إيلاف من برشلونة: "مرحبا باللاجئين ولا للسائحين"، من كان يتخيل يوماً أن يصل الشعور بالاختناق من تأثيرات السياحة التي تتدفق على أوروبا إلى هذا الحد؟

هو شعار رمزي بالطبع، وعلى سبيل المبالغة، فمن لا يرحب بالسائح الذي ينفق المال ويدعم اقتصاد هذه الدول، لن يرحب باللاجئ بالطبع، ولكنه على أي حال شعار يؤكد الشعور بالضيق والغضب من التدفق السياحي على القارة العجوز وخاصة بلدان ومدن الجنوب الأوروبي، وتحديداً اسبانيا وإيطاليا وفرنسا واليونان وغيرها، فالجميع يواجهون السياح بلافتات تقول "لا نريدكم.. عودوا إلى دياركم".

الظاهرة التي تجتاح أوروبا تسمى "الإفراط في السياحة" أو السياحة المتدفقة بقوة، وهذه سببها ارتفاع المستويات الاقتصادية للعديد من دول العالم، وخاصة الدول الآسيوية وغيرها من الدول والقارات التي يخرج منها ملايين السياح الذين يتجهون صوب أوروبا.

هؤلاء يتسببون في غلاء السكن والإيجارات والسلع المختلفة والطعام ويضغطون على الخدمات في دول جنوب أوروبا، مما جعل المواطن الأوروبي يعلن عن غضبه من السياح علناً، وبلغ الأمر رشهم بالمياه في الشوارع كما حدث في برشلونة.

وفي حين أن جائحة كوفيد-19 وفرت فترة راحة للعديد من السكان المحليين من أعداد المسافرين الذين يأتون إليها إلا أن السياح المزعجين يثيرون أعصابهم مرة أخرى وبوتيرة قوية لم تحدث من قبل.

يطاردون السياح بخراطيم المياه
لدرجة أن السكان المحليين والناشطين خرجوا إلى الشوارع في مدن مختلفة في جميع أنحاء إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان، وكان بعضهم مسلحا بمدافع المياه وملصقات تطلب من الزوار المشاغبين العودة إلى منازلهم.

ويقول المتظاهرون إن الإفراط في السياحة يؤدي إلى ارتفاع أسعار المساكن، ويرفع الأسعار، ويجعل إمدادات المياه المنهكة بالفعل أكثر ندرة.

وفي المراكز الحضرية المنكوبة بالجفاف مثل برشلونة، يستهلك السائحون كميات أكبر بكثير من المياه مقارنة بالمقيم العادي. وفي صقلية الجافة، بدأت حركة إبعاد السياح بسبب ندرة المياه.

الحكومات ترحب والشعوب ترفض
والحكومات، من جانبها، أقل ميلاً إلى تنفيذ تدابير دائمة. بالنسبة للعديد من دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة تلك الموجودة في جنوب أوروبا، تعد السياحة ركيزة أساسية لاقتصادها، وهي تمثل 11.3% في كرواتيا، وما بين 6 و8% في البرتغال واليونان وإسبانيا وإيطاليا، وفقا لتحليل أجرته شركة أليانز.

بعد أن أوقف وباء كورونا السياحة لمدة عامين تقريبا، شرع الأشخاص المتحمسون للسفر في ما يسمى "السياحة الانتقامية" - حصد الرحلات التي فاتتهم.

وقالت ساندرا كارفاو، مديرة توقعات السوق والقدرة التنافسية في وكالة السياحة التابعة للأمم المتحدة لصحيفة بوليتيكو: "ما نراه في وسائل الإعلام هو ما بدأنا نراه حتى قبل الوباء، لقد رأينا بالفعل حركة واحتجاجات ضد السياحة في الوجهات الشهيرة في أوروبا".

