تعتمد الأنماط المعقدة للسجاد والبسط التقليدية المنسوجة يدوياً في كشمير على شيفرة رمزية قديمة، وهذه الشيفرة التي يُطلق عليها اسم "تاليم" تستخدم منذ مئات السنين لتصميم السجاد ونقل المعلومات إلى النساجين.
ينسج محمد رفيق صوفي السجاد باستخدام تصاميم "تاليم" منذ كان في الثامنة من عمره، وذلك في استمرار للتقاليد المتوارثة من والده، ويقول صوفي البالغ من العمر 57 عاماً "استغرق تعلّمي لكيفية النسج الصحيحة خمس سنوات".
لقد تغيّر الكثير خلال نصف القرن التي أمضاها في هذه الصناعة، إذ يقول صوفي إنّ الأمر في السابق كان يحتاج إلى أكثر من ستة أشهر لإتمام سجادة واحدة.
وللبدء في عملية صنع السجادة، كان يتعيّن على المصمم أن يرسم السجادة، ثم يقوم خبير في شيفرة "تاليم" بتشفير ذلك التصميم، وإرساله على شكل مقاطع صغيرة من أجل عملية النسج.
وتُترجم تلك الأجزاء من الشيفرة لصوفي وأمثاله من النسّاجين، لإرشادهم إلى المكان الذي ينبغي فيه عمل عقدة لكل خيط وأيّ الألوان ينبغي استخدامها.
وكُلّ مقطع يمثل قطعة صغيرة من السجادة فقط، وبالتالي فإنّ هناك حاجة إلى المئات منها لنسج سجادة كاملة، مع الكثير من التنقل ذهاباً وإياباً بين المصمم والنسّاجين، و قد جعلت هذه العملية اكتشاف الأخطاء صعباً للغاية، ناهيك عن الوقت اللاّزم لإصلاحها.
لكنّ الأمر اختلف هذه الأيام، إذ ساهم برنامج حاسوبيّ بتسريع العملية، وبات بإمكان صوفي أن ينهي السجادة في غضون ستة أسابيع بعد أن كان يحتاج إلى ستة أشهر لإتمامها.
ولا تزال عملية النسج والعقد يدويّة، لكن ساعد برنامج حاسوبي بتنسيق عملية التصميم وكتابة شيفرة "تاليم"، وهذا يعني أنّ صوفي يمكنه أن يرى التصميم بأكمله مرةً واحدة، بدلاً من رؤية مقاطع صغيرة فقط، كما أنّ أيّ مشاكل محتملة يمكن رصدها سلفاً، ما يقلل من الأخطاء التي تستهلك الوقت.
ويقول محمود شاه، مدير النول والحرف اليدوية في حكومة جامو وكشمير "إنّ هذا الابتكار في صناعة السجاد اليدوي لا يهدف إلى تشويه الجوهر الفني للسجاد، إنما الهدف منه تسريع العملية فقط- فالتصاميم الآن تتوفر بسرعة".
ويأتي الابتكار الأخير من شركات تقنية تعمل على تطبيق الذكاء الاصطناعي على العملية.
آبي ماثيو هو الرئيس التنفيذي التشغيلي في شركة "انترناشيونال فيرتشوال أسيستانس"، وهي شركة برامج حاسوبيّة متخصصة في تحليل البيانات.
وتقوم شركته بتدريب نظام ذكاء اصطناعي على فهم شيفرة "تاليم" من خلال عرض صور للسجاد وخطوط شيفرة "تاليم" على النظام.
ولا يزال الذكاء الاصطناعي في مراحل التطوير، كما أنّ العملية لا تزال تحتاج إلى عنصر بشري كي يكتب الشيفرة، لكنّ ماثيو يقول إنّ التقنية الجديدة من المفروض أن تعمل على تسريع التصنيع من خلال فك رموز تعليمات شيفرة التاليم للنسّاجين.
ويقول ماثيو "سيكون بمقدور النسّاجين تجربة أنماط جديدة وتحديث الأفكار الكلاسيكية لتلائم الأذواق المعاصرة وإنتاج سجاد فريد من نوعه حسب الطلب".
