نيروبي: حين رنّ هاتف بنيام يتبارك ليلة عيد الميلاد، سمع صوتًا لم يسمعه طيلة عامين، وهو صوت ابن عمّه الذي ظنّه ميتًا جراء النزاع في إقليم تيغراي الاثيوبي.

وكانت الاتصالات في إقليم تيغراي مقطوعة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020 جراء الحرب التي مزّقت الإقليم الاثيوبي.

لكن بعد التوصل إلى اتفاق سلام، عادت الهواتف لترنّ من جديد، ما جلب الفرح ولكن أيضًا الحزن والغضب لسكان تيغراي الذين يعيدون الاتصال بأحبائهم الذين عانوا من أحد أكثر الصراعات فتكًا في العالم.

وقال المصوّر بنيام يتبارك (30 عامًا)، بالحديث عن اتصاله بابن عمّه في مدينة أكسوم في 24 كانون الأول/ديسمبر، "كان أول ردّ فعل لي - الحمدلله أنك على قيد الحياة. لا أعرف كيف صمد خلال العامين الماضيين، لكني سعيد بأنه على قيد الحياة".

غير أن الشعور بالارتياح لم يدم طويلًا عند بنيام يتبارك، إذ تبيّن له، خلال الاتصال، أنه خسر قريبًا له خلال الحرب وأن ابن عمه عاش في الخوف والجوع في أكسوم وفي مواجهة القوات الإريترية في الشوارع وأن عمّه المريض كان عاجزًا عن العثور على أدوية لمرض السكري.

وأُبلغت العائلة أيضًا خلال الاتصال بأن عمّة محبوبة جدًا توفيت خلال أشهر انقطاع التواصل وبأن أحد أبناء العمّ مفقود ويُعتقد أنه توفي.

وقال بنيام لوكالة فرانس برس، من مكان إقامته في سياتل في الولايات المتحدة، "صُعقنا. بدأت عمتي بالبكاء. اثنان من أبناء عمي لزما الصمت (...) كنّا نحاول أن نسيطر على أنفسنا، لكن عندما أغلقنا الخطّ، بدأنا جميعًا الصلاة بهدوء".

وكانت الاتصالات عادة لفترة وجيزة في أجزاء من إقليم تيغراي مطلع العام 2021، لكنها انقطعت مجددًا في حزيران/يونيو 2021.

وقف اطلاق النار

أُعيد تشغيل خطوط الاتصال الخاملة في كانون الأول/ديسمبر 2022، بعد شهر من التوصل إلى وقف لإطلاق النار في نزاع قدّرت دول غربية أنه تسبب بمقتل بين 100 ألف و500 ألف شخص.

ومهّد وقف إطلاق النار لإعادة فتح الإقليم البالغ عدد سكانه ستة ملايين شخص ولرفع ما وصفته مجموعات الحماية الرقمية بأنه أطول قطع للانترنت من قبل حكومة في العالم.

في ميكيلي، احتشد الناس في متاجر الهواتف لإعادة أرقامهم القديمة، حسبما قالت امرأة بالغة من العمر 29 عامًا سافرت إلى المدينة بعد استئناف الرحلات الجوية في 28 كانون الأول/ديسمبر.

في أديس أبابا، قال رجل يبلغ 42 عامًا وطلب عدم الكشف عن هويته في مقابلة مع وكالة فرانس برس لأسباب أمنية "بَكَت أمّي حين سمعت صوتي بعد كل هذه الأشهر. بكيت أنا أيضًا".

لكن آخرين تلقوا أنباء مفجعة حين اتصلوا بعائلاتهم.

وبالحديث عن عمّها، قالت مهاريت غيبرييسوس "قتلوه أمام منزله". وقيل لها إن جنود إريتريين أعدموا سبعة من أقاربها قرب عدوة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر.

وكان رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس قد قال أيضا أنه اُبلغ بمقتل عمّه على أيدي جنود إريتريين في تيغراي.

حظر الصحافة

ولا يزال دخول الصحافيين الأجانب إلى تيغراي محظورًا، ووكالة فرانس برس عاجزة عن التحقق من صحة روايات القتل هذه بطريقة مستقلّة.

لكن اتهم مراقبون مستقلون جميع أطراف النزاع في تيغراي بارتكاب فظائع وبالتطهير العرقي والتجويع المتعمد.

وقال بنيام يتبارك إن عدم معرفة مصير عائلته في أكسوم طيلة عامين كان عذابًا.

وأوضح "لا أتمنّى لأعدائي أن يمرّوا بما مرّ علي في العامين الماضيين (...) وطأة الحَيرة وحدها تقتل".

وفي حديث مع وكالة فرانس برس، قالت شابة من تيغراي تبلغ 25 عامًا من العمر إنها كانت "عاجزة عن الكلام" حين اتصلت بها شقيقتها فجأة من مدينة شاير، التي تعرضت لقصف كثيف في تشرين الأول/أكتوبر، لتخبرها أن العائلة بأمان.

وأضافت "لا أستطيع أن أصدق أنه في هذا القرن، كان علي أن أحلم (...) بالتحدث إلى العائلة (وأن أكتشف) ما إذا كانوا على قيد الحياة أم لا".

سلام

بعد أكثر من شهرين من توقيع الأطراف المتحاربة على اتفاق سلام، لم تعد الخدمات بالكامل حتى في المدن الكبرى، مع انقطاع المكالمات بعد بضع دقائق أو عدم نجاحها على الإطلاق.

والثلاثاء، أعلنت الهيئة الرسمية المعنية بالاتصالات أن الكهرباء ستعود بالكامل إلى تيغراي خلال أسبوعين.

وقالت ناطقة باسم رئيس الوزراء آبيي أحمد لوكالة فرانس برس إن المنشآت الحيوية تمّ إصلاحها وإن خدمات الاتصالات عادت إلى 51 بلدة في تيغراي، لكنها لم تقدم جدولًا زمنيًا لاستئناف خدمات الاتصالات بشكل كامل.