ارتفاع الحرارةوتوتر الأعصاب
وفي نهاية شهر تموز (يوليو) تجمع حوالي 20 ألف ناشط مناهض للسياحة في بالما دي مايوركا ، مطالبين بتغيير نموذج السياحة الذي يقولون إنه يضر بجزر البليار، التي تضم جزرها الثلاث الرئيسية هي مايوركا ومينوركا وإيبيزا.

وفي عام 2023، ارتفع إجمالي عدد السائحين على الجزر إلى 14.4 مليونا ، وهو رقم هائل بالنسبة للجزر التي يبلغ إجمالي عدد سكانها على مدار العام حوالي 1.2 مليون نسمة.

وفي برشلونة، قام نشطاء برش الزوار الأجانب بمسدسات المياه في احتجاج على نطاق أصغر. وأدان وزير السياحة الإسباني هذا الإجراء، قائلاً إنه لا يمثل ثقافة الضيافة في البلاد. في الشوارع والأماكن العامة في جميع أنحاء إسبانيا، تشير الملصقات والكتابات على الجدران إلى " غيريس "، وهو مصطلح عامي مهين إلى حد ما للسياح الذين يجدون صعوبة في احترام القوانين والثقافة المحلية.

احتجاجات علنية ضد السياح
وقد جرت احتجاجات مماثلة مناهضة للسياحة هذا الصيف في جميع أنحاء إسبانيا، بما في ذلك مدريد وملقة وغرناطة وأليكانتي. وخارج إسبانيا، شهدت المناطق السياحية الساخنة مثل البرتغال وإيطاليا واليونان احتجاجات بدرجات متفاوتة.

رسوم مضاعفة ونتائج عكسية
تحارب المدن السياحة المفرطة بالغرامات والرسوم والحظر، بدرجات متفاوتة من النجاح، وقد طبق البعض قواعد أصغر لردع السياح، و منع التقاط صور شخصية في مناطق مدينة بورتوفينو الإيطالية، ومنع الجلوس على المدرجات في روما، ومنع السفن السياحية الكبيرة في دوبروفنيك في كرواتيا أو سانتوريني في اليونان، وعدم ارتداء النعال في سينك تير.

وفي البندقية، فرضت السلطات رسوم دخول رمزية بقيمة 5 يورو للحد من عدد السياح. ومع ذلك، فإن هذا الإجراء جاء بنتائج عكسية، وبدلاً من ذلك أثار المزيد من الاحتجاجات من قبل السكان المحليين الذين زعموا أن المدينة قد تحولت إلى حديقة ترفيهية للأجانب.

وأعلن عمدة برشلونة أن المدينة ستغلق تأجير الشقق قصيرة الأجل للسياح بحلول عام 2028، في محاولة لتجنب أسوأ أزمة نقص مساكن متفاقمة في أوروبا، وفي العقد الماضي، وافقت جزر الكناري، إلى جانب مدينتي برلين ولشبونة، على إجراءات مماثلة.

على أي حال تحتاج استراتيجية السياحة الناجحة إلى التركيز على توازن التأثير الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ويجب أن تأخذ في الاعتبار مستوى الطلب وكذلك القدرة الاستيعابية للوجهة (من حيث حجم المدينة، البنية التحتية أو الموارد).

أمستردام توقف بناء الفنادق
أمستردام على سبيل المقال هي المدينة التي تسير على طريق جيد للسيطرة على السياحة، فقد حظرت المدينة، التي اكتسبت سمعة باعتبارها عاصمة الحفلات في أوروبا، تدخين الحشيش في بعض المناطق، وفي الآونة الأخيرة، أعلنت حظرا على بناء فنادق جديدة.

وعلى النقيض من الوجهات الأخرى التي تضيق الخناق على المسافرين، فقد اختار البعض نهجاً أكثر انفتاحاً: حيث تقدم كوبنهاجن مكافآت لتشجيع السلوك السياحي الصديق للمناخ . أولئك الذين يركبون الدراجة، أو يستقلون وسائل النقل العام، أو يجمعون القمامة في المدينة قد يكسبون أي شيء بدءًا من فنجان قهوة مجاني إلى الدخول المجاني إلى المتحف.