يواجه المصريون أزمة حقيقية نتيجة ارتفاع أسعار المقابر وقلة الأراضي المتاحة لبناء مقابر جديدة عليها. إذ وصل سعر المقبرة الواحدة إلى ما بين 400 ألف ومليون جنيه حسب المكان؛ ليصبح المواطن البسيط خارج الحسابات في الممات.
إيلاف من القاهرة: يناقش مجلس النواب المصري أزمة ارتفاع أسعار المقابر، ووصولها إلى أرقام خيالية تفوق مستوى دخل المواطن البسيط. وتقدم خالد مشهور، عضو اللجنة التشريعية في مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، حول ارتفاع أسعار المقابر نحو أرقام غير مسبوقة، بعدما وقع المواطن فريسة في يد تجار وسماسرة الأراضي.
استيلاء على أراض
قال مشهور في بيان له: "إن سعر المقبرة 5 نجوم يتراوح ما بين 400 ألف إلى مليون جنيه حسب المكان والتشطيب، فهي تفوق أسعار الوحدات السكنية في الأماكن المميزة؛ ليصبح المواطن البسيط خارج الحسابات في الحياة وفي الممات".
وأكد النائب وجود بلطجية يستولون على أراضي الدولة في بعض المناطق، ويتم بناء مقابر عليها، وتحويلها إلى "بيزنس"، وبيعها إلى المواطنين بأسعار مرتفعة جدًا، مطالبًا بمواجهة هذه الظاهرة، وتطبيق القانون بحسم على الخارجين عليه.
"كمباوند" سوبر لوكس
لم يعد قطاع العقارات هو المجال الوحيد لشركات المقاولات للاستثمار خلاله، فقد لجأ عدد كبير من شركات العقارات إلى الاستثمار في "بيزنس المقابر"، خصوصًا في المدن الجديدة. وسارعت شركات العقارات إلى الإعلان عبر الشوارع العامة وعلى الطرق الرئيسة وفي الصحف والمواقع، حتى مواقع التواصل، عن توفير "المقابر" بالتقسيط أو "الكاش"، وأطلقت شركات التشييد والبناء مسميات مختلفة على المقابر، منها &مصطلح "الكمباوند"، وسط إغراءات متعددة، على رأسها "تشطيب سوبر لوكس.. قريبة من القاهرة.. على الطريق.. بسعر خيالي.. مقدم وتقسيط طويل الأجل".
وأخيرًا فشلت الحكومة في مختلف المحافظات في توفير أرض جديدة لبناء مقابر عليها بأسعار زهيدة لبيعها إلى المواطن الفقير محدود الدخل، حيث تعاني المحافظات من قلة مساحات الفضاء داخل الكتلة السكنية لبناء المقابر عليها، وهو ما تسبب في حدوث أزمة كبيرة للمواطنين.
استثمار مضمون الأرباح
يواجه المصريون أزمة حقيقية في دفن موتاهم، ما دفع بعضهم &إلى دفن موتاه في طبقات تعلو بعضها &بعضًا، ويفصل بين الرفات القديمة والجسد الجديد طبقة خفيفة من التراب، وهناك من قام بتجديد المقابر القديمة، وبناء مقابر متعددة الطبقات، كما قام عدد من المواطنين بالاشتراك في شراء مقبرة جديدة ذات أسعار مرتفعة لدفن موتاهم.
من جانبه قال المهندس أحمد مدبولي، صاحب إحدى الشركات العاملة في تشييد وبناء المقابر، إن هناك عائدًا ماديًا كبيرًا عن طريق الاستثمار في بناء وتشييد المقابر الجديدة، في ظل أزمة العجز الكبير في توفير المقابر والمساحات للبناء عليها، وهناك شركات كبرى تستثمر في هذا المجال نظرًا إلى العائد المادي الكبير".
