هناك إدراك ووعي في السعودية أن الاعتماد الكلي على النفط، والذي قد ينضب يومًا ما سوف لا يخدم الأجيال القادمة، ولهذا يزداد التركيز في الأشهر الأخيرة على تنويع مصادر الدخل الوطني الاقتصادية وتشجيع الاستثمار الأجنبي.


في تقرير حديث لوكالة بلومبرغ للأخبار الاقتصادية المعروفة، أشارت الوكالة إلى تقارير اتش س بي سي القابضة HSBC Holdings &والمتعلقة بالتحديات المالية الضخمة التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في ظل انهيار اسعار النفط، حيث ستواجه صعوبة بالغة في تمويل الدين الثقيل البالغ 94 مليار دولار في العامين المقبلين، في الوقت الذي تواجه فيه منطقة الخليج تباطؤاً في النمو الاقتصادي وتصاعداً في أسعار الفائدة، وتخفيضات في مراتب التصنيف الإئتماني التي تقوم بها مؤسسات متخصصة مثل مودي وفيتش وستاندرد أند بور التي تقوم بتقييم الجدارة الائتمانية للشركات والدول ومقدرتها على سداد الديون والإيفاء بالالتزامات.&
&
وقد عانت دول مجلس التعاون الخليجي التي تشمل السعودية من ضربات مؤلمة بسبب تخفيض رتب تصنيفها الائتماني، بينما فقدت بلايين الدولارات من نظامها المصرفي. وكل هذا الألم سببه واحد وهو انخفاض الايرادات النفطية. مثلاً إذا كان التصنيف الإئتماني لدولة ما منخفضًا&فهذا يعني احتمالية عدم مقدرة الدولة بسداد الديون المستحقة، وهذا بدوره يؤدي الى فقدان ثقة المستثمرين في هذه الدولة والعكس صحيح.
&
إن التصنيف المرتفع يسهل على الحكومات والشركات الحصول على التمويلات والقروض اللازمة سواء من السوق المحلية أو من الخارج.
&
سد الثغرات في عجز الخزائن:
&
ويتزامن هذا الوضع غير الصحي اقتصاديًا مع اقتراب موعد تسديد التزامات مالية، حيث يتعين على دول النفط الغنية لا سيما قطر والامارات اعادة تمويل سندات مالية قيمتها 52 مليار دولار وقروض مستحقة لمجموعة مصارف دولية &بقيمة 48 مليار دولار. وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي عجزًا ماليًا في الخزائن والحسابات الجارية بقيمة 395 مليار دولار. وهناك توقعات أن يتم سد ثغرات العجز من خلال بيع جزئي لديون أميركية سيادية مقومة بالدولار مما سيعقد الجهود الرامية لاعادة تمويل السندات المالية المستحقة، والتي ستنضج خلال 2016 و 2017 أي يجب الدفع لحاملي هذه السندات خلال العام الحالي والمقبل.
&
الديون السيادية أدوات لتقليل العجز:&
&
تستحوذ دول المجلس الخليجي مجتمعة على ما يقارب 610 مليارات من السندات المالية أو القروض المقومة بالعملات الأجنبية وديون لمجموعة مصارف، وهذه تشمل ديوناً مالية وديون شركات وديوناً سيادية لا سيما في الإمارات والبحرين وقطر. وأصدرت حكومات دول مجلس التعاون أدوات الدين للحفاظ على مستويات الاحتياطات السيادية، بينما ستستمر البنوك في اصدار أدوات دين لتلبي احتياجاتها وفق القوانين الرأسمالية لتمويل نمو الائتمان مستقبلاً.&
&
ويؤكد HSBC في تقريره أن دول المجلس قادرة على سد الفجوات التمويلية من خلال إصدار سندات سيادية بعملات أجنبية، وكذلك لتمويل العجز في الميزانية، وإن كانت معظم الديون المستحقة موجودة في القطاع البنكي، مما يعني أن أي زيادة في أسعار الفائدة سيفاقم من قيمة الديون.
&
وتعاني السعودية، أكبر دولة مُصَدِّرة للنفط في العالم، في الوقت الراهن من تراجع حاد في إيراداتها المالية، الناجم عن تراجع أسعار النفط، ما اضطرها إلى إقرار موازنة تتضمن عجزاً يبلغ 87 مليار دولار أميركي للسنة المالية الحالية، بعد تسجيلها عجزًا بـ 98 مليار دولار العام الماضي.
&
وتوقع صندوق النقد الدولي، في مطلع العام الجاري، أن تلجأ الدول المنتجة للنفط إلى السحب من الاحتياطيات الأجنبية التي تملكها، والتي تراكمت خلال أعوام من الأسعار المرتفعة. اسعار النفط هبطت من 115 دولارًا في صيف 2014 الى حوالي 35 دولارًا الآن كنتيجة للتخمة في السوق النفطية ورفض الدول المنتجة تخفيض الانتاج.
