أصبحت مدينة ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا الألمانية، محط إهتمام العرب منذ أمد ليس بالبعيد، وفي موسم الصيف يبدو وكأنط قلب مدينة عربية بإمتياز من حيث كثافة المشهد العربي فيها، فالسير في تعرجات الطرقها، والتنزه في حدائقها الغناء، يجعل المرء ولو للحظة واحدة يتخيل أنه يسير في أحد شوارع دبي أو الدوحة!.

ميونيخ: ليست السياحة وحدها في ميونيخ هي مجال إهتمام أثرياء الخليج والعرب فقط، لكن ثمة إهتمام آخر بدأ يعرف طريقه إلى المدينة، وهو الاستثمار الخليجي سواء في الأعمال التجارية أوالمشاريع الصناعية الكبرى ـ فما هي العوامل الأساسية التي تجعل من مدينة ميونيخ مركزاً سياحياً واستثمارياً مهماً لأثرياء الخليج؟
علاقات متميزة
القصة تعود إلى نهاية سنوات الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، عندما بدأ العرب يتخلون عن الذهاب إلى مدينة لندن،التي بقيت مدينتهم المفضلة لسنوات عديدة، ومركزهم الأول للتبضع والشراء خاصة من شارع أكسفورد الشهير، لكن الحال تغير بعد وقوعهم ضحايا لعمليات إحتيال ونصب كثيرة كانت تستهدف أموالهم، فوجدوا عندئذ ضالتهم المنشودة في ميونيخ الوادعة الهادئة، لقد إرتاح العرب كثيراً للتعاملات الألمانية في مراكز تبضع المدينة، فهناك إلتزام بالصراحة والوضوح وخدمات دقيقة تشمل اللغة العربية وأماكن لإقامة الصلاة في المتاجر الكبرى، إنهم دائما على حق وطلباتهم مجابة، ولا يواجهون أي تحايل أو تمييز أو سخرية، وهناك إحترام كبير لعادتهم وعقائدهم ، ووفق quot;محمد الرميثيquot; قنصل دولة الإمارات السابق في ميونيخ ـ فإن التعاون المستمر بين بافاريا ودولة الإمارات شجع الحكومة البافارية على إفتتاح مكتب تمثيل دائم لها في أبوظبي، مهمته القيام بتنسيق الأعمال التجارية والاقتصادية بين الدولة والولاية، هذا إضافة إلى السفارة والقنصلية الموجودة في دبي. وهذه ترجمة على أرض الواقع لمتانة العلاقات التجارية مع دول الخليج.
لقد بات معروفاً أن ولاية بافاريا تُولي أهميةً خاصةً في مجال التعاون وجذب استثمارات الخليجيين، فدول مجلس التعاون الخليجي تمثل رابع أكبر سوق لألمانيا في الخارج، وفي هذا الإطار تنفرد ولاية بافاريا بالنصيب الأكبر بين الولايات الألمانية في الشراكة مع هذه الدول خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة التي يصل حجم استيرادها السنوي من ألمانيا ما قيمته 6.1 مليار يورو، أغلبها عبارة عن أجهزة وسيارات تنتجها كبريات الشركات الألمانية التي تقع معظمها في ولاية بافاريا.
الاستثمارات السياحية العلاجية هي الأخرى تنمو وتزداد في الولاية ويقول قنصل دولة الإمارات السابق في ميونيخ ـ إن الإمارات تضخ قرابة 100 مليون يورو في خزينة الولاية نظير علاج ثلاثة آلاف مواطن سنويا في مستشفيات الولاية، من ناحية أخرى فإن مشاريع عدة في مجال السياحة العلاجية، قد تم تشيدها خصيصاً لعلاج العرب، أغلبها يقع في quot;باد اندورفquot; quot;وباد فيزاquot; وأماكن عدة أخرى للاستشفاء تقع في مراكز الينابيع الطبيعية في منطقة جبال الآلب البافارية.
لا عوائق أمام المستثمرين العرب
ليست هناك عوائق في جذب الاستثمارات الفردية من الخارج إلى بافاريا ومنها الإستثمارات العربية، بل ثمة تسهيلات جمة تطرحها ولاية بافاريا في هذا المجال .فمثلاً عدد الذين إفتتحوا مشاريع تجارية خلال السنوات القليلة الماضية بلغ حوالي 12.398 هم من الأجانب وأغلبهم من دول الاتحاد الاوروبي، وهي نسبة عالية مقارنة بنسبة 92.281 من الألمان الذين استثمروا في الولاية.
أغلب المشاريع العربية الفردية في هذا المجال هي مشاريع تقع في مجال الخدمات التي تتوافق مع ازدياد نسبة السياح العرب الوافدين الي المدينة، وتنحصر أغلبها في إطار الخدمات الفندقية، ومطاعم الأكل، والرعاية الصحية، وتأجير السيارات، وتأجير وبيع العقارات السكنية التي يقبل عليها أثرياء الخليج بشكل خاص.
الطاقة الشمسية استثمار المستقبل
إن أحد اكبر المشاريع الاستثمارية الخليجية هي شركة quot;مصدرquot; لإنتاج الخلايا الكهروضوئية في quot;اشترن هاوزنquot; وهو استثمار إماراتي عملاق تأسس في عام 2009 برأس مال إمارتي خالص يصل الى 200 مليون يورو، وهذا وفق ما صرحت بهquot; الكسندرا انجلرquot; المتحدثة الإعلامية لشركة مصدر والتي تقول: إن الشركة هي شركة رائدة ستصدر منتجاتها إلى كل دول العالم. في هذا السياق تعول حكومة الإمارات على إنجاز عدة مشاريع عملاقة جديدة في مجال الطاقة المتجددة وصناعة البتروكيماويات والإلكترونيات.
لم تكن قطر هي الأخرى بعيدة عن مجال الشراكة والاستثمار فشركة quot;سولار وورلدquot; أكبر شركة ألمانية عاملة في مجال الطاقة الشمسية، والتي تقوم بإنتاج كل ما يتعلق بتلك الصناعة، لها مشاريع مشتركة مع الجانب القطري لإنتاج 3600 طن سنويا من مادةquot; البولي سيلكون quot;المستخدمة في صناعات الطاقة الشمسية، وتبلغ حصة قطر في هذا المشروع العملاق 70% أما حصة الشركة فهي 29%ويمتلك بنك قطر للتنمية 1%.
المهندس عمر الكاشف مصري يعمل في مجال الاتصالات في المانيا ويمتلك شركة صغيرة خاصة، وهو يرى أن الإمكانيات التقنية العالية المتوفرة في الشركات الألمانية هي أحد العوامل التي تجذب المهاجرين والمستثمرين على حد سواء، ويقول إن ألمانيا موقع صناعي وتكنولوجي عالي الكفاءة يحظي بثقة كافة المستثمرين، فألمانيا على سبيل المثال قد حققت في عام 2009 ضعف ما حققته المملكة المتحدة وفرنسا مجتمعة، فقوتها في مجال الإبتكار تشجع المستثمرين العرب، خاصة وانهم يبحثون عن التفوق والتميز وهو الشئ الذي تحظى به الصناعات الألمانية.