برعاية وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، اختتم، السبت، حفل "روائع الأوركسترا السعودية" في مسرح سنترل هول وستمنستر الشهير، بمشاركة الأوركسترا الفيلهارمونية الملكية البريطانية.


إيلاف من لندن: احتضنت العاصمة البريطانية لندن، السبت، حفلاً استثنائياً يندرج ضمن سلسلة الاحتفالات الدولية باليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين، ليؤكد على مكانة الثقافة والفنون السعودية في المحافل العالمية.

من قلب لندن: السعودية تبعث برسالة موسيقية
وانطلق حفل "روائع الأوركسترا السعودية" في لندن، حيث شهد المسرح المرموق في وستمنستر عرضاً موسيقياً يعبر عن التنوع الفني والتراثي للمملكة العربية السعودية.


واستضافت شاشة قناة "الثقافية" ناشر ورئيس تحرير صحيفة "إيلاف"، عثمان العمير، على هامش الحفل، حيث أعرب عن سعادته بإقامة هذا الحدث السعودي في قاعة "سنترال هول" في وستمنستر، هذه القاعة الموغلة في الحضارة والسياسة والتاريخ، والتي استضافت على مدار أكثر من مئة عام فعاليات عالمية مهمة، مما يجعلها منصة مثالية لهذا العرض السعودي.

عن رمزية إقامة الحفل في وستمنستر، قال العمير "هذه القاعة هي من أهم القاعات في لندن، مسرح مرموق استضاف على مدار أكثر من قرن العديد من الفعاليات، وكان شاهدًا على أحداث كبرى وشخصيات سياسية وثقافية من كل أنحاء العالم". وأضاف: "بنيت هذه القاعة عام 1912 في قلب لندن بين البرلمان والكنيسة وداوننغ ستريت، حيث لا يزال الحكم في بريطانيا يدار من هنا منذ القرن الحادي عشر".

واستذكر العمير زيارة الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز في عام 1946 برفقة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، إلى "سنترال هول"، التي احتضنت الاجتماعات الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن في هذا المكان.
ولفت العمير إلى أن سنترال هول قاعة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، وتجاورها كنيسة وستمنستر التي فيها رفات ملكات وملوك بريطانياً.

تشرتشل والملوك ووستمنستر
وفي هذا الإطار، شارك العمير حكاية طريفة عن رئيس الوزراء ‏البريطاني الأسبق ونستون تشرشل، مشيراً إلى أنه رغم رفض تشرتشل أن يدفن في وستمنستر خوفاً من أن يُداس قبره من قبل الزوار، حيث تُسوى قبور رؤساء الوزراء بالأرض بينما ترتفع قبور الملوك والملكات، تحققت أمنيته ودفن خارج لندن، إلا أن المسؤولين عن الكنيسة اختاروا كتابة اسمه على الأرض داخل المدخل الغربي للكنيسة، في إشارة دائمة للمارة.

ورداً على سؤال عن علاقته بالفن، استعاد العمير ذكرياته حول بداياته في الصحافة الفنية قائلاً: "عندما بدأت العمل في الصحافة في المملكة، كانت أولى مقالاتي في الفن في مجلة اليمامة. وكتبت عن الأمير بدر بن عبد المحسن، وناقشت دور الفن في القضية الفلسطينية، مما أثار بعض الجدل بين أساتذتي في المعهد العلمي". وأضاف العمير: "كنت محررًا فنيًا لفترة طويلة في جريدة الجزيرة، وكنت أنظم حفلات تكريمية للاعبين مثل مبارك عبد الكريم من الهلال، وفيصل بن فهد، بمشاركة شخصيات ثقافية ورياضية، حيث كان الفن حاضراً في تلك الفعاليات".

وأشار العمير إلى أن الحفل الموسيقي "روائع الأوركسترا السعودية" في "سنترال هول" يُعد خطوة هامة لتعزيز حضور الفنون السعودية على الساحة الدولية.


عزف وغناء "أنا من هالأرض" لمحمد عبده
وقد افتتح الحفل بأغنية" أنا من هالأرض.. أمي الصحراء .. ‏احضنتني رمالها .. وارتويت بطهرها ..أطعمتني تمرها .. وفرشت لي ظلالها.. أنا من هالأرض اللي ما لعيالها .. غيرها أرض" كلمات الأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن وغناها الفنان محمد عبده، وأداها الكورال الوطني السعودي بمشاركة 50 شاب وشابة.




