لندن: دعت الحكومة البريطانية السبت الى تعليق عمليات التنقيب عن الوقود الصخري باستخدام تقنيات حديثة مثيرة للجدل جرّاء المخاوف من احتمال تسببها بزلازل، في تحوّل مفاجئ قبل أسابيع فقط من الانتخابات العامة.

حتى الآن، كانت بريطانيا تأمل بأن يساهم هذا الأسلوب في التنقيب الذي يطلق عليه "التصديع" بتأمين اكتفائها الذاتي مستقبلاً في مجال الطاقة، بينما تُمنع هذه التقنية في دول عدة، فيما تزدهر في الولايات المتحدة.

يتم عبر هذه التقنية استخراج الوقود الصخري باستخدام الضغط الهيدروليكي لتكسير الصخور تحت الأرض ما يسمح بتدفق الغاز المحصور.&

وفي وقت لم يبق إلا بضعة أسابيع قبل الانتخابات في بريطانيا، حيث يتوقّع أن تحمل المسائل البيئية أهمية بالغة، أعلنت وزيرة الطاقة والأعمال أندريا ليدسوم وقف العمل في بئر الغاز الصخري الوحيد العامل ببريطانيا في لانكشير في شمال غرب انكلترا.

قالت ليدسوم "توصلت إلى أنه يتعين علينا تعليق أعمال التنقيب عن الوقود الصخري في انكلترا بأثر فوري". أضافت "من الواضح أنه ليس بإمكاننا استبعاد تداعيات غير مقبولة مستقبلاً على السكان المحليين".

يأتي التحوّل عقب تقرير أصدرته هيئة النفط والغاز البريطانية بشأن نشاط زلزالي جديد في بريستون نيو رود، حيث تجري عمليات لشركة "كوادريلا" للتنقيب عن الوقود واستخراجه.

توصل التقرير الأخير لهيئة النفط والغاز إلى أنه ليس من الممكن حاليا التنبؤ بدقة بشأن احتمالات تسبب التنقيب عن الوقود الصخري بهزات أرضية، ما دفع رئيس الحكومة بوريس جونسون الى القول إنه يشعر "بقلق كبير جدا" إزاء استخراج الغاز الصخري.

لكن زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن اعتبر أن التحوّل في موقف الحكومة في هذا الصدد هو مجرّد خطوة علاقات عامة تسبق الانتخابات. وقال عبر تويتر إن "وقف المحافظين المؤقت لعمليات التصديع هو عبارة عن حيلة مرتبطة بالانتخابات في محاولة للفوز ببضعة أصوات".

وأشار إلى أن رئيس الوزراء سبق وأن "وصف التصديع بـ+الخبر الرائع بالنسبة الى البشرية+. لا يمكننا الوثوق به".

حظر أم ازدهار؟
ويُستعمل أسلوب التنقيب بوساطة الضغط الهيدروليكي لاستخراج احتياطات النفط والغاز العالقة في أعماق الأرض. ويتم عبر سائل مضغوط مكوّن من المياه والرمل والمواد الكيميائية لتكسير الصخور تحت الأرض، ما يساعد على إخراج رواسب النفط والغاز الصخرية.

ويشير خبراء في مجال البيئة إلى أن هذه العملية تلوّث إمدادات المياه وتضر بالحياة البرّية وتتسبب بزلازل كما تساهم بالتغيّر المناخي العالمي.

وتحظر دول عدّة، بينها فرنسا وألمانيا، استخدام هذه التقنية التي تعارضها كذلك اسكتلندا وإيرلندا الشمالية البريطانيتين. ورغم ذلك، لا تزال الحكومة البريطانية التي تلحظ ازدهار هذه التقنية في الولايات المتحدة ترى فيها فرصة لخفض اعتمادها على استيراد الغاز من النروج وقطر.

ولدى سؤالها على إذاعة "بي بي سي" السبت عن السبب الذي يدفع الحكومة لعدم منع التقنية بشكل كامل، أصرّت ليدسوم على أن عمليات التنقيب بهذه الطريقة تشكّل "فرصة ضخمة للمملكة المتحدة".

تشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي البريطانية إلى أن موقع "كوادريلا" يحتوي على قرابة 2300 تريليون قدم مكعّب (90 تريليون متر مكعّب) من الغاز الصخري، القادر نظريًا على سد احتياجات بريطانيا من الغاز الطبيعي لأكثر من ألف عام.

وفي 2016، توقّعت الحكومة المحافظة في بريطانيا بأن يتم فتح نحو 20 بئراً من الوقود الصخري بحلول منتصف العام المقبل، لكن لم يتم حتى الآن حفر أكثر من ثلاثة آبار.

في هذه الأثناء، تزداد الشكوك في أوساط العامة حيال عمليات استخراج الغاز الصخري. وارتفعت نسبة المعارضة لاستخراج الغاز الصخري لدى الرأي العام البريطاني من 21 بالمئة إلى 40 بالمئة، وفق المكتب الوطني للتدقيق في الحسابات.

قال المكتب إن "قلق الرأي العام يركّز على المخاطر على البيئة والصحة العامة جرّاء الزلازل التي تنجم من استخراج الوقود الصخري، ونجاعة القواعد البيئية المعمول بها".

اندلعت احتجاجات في العام الماضي مع بدء العمل في موقع بريستون نيو رود التابع لـ"كوادريلا". وعارضت المشروع السلطات المحلية ومواطنون وناشطون بيئيون أطلقوا تحركًا قانونيا لوقف العمليات.

تعود أول محاولة من جانب "كوادريلا" لاستخراج الوقود الصخري لسبع سنوات، وانتهت بتوقفها بعد تسببها بهزات أرضية خفيفة، ما دفع الشركة إلى تعليق خططها بانتظار اتخاذ تدابير أكثر صرامة.

والسبت، أكدت الحكومة أنها ستأخذ "اعتبارات مسبقة ضد إصدار موافقات أخرى على عمليات التكسير الهيدروليكي" ما لم تُقدّم أدلة جديدة في هذا الصدد.

فوز رائع
أشادت المجموعات المدافعة عن البيئة بإعلان الحكومة. ووصف نائب المدير التنفيذي لمنظمة "سي بي آر إيه" الخيرية توم فاينز قرار الحكومة بـ"الفوز الرائع".

قال "اليوم نحتفل مع المجتمعات المحلية والنشطاء والمدافعين عن البيئة الذين سعوا بشجاعة على مدى سنوات لوقف استخراج الوقود الصخري".

بدوره، اعتبر مدير منظمة "أصدقاء الأرض" غير الحكومية كريغ بينيت أن القرار "انتصار كبير للسكان والبيئة" على حد سواء.

وقال "على مدى عقد تقريبًا، خاضت المجتمعات المحلية في أنحاء البلاد معركة ضد هذه الصناعة النافذة"، مضيفًا بأنه يأمل بأن يصبح الحظر دائمًا. بدوره، أكّد كوربن أن حزب العمال "سيحظر التصديع" في حال تولى السلطة، مشيراً إلى أن "هذا هو التغيير الحقيقي".
&