ومع تزايد الثراء في الهند، يرى ماثيو أنّه مع زيادة الطلب على السجاد فسوف تجد الصناعة التقليدية صعوبة في تلبيته.
ويضيف ماثيو"أذواق الزبائن تتطور، في ظل الرغبة المتزايدة لاقتناء سجاد يواكب الموضة ويدوم طويلاً ولا يحتاج إلى صيانة كثيرة. والأساليب التقليدية في صناعة السجاد تتميزعادة بأنّها تعتمد كثيراً على الأيدي العاملة، كما أنها بطيئة- وقد لا تتمكن من تلبية هذه الاحتياجات".
أسس أديتيا غوبتا شركة تحمل اسم "جمهورية البُسط" قبل 32 عاماً، وتوظف الشركة الآن حوالي خمسة آلاف شخص وتصنّعُ ما يصل إلى 15 ألف بساط في الشهر، ويقول غوبتا إنّ صناعة السجاد والبُسُط الهندية تواجه منافسة شرسة من منافساتها في تركيا والصين وتحتاج إلى مواكبة أساليب التصنيع الحديثة.
ويقول إنّ "الابتكار مهم في كل صناعة- وبدونه نموت"، ويضيف "إنّ صناعة لسجاد الهندية هي مثال مثير للاهتمام، إذ أنّ الأمرلا يتعلق فقط بالتقدم إلى الأمام بتقنيات جديدة، وإنما بتحرك القديم والجديد يداً بيد".
ويمضي قائلاً "الابتكار الآن متوجه نحو عمل تصاميم لا يمكن نسخها بواسطة الآلات، بينما لا تزال تستخدم أساليب تقليدية".
وفي "جمهورية البُسط"، أُدخلت تقنية جديدة من أجل عمل التصاميم وغسل وتجفيف السجاد ومن أجل مراقبة مستويات الرطوبة. كما أجريت تجارب على الصوف التقليدي بالإضافة إلى مواد مثل الجينز والقطن و الجلود المعاد تدويرها.
وعلى الرغم من كافة الابتكارات، إلا أنّ غوبتا ما زال يُقدّر الأساليب القديمة، ويقول "إنّ الجانب التصنيعي للأشياء لا يزال بحاجة لأن يكون تقليدياً ويدوياً باعتبار أنّ ذلك هو الجانب الجمالي الرئيسي الذي يسعى إليه المستهلكون".
ووجدت الصناعة مساعدة أيضاً من نظام الوسم الرسمي الذي يتعرف على السجاد الكشميري الأصلي المنسوج والمعقود يدوياً.
ومن خلال مسح رمز الاستجابة السريعة "كيو آر كود"، يمكن للمشترين التحقق من مصمم السجادة وكيفية صنعها.
ويقول مصمم السجاد، شاه نواز أحمد "لو لم تتخذ دائرة الحرف اليدوية هذه الخطوة، لربما كانت مهنة تصنيع السجاد اليدوي قد اختفت في غضون بضعة أعوام".
وكان ذلك سيشكل ضربة حيث تعتبر هذه الصناعة جزءاً مهماً من الاقتصاد المحلي. فهي توظف حوالي 50 ألف عامل في جامو وكشمير، والذين ينتجون معاً بُسطاً وسجاد بقيمة تصل إلى حوالي 36 مليون دولار (28 مليون جنيه استرليني) سنوياً.
وأعطت التطورات في صناعة السجاد أملاً للنسّاجين القدامى مثل فيروز أحمد بهات، الذي يعمل في نسج السجاد منذ ثلاثين عاماً.
ويقول بهذا الخصوص "في أيام عملي المبكرة في المهنة، كانت أرباحنا جيدة وكان الكثيرون منخرطين في هذا العمل. ثم جاء وقت كانت فيه الأجور منخفضة للغاية. لكن الآن أُدخلت تصاميم جديدة فاستعاد العمل وتيرته مجدداً، والآن عاد إلى الازدهار".
التعليقات