أحمد عبد المنعم :على مقاهي وسط القاهرة وبين ضروب أزقتها المنتشرة بشوارعها التي تجمع بين تاريخ تنطق به المباني وحيوية يبعثها مئات المارة، يمكن للضيوف الدائمين بذلك الحي أن يميزوا بسهولة هؤلاء الضيوف المترددين على وسط القاهرة لقضاء مصلحة سريعة .. فهم وعلى الرغم من كونهم لا يصنفون من المقيمين بوسط القاهرة الا أنهم يمضون اغلب اوقاتهم هناك حتى باتوا يعرفون بــquot; شلة وسط البلد quot; .
وان كانت كلمة شلة توحي بعدد قليل ، فان اعدادهم الفعلية تكاد تقدر بالمئات .فلقبهم هذا اتى نتيجة تشابههم في طريقة واسلوب الحياة ناهيك عن أن علاقة ما تربط بينهم وان لم تصل حد الصداقة.

أعمارهم تتفاوت بين مطلع العقد الثالث ومنتصف الرابع و يتوزعون على مقاهي وسط القاهرة بشكل منظم حتى لا يجد رفاقهم صعوبة فى العثور عليهم عند البحث عنهم.

وكما في كل مكان يجمع بين الشباب والفتيات تنشأ العلاقات العاطفية وعادة ما تكون لمرحلة مؤقتة تنتهي عند اتخاذ الشاب قرارا بالزواج .. حينها سيضع حدا للعلاقة ويبدأ رحلة البحث عن فتاه تصلح زوجة يواجه بها المجتمع والتي غالبا ما تكون من اقاربه أو فتاه ريفية قادمة من مسقط رأسه باحدى محافظات مصر شمالا أو جنوبا مكتفيا بتزكية والدته أو والده لها.

ذلك السيناريو الذي يتكرر بشكل شبه منتظم في quot; شلة quot; وسط البلد يكاد يمثل غصة للفتيات اللائي يعتبرن هكذا تصرفات quot;طعنة في الظهرquot; لا للصدمة العاطفية فحسب والتي قد تكون المشكلة الأقل الحاحا ولكن للصدمة
التي تتعرض لها حيث تسقط كافة الاقنعة والتي ظل الشاب يرتديها لسنوات طوال اعتاد خلالها تقمص شخصية المثقف الثوري المؤمن بحقوق المرأة وضرورة تبوئها مكانة لا تقل عن مكانة الرجل ..حتى ان لم يكن يفوت مناسبة دون أن يلعن المجتمع الشرقي الذي ينظر بدونية للجنس اللطيف ويضعه في مرتبة متأخرة عن الرجل.

كل تلك الآراء والمواقف الثورية لم يكن يمضي التطرق اليها وتأكيدها مبديا اعجابه بفتيات وسط البلد وما يتمتعن به من شجاعة مكنتهن من تحدي المجتمع في نظرته التقليدية للمرأة وضربن بثوابته عرض الحائط فها هن يجلسن على المقاهي
كالشباب ويقضين ساعات طويلة من الليل خارج المنزل دون حرج ويختلطن بالشباب في كافة المواقف حتى وان كانوا يحتسون الكحول في مطعم أو بار بوسط القاهرة بل ويجهرن بعلاقاتهن العاطفية ويبحن بأدق تفاصيلها حتى وان تطورت الى علاقة جسدية..
.. هن بذلك يحملن شعلة تحرير المرأة والعبور بها الى درجة أكبر من التحرر كما اعتدن أن يسمعن من شباب وسط البلد .

