أرخى تراجع الجنيه المصري بثقله على الأوضاع المعيشية اليومية للمصريين، وتحديدًا في قطاع الطبابة، فالمواطنون العاديون يواجهون مصاعب عديدة في الحصول على الأدوية التي تتناقص يومًا بعد يوم.


بعد ثورة 25 يناير، والتراجع الكبير في سعر صرف الجنيه المصري، وتقلص العملات الأجنبية، بات من الصعب على مستوردي الأدوية في البلاد تأمين احتياجاتهم، خصوصًا أن القانون يفرض عليهم بيع بضائعهم بأسعار ثابتة. فالسوق المصرية تحتاج أدوية بقيمة 3.4 مليارات دولار سنويًا، وتعتمد على الاستيراد لتأمين 40 بالمئة منها.

يشار إلى أن لمصر أعلى معدل انتشار في التهاب الكبد في العالم، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، التي تقدر مستوى العدوى في 15 بالمئة من السكان، بـ 165.000 حالة جديدة كل عام.

ويكافح الفقراء من أجل الحصول على الرعاية الصحية التي تؤمّنها الدولة بأسعار معقولة، في حين يستطيع الميسورون دفع تكاليف الخدمات الطبية الخاصة.

هيمنة القطاع الخاص
هناك نقص في أكثر من 400 نوع من الأدوية، كما يقول علاء غنام، مدير برنامج الرعاية الصحية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في القاهرة، مشيرًا إلى أن هذه الأدوية مهمة للغاية، وبعضها يعتبر منقذًا للحياة.

وقال غنام لصحيفة نيويورك تايمزإن هذه الأدوية تشمل العلاجات للسرطان والسكري والتهاب الكبد، وأدوية يومية مثل زانتاك لعلاج قرحة المعدة، مضيفًا: quot;حتى الآن، تمكنا من العثور على بعض الأدوية البديلة، لكنها ليست بالجودة نفسهاquot;.

ويصعب نظام أسعار الأدوية الثابتة في مصر على شركات الأدوية مواجهة الانخفاض الحاد في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، ويقول المديرون التنفيذيون في هذا المجال إن غالبية الشركات خاسرة.

يتفاقم الوضع بسبب هيمنة القطاع الخاص على السوق الدوائية في البلاد، فهو المسؤول عن تأمين معظم هذه الأدوية. وكلما انخفضت قيمة الجنيه المصري تنخفض معها قدرة هذه الشركات على تلبية الطلب. لكن شركات الأدوية متعددة الجنسيات تقول إن لديها التزامات طويلة الأجل لتوريد الأدوية لسوق التجزئة.

سياسة حكومية جديدة
تخصص الحكومة المصرية أقل من 5 بالمئة من الميزانية للرعاية الصحية، فيما يشكل النقص في الأدوية ضغطًا إضافيًا على المصريين، الذين يعانون نقص الوقود والغذاء وارتفاع البطالة وتدهور الأمن.

يقول الأطباء والمديرون التنفيذيون في هذه الصناعة إن المشكلة تتطلب سياسة حكومية جديدة وزيادة في التمويل، في حين تخصص الحكومة 27.4 مليار جنيه مصري (4 مليارات دولار) للرعاية الصحية في ميزانية العام 2013، بزيادة قدرها 18 بالمئة عن السنة المالية السابقة، إلا أن نقص الاستثمارات في القطاع ترك العديد من المستشفيات تعاني نقصًا في الموظفين والأسرة والمعدات.

وقال محمد سعد، وهو طبيب في مستشفى في دمنهور: quot;نعاني نقصًا في كثير من الأدوية البسيطة، مثل زانتاك، الذي يستخدم في غرفة الطوارئquot;.

خسائر فادحة
غالبًا ما تكون الأدوية، التي لا تدعمها الحكومة، مكلفة للغاية. فالأنسولين المدعم، على سبيل المثال، يكلف نحو 6.5 جنيهات، لكن سعره العادي يصل إلى 60 جنيهًا، وبالتالي ليس في متناول المرضى الفقراء، إن لم يكن جزءًا من برنامج الرعاية الاجتماعية.

وتقول شركات الأدوية العاملة في مصر إنها لم تتوقف عن استيراد الأدوية أو تصنيعها في البلاد، لكنها تحاول التفاوض على رفع أسعار بعض الأدوية لمواجهة ما تمنى به من خسائر.

يوضح نبيل داوود، مدير منطقة تركيا والشرق الأوسط وشرق أفريقيا في شركة إيلي ليلي لصناعة الأدوية: quot;على المدى القصير، نحقق خسارة كبيرة، لأنه عندما تطلب أدوية، وتحصل على زيادة في الأسعار، عليك أن تقبل في الأساس أنك تعمل على مستوى أدنى من الهامشquot;. أضاف: quot;بما أن الحكومة تتحكم بأسعار الأدوية، يتآكل كل نمو يتحقق بسبب الوضع الاقتصادي المتأزمquot;.

العملة الصعبة مطلوبة
في الوقت نفسه، المفاوضات على المستوى الوزاري جارية لتخفيف أثر نقص العملة. ووزارة الصحة تمارس ضغوطًا على وزارة المالية لتأمين التمويل لشركات الأدوية من أجل سدّ الفجوة في العملات الصعبة.

وقال إيهاب يوسف، مدير شركة هوفمان لا روش السويسرية للرعاية الصحية في مصر، إن المناقشات جارية، ومن المتوقع أن تصدر وزارة الصحة مرسومًا جديدًا لإعادة النظر في أسعار بعض المنتجات، التي عانت من انخفاض سعر العملة لفترة طويلة من الزمن.

أضاف: quot;نأمل أن يتحسن الاقتصاد المصري، وإلا فإننا في حاجة إلى أن تفهم وزارة الصحة أن تأمين العملة الصعبة أمر ضروري لتأمين الأدويةquot;.