من قدرة إيران على تحقيق عائدات نفطية باليورو. ونتيجة لذلك، تكتسب ارصدة إيران باليورو أهمية مضاعفة من أجل الحفاظ على احتياطيها من العملات الأجنبية بالمستوى المطلوب، للتخفيف من وطأة العقوبات.
لكن الوقت لا يلعب في صالح إيران. فقد قال تقرير أخير صادر عن مشروع استراتيجية عدم الانتشار الأميركي ـ الشرق أوسطي إن منتصف العام 2014 هو الموعد الذي يمكن أن تصل فيه طهران إلى مستوى من quot;القدرة الحرجةquot;، إي إنتاج ما يكفي من اليورانيوم لتصنيع قنبلة نووية. وقبل ذلك، تتوفر لدى المجتمع الدولي فرصة صغيرة لمحاولة أخيرة تجعل العقوبات مجدية أكثر. ويمكن لنظام تارغيت 2 أن يقوم بدور مهم في إنجاح هذه المحاولة.