لقاء بين الألحان السعودية والبريطانية
هدف الحفل إلى تعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والمملكة المتحدة، كما مثل المحطة الرابعة في سلسلة الجولات العالمية للأوركسترا والكورال الوطني السعودي، التي سبق أن حققت نجاحات باهرة في باريس، ومكسيكو سيتي، ونيويورك.

وحظي جمهور لندن الليلة بفرصة استثنائية للاستماع إلى مزيج فريد من الموسيقى السعودية والبريطانية، حيث قدم الحفل تعاوناً بين الأوركسترا السعودية والفيلهارمونية الملكية البريطانية.

ومن اللافت أن الأمسية قدمت عرضاً مشتركاً بين الفريقين من خلال ألحان سعودية مدمجة بإيقاعات غربية، تعكس قوة الموسيقى في تجاوز الحواجز الثقافية واللغوية. وضمت فقرات الحفل مزيج غنائي أبهر الحاضرين، إذ تمثل في دمج الأوركسترا والكورال الوطني السعودي في أغنية "عديت في المرقب" مع أغنية ROLLING THE DEEP للفنانة ⁦Adele⁩.



كما تنوعت اختيارات الليلة بالعديد من المعزوفات الوطنية مثل أغنية "سعوديون" الذي تضمن فلكلور عدد من مناطق المملكة، من شمالها وجنوبها وشرقها وغربها وبأداء جعل كل من في القاعة يصفق بحرارة.. بجانب "ميدلي" لمجموعة من الأغاني السعودية، التي حصدت شهرة كبيرة لعدد من الفنانين.


ختامٌ بمذاق وطني: رسالة للعالم
ويأتي حفل السبت في إطار جهود هيئة الموسيقى لتعزيز التعاون الثقافي على المستوى الدولي، وإظهار كيف يمكن للتراث الموسيقي السعودي أن يتماشى مع التقاليد الموسيقية العالمية.

واختتم الحفل بأغنية "عاشقينك" إذ تزين بالعلم السعودي واللون الأخضر، وشاركت الفرق الاستعراضية الموروث الشعبي الذي عكس التنوع الثقافي.

وقد أبدى بول باسيفيكو، الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى، فخره بالتعاون قائلاً: "الموسيقى السعودية تثبت اليوم أنها قادرة على محاورة أي ثقافة موسيقية في العالم".


اليوم الوطني السعودي: رسالة ثقافية للعالم
يأتي الحفل كجزء من احتفالات السعودية بيومها الوطني، ما يمنح العرض أبعاداً إضافية تتجاوز الموسيقى. فهو يرمز إلى الإنجازات الثقافية للمملكة تحت رؤية السعودية 2030، التي تسعى إلى تعزيز حضور السعودية على الساحة الدولية، ليس فقط عبر الاقتصاد والسياسة، بل عبر الفنون والتراث الثقافي أيضاً. ويأتي هذا التزاماً من هيئة الموسيقى بتعزيز دور الفنون في ربط المملكة بالعالم.

روائع الأوركسترا السعودية: محطات عالمية
منذ انطلاق "روائع الأوركسترا السعودية" في العام 2021، كانت الرحلة مليئة بالتحديات والإنجازات. ففي باريس، قدمت الأوركسترا أول عروضها في قاعة دو شاتليه، وفي مكسيكو سيتي تعاونت مع أوركسترا كارلوس تشافيز لتقديم عرض موسيقي مثير جمع بين تقاليد المارياتشي والموسيقى السعودية. وفي نيويورك، أعادت إحياء أغاني عالمية بأسلوب سعودي مميز، حيث أدى الكورال السعودي "Fly Me to the Moon" لفرانك سيناترا في تناغم تام مع الأنغام العربية.

إرثٌ سعودي عريق يعانق المعاصرة
تعد الأوركسترا السعودية مرآة للتنوع الموسيقي الذي تتميز به المملكة. فمن الآلات التقليدية مثل العود والناي والربابة، إلى الأنغام الكلاسيكية، تعكس هذه الأوركسترا تاريخاً غنياً بالتقاليد. وتستمر هيئة الموسيقى في دفع هذه الأدوات نحو المزيد من التطور لتواكب التحديات الموسيقية الحديثة، وهو ما يبرز من خلال التعاون مع الأوركسترا العالمية.

رؤية ثقافية للمستقبل
حفل السبت في لندن لا يعتبر فقط احتفالاً باليوم الوطني السعودي، بل خطوةً نحو المستقبل الثقافي للمملكة. ومع ختام الأوركسترا السعودية روائعها في لندن، تتجه الأنظار إلى العاصمة اليابانية طوكيو، الوجهة الجديدة المقبلة للأوركسترا السعودية.