وأضاف لـ"إيلاف" إن أسعار المقابر في المدن الجديدة مرتفعة جدًا، إذ وصل سعر المقبرة الواحدة في مدينة دمياط الجديدة إلى 50 ألف جنيه، وفي مدينة 15 مايو يبدأ ثمنها من 100 ألف جنيه للمقبرة التي تبلغ مساحتها 21 مترًا، و160 ألف جنيه لمساحة 42 مترًا، وفي مدينة 6 أكتوبر طريق الواحات، تبدأ أسعار المدافن مساحة 40 مترًا من 200 ألف جنيه، و400 ألف جنيه لمساحة 80 مترًا".
حراسة أمنية
ولفت إلى أن هناك مقابر تصل أسعارها إلى أكثر من &مليون جنيه، وهي أشبه بالفنادق تحيطها أحواض الزهور والرخام وأبوابها ضخمة، وتقسم إلى 4 طبقات علوية، الطبقة الأرضية منها مخصصة لكبار العائلة «الجد الأول والثاني»، ودائمًا ما تكون الطبقة الرابعة والثالثة لـ"شباب العائلة"، وتتراوح مساحتها ما بين 150 إلى 300 متر.
وأوضح أن ارتفاع أسعار مواد البناء والمنتجات البترولية كانت سببًا مباشرًا وراء ارتفاع أسعار المدافن في مصر، لافتًا إلى أن الشركات العاملة في تشييد المقابر تقوم بتوفير خدمات الحراسة والأمن على المقابر على مدار 24 ساعة؛ لضمان عدم سرقتها أو الدفن فيها من قِبل غير ملاكها، وذلك بعد تعرّض عدد كبير من المقابر في المدن الجديدة لسرقة محتوياتها الداخلية من الرخام والأبواب الفاخرة في داخلها.
في السياق عينه، يرى محمد كمال، مسؤول تسويق في إحدى شركات التشييد والبناء، أن أسعار المدافن شهدت تغييرات كبيرة في الآونة الأخيرة، بسبب رغبة البعض في شراء مدافن في أرض رملية، مما أدى إلى زيادة أسعار المدافن الجديدة، وفي المقابل لم تطرح المحافظات مقابر جديدة أمام المواطنين محدودي الدخل، كما كان يحدث عبر السنوات الماضية.
مسؤولية حكومية
وأضاف لـ "إيلاف" إن الأسعار في المقابر الجديدة تبدأ من 150 ألف، حسب مساحتها وتجهيزها، والسبب في ذلك رغبة الأغنياء في شراء مدافن فارهة.
طالب مجلس النواب المصري بضرورة التدخل وإلزام المحافظات وهيئة المجتمعات العمرانية في وزارة الإسكان بتوفير أراض في المحفظات لبناء مدافن بأسعار مخفضة من أجل الأسر المحدودي الدخل، كما يجب على مجلس الوزراء إصدار قرارات بتخصيص جزء من أراضي الوقف الخيري لمواجهة أزمة عجز توفير المقابر في مصر.
من جانبه، أكد الدكتور محمد عبد الفتاح، أستاذ التخطيط العمراني في هندسة الأزهر، أن الحكومة متمثلة في المحافظين ووزارة الإسكان مسؤولة عن توفير الأراضي اللازمة لبناء مقابر جديدة للمواطن، وبأسعار مخفضة وبالتقسيط المريح، مشيرًا إلى أن أزمة نقص توفير المقابر في تزايد مستمر خلال الفترة الماضية، وتخلي الحكومة عن حماية محدودي الدخل سوف يزيد من استغلال شركات التعمير الخاصة ورفع المزيد من أسعار المدافن.
وأضاف لـ"إيلاف" إن وزارة الإسكان يجب أن تهتم بتوفير المقابر على غرار توفير الوحدات السكنية، وأن تكون المقابر متاحة للموظفين والنقابات والهيئات الحكومية والخاصة، مما يترتب عليه القضاء على السوق السوداء في بناء المقابر وبيعها.&
&
التعليقات