كل تلك الصفات والشعارات تسقط وتنهار تماما بمجرد الحديث عن ارتباط رسمي بين الشاب والفتاة، فسريعا يحاول الهروب من الموقف متعللا بعدم توفر الامكانات المادية التي تمكنه من الزواج وبالسرعة نفسها تلجأ الفتاة الى التنازل عن المهر وquot;الشبكةquot; والشقة الكائنة بأحد الأحياء الراقية والتي تمتلأ بالأثاث الفاخر .. ذلك بالطبع بدعوى التقدمية ومحاربة الأفكار الرجعية ، فكل ما تطلبه الفتاه فقط هو شقة مستأجرة في حي شعبي ويمكنها حتى أن تساهم بجزء من قيمة الايجار وهنا لا يملك الشاب سوى الرفض بشكل واضح ومباشر مدعيا أن خطوة الزواج مؤجلة لبعض الوقت. ..

تستمر العلاقة أو تنتهي وفقا لقدرة الفتاة على التحمل ومدى تمسكها بهذا الشاب، ولكن ثقتها في وصول العلاقة الى مرحلة الزواج تقل بشكل ملحوظ لموقفه السلبي اضافة الى عدم وجود نماذج سابقة لمثل هذه الزيجات اللهم الا فى حالات نادرة وغالبا ما تتحطم على صخرة الندية التي تصر عليها المرأة ما يجعل الحياة تتحول الى جحيم لا تنطفئ ناره الا مع الانفصال.

لأسباب عدة يفضل شباب وسط البلد عدم الارتباط بفتيات الشلة نفسها لعل أبرزها ذلك السبب الأخير والمتمثل بالندية التي تبحث عنها الفتاة، اضافة الى أن نسبة ليست بالقليلة من الشباب هم من محافظات ريفية ما يجعلهم يعيشون حالة من الحيرة والقلق بين نموذج المرأة التي رآها في والدته التي كانت تطيع والده في الخطأ قبل الصواب سعيا لارضائه وبين ما يؤمن به من أفكار تحررية ظلت تزحف نحو رأسه منذ الكتاب الأول الذي قرأه فى مرحلة المراهقة الفكرية ، حتى وان انتصر لأفكاره ومضى قدما في طريق الارتباط بفتاة عصرية فلن يقوى على احتمال تصرفاتها المتحررة ولن يقوى على مواجهة مجتمعه الريفي بهذه الزيجة .. هو في النهاية يفضل الزواج بفتاة قد لا تربطه بها سابق معرفة طالما سيحظى بقبول المحيطين وطالما أصبح بامكانه الابقاء على علاقاته الأخرى بفتيات وسط البلد.

بالطبع لا يجرؤ أحدهم على الاعتراف بالسبب الحقيقي لرفضه الزواج من احدى فتيات وسط البلد لأن التطرق الى هذا السبب اعتراف مباشر بالرجعية وعدم الايمان بما يردده من أفكار تقدمية وبالتالي فلا مكان له بين هؤلاء الصفوة من المثقفين الذين يحملون لواء التغيير فى هذا المجتمع النامي . الفتيات من جانبهن مللن الحديث في تلك النقطة الشائكة خشية أن يفسرها البعض بأنه عرض للزواج ناهيك عن أن الفتاة المتحررة يجب أن تكون مختلفة كليا في نظرتها للمستقبل مقارنة بالفتاة التقليدية وهو ما يعني ببساطة أن الزواج لا يفترض أن يكون على رأس اهتماماتها وعليها أن تولي أمور أخرى هذا القدر من الاهتمام خاصة ما يتعلق بالعمل وممارسة النشاط السياسي الذي عادة ما يتم تلخيصه في التظاهرات والاشتراك في تحرير مطبوعات ترصد الظلم الواقع على الطبقة العاملة.

ما يزعج فتيات وسط البلد فقط هي تلك النظرة الدونية التي يلقونها من شباب يرتدون ثوب المثقفين الثوريين والذين يتراجعون عن أفكارهم عند أول اختبار عملي لها معتبرينهن مجرد فتيات شوراع خلفية يصلحن فقط للصداقة والسهر والنضال فى بعض الأحيان ولكنهن بالتأكيد لا يصلحكن زوجات يواجهون بهن مجتمعهم المحافظ.

[email protected]