&
خطط لجذب الاستثمارات الخارجية:
&
وفي تقرير ذات صلة، قالت صحيفة المال والأعمال الفايننشال تايمز صباح الاثنين 29 فبراير شباط 2016 إن السعودية وضعت خططاً استراتيجية لجذب استثمارات اميركية في ظل أسعار نفط متدنية. وقالت الصحيفة إن مسؤولين سعوديين قاموا باتصالات مع شركات اميركية كبرى بهدف جذب الاستثمارات للمملكة وخلق فرص عمل في قطاعات العناية الصحية وقطاع مبيعات التجزئة ذات العمالة الكثيفة. وكان الأمير محمد بن سلمان آل سعود نائب ولي العهد قد قابل مدراء تنفيذيين للعديد من الشركات الأميركية الكبرى في سبتمبر ايلول الماضي. كما أن مسؤولين سعوديين التقوا شركات أخرى لبحث فرص الاستثمار والتعاون المشترك.&
&
من الجدير بالذكر أن الدول التي تعتمد اقتصاداتها على البترول كالسعودية اضطرت لرفع الدعم الجزئي عن الماء والكهرباء والبنزين لكي تعالج عجزًا بلغ 90 مليار دولار تقريبًا أو حوالي 13.5% من اجمالي الانتاج المحلي.
&
وفي مؤتمر عقد في الرياض في يناير كانون الثاني هذا العام، تحدث بعض الوزراء عن خطط للخصخصة وجذب الاستثمار الأجنبي. كما تدرس الحكومة توسيع الشراكات العامة بين الشركات الحكومية مع الشركات الخاصة للتعاون في مجالات البنية التحتية وبنفس الوقت تقليل الانفاق الحكومي العام.
&
ومن ناحية أخرى، عبّر بعض المستثمرين الأجانب عن تحفظات تتعلق بالبيروقراطية الثقيلة خاصة في المؤسسة التي مهمتها جذب الاستثمارات للسعودية، وهي الهيئة العامة للاستثمارات.
&
وأشار تقرير شهري لصندوق النقد الدولي مؤخرًا الى تأثير انخفاض أسعار النفط على دول الخليج بالقول: "من المتوقع أن تستمر السعودية وبقية دول الخليج في السحب من احتياطياتها حسب حاجتها خلال السنوات المقبلة، ولكن يجب أن يتم ذلك بشروط، «ففي حال ما استمر السحب بنسب أكبر يكون اللجوء إلى بدائل أخرى مثل طرح السندات العامة، وهذا أفضل». من جهة أخرى، تسعى السعودية لتنويع اقتصادها، بعيدًا عن البترول من خلال الاستعانة بكبار خبراء الاقتصاد من الدول الكبرى.
&
وتستعين حكومة الملك سلمان، بالخبراء الأجانب، بعد ارتفاع العجز في الميزانية إلى حوالى %20 مع نهاية العام الماضي، وقامت الحكومة بخفض الإنفاق، وتأجيل مشروعات، واللجوء إلى التمويل من احتياطيها الأجنبي، وإصدار سندات سيادية، مع توقعات بأن تصل نسبة عجز الميزانية هذا العام إلى حوالى %17.8 مرة أخرى.
&
وقد انخفضت احتياطات السعودية الأجنبية نتيجة تراجع أسعار النفط وبشكل أسرع من المتوقع، وذلك لاستخدامها في تمويل مشاريع التنمية والتزامها العسكري في اليمن، ما أدى الى اثارة بعض التساؤلات حول مدى فاعلية الدعم المالي الذي تمتلكه السعودية، والذي تأثر بشكل أكبر مع تراجع أسعار النفط.
&
وربما ضارة نافعة:
&
هناك ادراك ووعي في السعودية أن الاعتماد الكلي على النفط، والذي قد ينضب يومًا ما سوف لا يخدم الأجيال القادمة، ولا يضمن استمرار الرخاء والازدهار ولهذا ازداد التركيز في السنوات الأخيرة وبشدة أكثر في الأشهر الأخيرة على تنويع مصادر الدخل الوطني الاقتصادية وتشجيع الاستثمار الأجنبي وإزالة العقبات والتعقيدات البيروقراطية.
&
ويأتي هذا في إطار ما يعرف ببرنامج التحول الوطني الذي يشمل إصلاحات هامة لخلق بيئة استثمارية جذابة، وأخذ الخطوات الكفيلة بتغيير الجهاز الاقتصادي الذي يعتمد على النفط كمصدر أساسي لايرادات المملكة. ومن الخطوات التي يمكن اتخاذها تشجيع الصادرات غير النفطية وتطبيق برامج خصخصة مدروسة وتطوير الاقتصاد العلمي والمعرفي.
&
من الجدير بالذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي التي تنتج مجتمعة ما يقارب ربع انتاج النفط العالمي تتخذ اجراءات استثنائية غير مسبوقة لدعم الميزانيات الحكومية.&
&