تُخفي جماعة الاخوان المسلمين اقتصادًا كبيرًا، قائمًا على نشاط شركات سياحية وصرافين وتجارات في أسواق مفتوحة يصعب اقتفاء أثرها، إلى جانب رفده بتبرعات وتمويل خارجي مستمر حتى الآن.

القاهرة: كشف قرار لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين بالتحفظ على شركة أصحاب تورز السياحية، التي يمتلك اللاعب محمد أبو تريكة أسهمًا فيها، أن الجماعة ما زالت تمتلك إقتصادًا قويًا، ولم تتأثر بالضربات السياسية والأمنية التي تتلقاها منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم في 3 تموز (يوليو) 2013.

نسبة ثابتة

وحصلت "إيلاف" على معلومات تقول إن الجماعة ما زالت قوية إقتصاديًا عبر إلتزام إعضائها دفع 7% من دخولهم للإنفاق على نشاطاتها وأعمالها، وتقديم الدعم المادي لأسر قتلاها ومعتقليها في السجون، وسداد الغرامات والكفالات القضائية لهم وإنشاء العديد من المشروعات الجديدة، لإستثمار أموال الإشتراكات وتنميتها.

هذا يؤكد أن ثروات الإخوان تتضخم أكثر من الماضي، فالجماعة تتولى سداد جميع الغرامات والكفالات المقررة من النيابة العامة بحق أعضائها أو المتعاطفين معها، من المتهمين على ذمة قضايا العنف والتحريض على الإرهاب أو التظاهر وغيرها من التهم، والتي تقدر بعشرات الآلاف من الجنيهات في بعض الأحيان للفرد الواحد. وتتولى دفع أتعاب المحامين المدافعين عن أعضائها أو المتعاطفين معها طوال اجراءات التقاضي.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تصرف الجماعة مبلغ 1500 جنيه شهريًا لأسرة كل عضو معتقل أو صادرة بحقه أحكام بالسجن، وتصرف مبلغ ثلاثة آلاف جنيه شهريًا لصالح أسرة كل عضو قتل أثناء أحداث فض اعتصام رابعة العدوية أو أية أحداث سابقة أو لاحقة على هذا الحادث.

تجارة العملة

تعمل الجماعة في مجال يعرف بـ"الإقتصاد الخفي" أو "إقتصاد الرصيف" حاليًا. وقال الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، إن إقتصاد جماعة الإخوان المسلمين يقوم بالأساس على تجارة العملة الأجنبية، ولاسيما الدولار الأميركي.

وأشار إلى أن الجماعة أنشأت العديد من شركات الصرافة، فضلًا عن تخصص قيادات منها في سوق العملة والصرف. وأوضح لـ"إيلاف" أن الجماعة ظلت لسنوات طويلة تتحكم بسوق الصرف في مصر، وتسببت في موجات شح في الدولار بالسوق المصرية أخيرًا.

أضاف: "الجماعة توسعت أيضًا في مجال السياحة، وهذا التوسع كشف عنه قرار لجنة إدارة أموال الإخوان التي تحفظت على ثماني شركات، والجماعة استطاعت خداع الأجهزة الأمنية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وخداع المصريين أيضًا، وفي الوقت الذي تنظر فيه إلى السياحة بريبة وشك، وتعتبرها من الأنشطة المحرمة، تؤسس شركات تعمل في هذا المجال لإخفاء أموالها".

ونبّه إلى أن الجماعة تعمل منذ سنوات طويلة على السيطرة على سوق العملات الأجنبية، مشيرًا إلى أن السياحة تحتل المركز الأول في مصادر الدخل القومي لمصر، بالإضافة إلى قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج.

أجيال خفية

تمارس الجماعة أنشطتها المالية حاليًا في ما أطلق عليه عامر وصف "الإقتصاد غير الرسمي أو الموازي، الذي يشكل ثلثي أنشطة الإقتصاد في مصر". وقال: "الإقتصاد الخفي في مصر غير مسجل في مؤسسات الدولة الإقتصادية الرسمية، ولا تستطيع الحكومة السيطرة عليه، أو التحفظ على أمواله؟.

وأوضح أن الأسواق المفتوحة هي الأسواق التي تقام في الأقاليم أسبوعيًا، مثل سوق الجمعة أو سوق الثلاثاء، مشيرًا إلى أن الجماعة تعمل في هذا النوع من الإقتصاد حاليًا عبر تجميع البضائع المهربة، وبيعها من خلال أعضائها في هذه الأسواق، وتمويل مختلف أنشطتها، ولاسيما عمليات العنف.

ولفت إلى أن الجماعة تعمل في مجال التجارة، وليس الإنتاج والتصنيع، مؤكدًا أن الجماعة لديها عقيدة تستثمر أموالها وفقاً لها، وهي "تسعة أعشار الرزق في التجارة".

وذكر عامر أن الجماعة تستخدم أجيالًا جديدة في الأعمال السياسية أو التجارية، مشيرًا إلى أنها كانت تعتمد على أجيال غير معروفة للأجهزة الأمنية قبل ثورة 25 يناير، ومنهم أبو تريكة، "والثورة كشفت هذه الأجيال التي كانت مختفية، والجماعة تعد حاليًا كوادر وأجيالاً جديدة غير معروفة للأجهزة الأمنية، وتخفي من خلالها أموالها".

تبرعات وتمويل خارجي

بعيدًا عن الإقتصاد الداخلي، تتلقى الجماعة تمويلات خارجية أيضًا. قال الشيخ نبيل نعيم، الجهادي السابق والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، لـ"إيلاف": "التبرعات والإشتراكات التي تجمعها الجماعة من أعضائها لا تكفي لتمويل أنشطتها الإرهابية، لذا تتلقى تمويلات خارجية بملايين الدولارات من دول أخرى، تدخل عبر الحقائب الدبلوماسية لأعضاء سفارات الدول المعادية لمصر".

أضاف: "التمويلات تصل أيضًا إلى الجماعة من خلال التسليم باليد، عبر الحدود الليبية أو الأنفاق في سيناء"، لافتًا إلى أن قيادات وأعضاء الجماعة يخفون الأموال في منازلهم أو لدى أصدقائهم ولا يضعونها بالبنوك أو في شركات رسمية، "فالجماعة تحترف العمل تحت الأرض منذ ثمانين سنة، ومن السهل عليها التخفي".

وأعلنت لجنة حصر وإدارة أموال الإخوان أنها تحفظت على 14 شركة ومالكيها من الشركات المملوكة للعناصر القيادية بجماعة الإخوان، مشيرة إلى أن هذه الشركات تعمل في نشاطات تجارية متنوعة، بالإضافة إلى التحفظ على 12 جمعية أهلية، والحسابات البنكية وكافة الأموال المنقولة والسائلة والعقارية المملوكة لـ45 عنصرًا إخوانيًا.

ورغم مصادرة السلطة في مصر شركات ومدارس ومحالاً تجارية وأرصدة بالبنوك مملوكة لقيادات الجماعة، إلا أنه من الصعب حصر ثروة الجماعة، لاسيما أنها قادرة على إخفائها بطرق غير تقليدية.