عبدالباقي خليفة: يشن ناشطون في المجتمع المدني التونسي وخبراء في الإقتصاد والجباية، حملة ضد الاتفاقات الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي، عشية توقيع تونس إتفاق التبادل الحر والشامل والمعمق مع الإتحاد الأوروبي، والذي يقولون إنه يفتقد إلى شرط التكافؤ وخدمة مصلحة الطرفين، ويحمّلون تلك الاتفاقات المسؤولية عن البطالة والمديونية وتراجع قيمة الدينار التونسي، وتدهور الصناعات التونسية، ويهدد الزراعة في تونس. كما يمهد الاتفاق إلى خوصصة ممتلكات الدولة على زعم تنمية المناطق الداخلية.

وطالب الناشطون، ومن بينهم سفراء سابقون، بإعداد دراسات مستقلة عن الخسائر التي تكبدتها تونس وستتكبدها من جراء الاتفاقات مع الإتحاد الاوروبي، مستشهدين بدراسة للبنك الدولي، والذي حذر من خسارة الاقتصاد التونسي لـ 40 في المائة من رصيده، مع تأثيرات سلبية أخرى على الإنتاج الزراعي وتفاقم المديونية والبطالة.

تصدير الأموال
قال رئيس جمعية استشراف وتنمية، محمود بالسرور، لـ"إيلاف"، إن "اتفاقية التعاون والشراكة بين تونس والإتحاد الاوروبي، والتي تم توقيعها سنة 1995،&تستلزم تقويمًا شاملًا، وهي لها مزايا لا ننكرها، لكن سيئاتها أكثر من مزاياها، ولها تداعيات سلبية".

وعدّد بعض تداعياتها ومنها "التكتيك الجمركي، أي رفع الأداءات الجمركية على الصادرات الأوروبية لتونس، وتفاقم البطالة وعجز كبير ومتصاعد في الميزان التجاري بين الطرفين، والمديونية وثقل المديونية على ميزانية الدولة، وتهريب الأموال، حيث أصبحت تونس مصدرة لرأس المال، وليست جالبة له، وفق تقريرين لصندوق النقد الدولي والبنك الأفريقي، وانعكاسات على النسيج الصناعي للاقتصاد التونسي وانعكاس على التوازنات بين الجهات، فهناك 14 ولاية (محافظة مهمشة من بين 24 ولاية)، وانعكاسات سلبية على علاقاتنا مع ليبيا والجزائر، فتدمير ليبيا كانت له انعكاسات سيئة على الإقتصاد التونسي".

وكشف عن رفض أوروبي لإقتراح تونسي، قدم أثناء تولي حمادي الجبالي، مهام رئاسة الوزراء، كان الاتحاد قد وقعه مع تركيا. وقدم بدلًا منه مقترحًا آخر يكرّس الهيمنة الأوروبية على حد تعبيره.

خسائر كبيرة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي جمال العويديدي لـ"إيلاف": "لا أحد يرفض شراكة فيها منفعة لبلاده، وتعريف الشراكة يعني أن هناك جدوى للطرفين، بينما هذه الاتفاقية ليس فيها تكافؤ، فقد خسرنا 55 في المائة من النسيج الاقتصادي من جراء المنافسة غير المتكافئة، فهناك عملية إغراق للسوق من قبل الاتحاد الأوروبي".

وتابع "علامات تجارية كبيرة لا تدفع أي أداء، ولا تراقب من قبل السلطات التونسية، مع منع الشركات الأوروبية المتمركزة في تونس من بيع 50 في المائة من إنتاجها في السوق المحلية من دون دفع جمارك، وهذا خسارة كبيرة للاقتصاد التونسي، وقتل للصناعة التونسية".

أردف "خسرنا أكثر من 500 ألف فرصة عمل، شملت طاقات كبيرة، وذلك في ميادين صناعة النسيج والملابس والجلد والأحذية والصناعات الكهربائية"، واستطرد قائلًا "إننا نخسر ألفي مليار دينار كل سنة، وذلك من خلال تقويم شمل سنوات 1996 و2008، وفق معهد الدراسات الاستراتيجية". وقد ضمت هذه الخسائر قطاعات صناعة الأسمنت، والبنوك، "إلى درجة أصبحت فيها الدولة عاجزة عن إصلاح المدارس، فضلًا عن بنائها".

وأشار إلى أن دولًا رفضت توقيع اتفاقات مماثلة مع الاتحاد الأوروبي، من بينها دول أفريقية، كتنزانيا وبوركينافاسو. وذكر العويديدي بما أعربت عنه المفوضية الأوروبية عقب ثورة 14 كانون الثاني/يناير من مخاوف من "أن يرفض الشعب التونسي الاتفاقات الموقعة، ولا سيما اتفاقية 1995".

المسار اليوناني
خبير اتفاقات الشراكة، أحمد بن مصطفى، كشف عن مطالبة الاتحاد الأوروبي، باستثمار الأراضي الزراعية مقابل تنمية المناطق الداخلية. معتبرًا ذلك مواصلة لنهج المغالطات، التي دأب عليها الاتحاد الأوروبي، وفق تعبيره: "قدم سنة 2005 سياسة الجوار الأوروبي، ولم تنجز، ربط الاتفاقات بالإصلاحات، ولم تحدث، يقدمون مساعدات فنية على شكل خبراء، وهم جهلة يمكننا تعليمهم".

وأضاف "يكذبون علينا من خلال تشريك الجمعيات المشبوهة، ولم يتم استدعاء الجمعيات المتخصصة، التقارير غير متوافرة باللغة العربية، كذبوا علينا في دافوس عندما وعدونا بـ 25 مليار وإعادة الأموال المهرّبة، وإذ بهم يشترطون علينا دفع ديون النظام السابق، وأدخلونا في المسار اليوناني". وختم بالقول "اتفاقية الشراكة الشاملة والمعمقة لا تختلف عن معاهدة الاحتلال باردو 1881 أو المرسى 1981".

رشوة اقتصادية
خبير الجباية، أسعد الذوادي، وصف جائزة نوبل للسلام، التي حصلت عليها أربع جمعيات تونسية، هي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين، بأنها" رشوة اقتصادية"، معللًا ذلك بالتصريحات الأوروبية التي ربطت التهنئة لتونس، بضرورة توقيع اتفاقية الشراكة الشاملة والمعمقة. ووصف الجمعيات التونسية، وفي مقدمتها المنظمات الأربع، بأنها" في سكرة الفرح بالجائزة، فلا أحد يحذر من الكارثة التي حلت وستحل بتونس من جراء هذه الاتفاقية".