أخيراً صدر العدد السابع من مجلّة quot;السنونوquot; السوريّة ويتضمّن باقة من الموضوعات الأدبيّة والثقافيّة في حقول مختلفة، وهذه المجلّة التي تصدر على نحو غير دوري عن رابطة أصدقاء المغتربين بمدينة حمص يُشرِف على تحريرها عدد كبير من الكتّاب والفنّانين والمترجمين والمستشارين الموزّعين في بلدان مختلفة عربيّة وأجنبيّة منها سوريا، لبنان، كندا، البرازيل، تشيلي، أستراليا، فرنسا، أميركا ونيجيريا، ومنهم مثالاً لا حصراً: نويل عبد الأحد، رغيد النحّاس، يوسف الحاج، دعد طويل قنواتي، سميح كرامة، أدمون كرم، قصي أتاسي، ميشيل نعمان، نديم قندلفت، سوزان ابراهيم، رغد بيطار، إلهام نسيم ونوّاف خزام. أمّا رئيسة التحرير فهي الأديبة نهاد شبّوع التي تقول في افتتاحيّة العدد: quot;أمّا القمم فلتظل لنا مرمى وتوقاً، ولأجيالنا الصاعدة مطمحاً وشوقاًquot;.
ومن الموضوعات التي يحتويها عدد quot;السنونوquot; الجديد ذي الغلاف الرائع وهو لوحة للفنّان بسّام جبيلي، فيما الغلاف الخارجي هو فوتوغراف للفنّان فاروق قندقجي عن بيوت حمص القديمة: quot;حدود عصيّة على السيطرةquot; لجادش بشواتي، وترجمة جعفر أبو النصر، quot;فلسطين والتلمود والأصوليّة المسيحيّةquot; للدكتور نديم قندلفت، quot;حضارة الطينquot; لشاكر مصطفى، quot;محمود درويش ـ الشعر حرفة وهوايةquot; ـ حوار حسن نجمي، quot;شاعريّة النورquot; لحسن الحسن وترجمة زياد خاشوق، quot;المرأة في شعر سعاد الصبّاح ـ ديوانها: إمرأة بلا سواحل نموذجاًquot; بقلم سميرة رباحيّة طرابلسي، quot;قراءة غير نقديّة للشاعر يوسف الصائغquot; بقلم يوسف الحاج، quot;أدب المهجر وقصّة الطغيانquot; بقلم إدوار حشوة، quot;القناع والمرأةquot; ـ قصّة جورجي بورخيس، وترجمة مرهف زين. بالإضافة إلى قصائد للدكتور وليد سلامة، نور صالح أبو خنجر، ندى السلامة، نبيل ملاّح، فرج بيرقدار، رولا حسن وأنيسة عبّود.
والملفت في هذا العدد أنّه كتاب في مجلّة، أو مجلّة في كتاب من حيثُ الغنى والخلاصات التي فيما هي تؤكّد تنفي، وفيما هي تنفي تؤكّد، أو فيما هي تبني تهدم، وفيما هي تهدم تعمّر، ثابتة في البعد الإنساني رفضاً للمظالم، ومتحرّكة نحو كلّ ما هو أجمل وأرقّ وأحسن.
فها هو عبد المعين الملّوحي في موضوعه يفضح زيف روحانيّة الشرق، فيعتبرها quot;أسطورة من الأساطيرquot;، فالحريّة في الشرق quot;حلم من الأحلامquot;، والصحّة في الشرق quot;وهم من الأوهامquot;، والأميّة في الشرق تتجاوز quot;80 بالمائة من عدد السكّانquot;، والمجاعات في الشرق تحصد quot;الملايينquot;، وquot;في حدود عصيّة على السيطرةquot; يكشف الكاتب مسألة الهجرة من دول العالم الثالث إلى الدول المتقدّمة بكثير من الحصافة، ويؤكّد في ما يؤكّد أنّ أستراليا تعرّضت quot;للإدانة العالميّة عندما كشف مبعوث عن الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان عن الأوضاع البائسة التي يتعرّض لها اللاجئون الأفغان والإيرانيّون والعراقيّون ... في معسكرات الإعتقال الأستراليّةquot;، أمّا في البحث الموسوم quot;فلسطين والتلمود والأصوليّة المسيحيّةquot; فيورد الدكتور قندلفت شهادات موثّقة عن مدى الضغوط التي مورست لتمرير مشروع بناء دولة إسرائيل، فينقل وصف ما حدث في الأمم المتّحدة على لسان وزير الدفاع الأميركي في حينه وهو السيّد فوريستال نقلاً عن كتاب quot;أرض الميعاد لمن؟quot; وهو من تأليف مولين تشابمان: quot;إنّ مدى القسر والإكراه الذي تعرّضت له أمم للتصويت على المشروع قد بلغ حدّ الفضيحة ... إنّ الضغوط التي مورست في الأمم المتّحدة فاقت كلّ ضغط سابق ... والضغوط التي مورست على البيت الأبيض كانت كالسيل الجارف ... أعتقد أنّه في تاريخ البيت الأبيض ...لم تكن دعايات ... موجّهة ضدّه كما حدث في هذه الحقبة ... الضغوط ... التي مارسها غلاة الصهاينة ... وتهديداتهم السياسيّة ... أزعجتني وأخرجتني عن طوريquot;. ويروي عن الجنرال غلوب البريطاني قوله: quot;في كانون الأوّل من عام 1947 كان ضابطان بريطانيّان من حكومة الإنتداب ومسؤول صهيوني يبحثون مشروع التقسيم ... وتساءل أحد الضابطين ... ما إذا كان عدد كبير من العرب في الدولة العبريّة ... سيكون ... مصدر إزعاج دائم؟، فيردّ المسؤول الصهيوني قائلاً: أوه، كلاّ أبداً ... إنّ عدد المجازر المخطّط لها كفيل بالتخلّص منهمquot;. ويتساءل شاكر مصطفى في مقالته quot;حضارة الطينquot; ما إذا كان quot;المغولي الوحش جنكيز خان الذي أخرج أهل بخارى منذ ثمانية قرون إلى ظاهرها فذبحهم جميعاً وهم مليون ونصف المليون هو غير ترومان الذي أباد هيروشيما؟quot;، وفي quot;أدب المهجر وقصّة الطغيانquot; يؤكّد إدوار حشوة أنّ أدب المهجر quot;كان خارج حدود سلطات القمع العربيّةquot; وأنّه quot;امتلك هامشاً من الحريّة لم يتوفّر لأدباء الداخلquot;، وينوّه بإنتاج quot;القروي وأبي ماضي وفرحات ونسيب عريضة وجبران خليل جبرانquot;. هذا ويمكن التنويه بقصّة quot;القناع والمرآةquot; والقصص القصيرة التي كتبها نور الدين الهاشمي، وترجمها مجد ماجد قرّة.
وفي ما يلي قصيدة quot;إيثاكاquot; لقسطنطين كافافي الشاعر اليوناني الحكيم الذي أقام في الإسكندريّة وولد عام 1863 وتوفي عام 1933 وهي ترد في الصفحة الخامسة:

متى عزمتَ على الإرتحال إلى إيثاكا
صلّ أن تكون الدرب طويلة
فيها غمرة من الغمرات، غمرة من المعارف
لا تخشَ وحشاً أو مارداً
لا تخشَ إله البحر الهادر أو إله الزلازل
لن تصادف أيّاً منهم على الدرب
ما دامت أفكارك تحلّق عالياً
والعاطفة تداعب روحك وجسدك
لن تصادف وحشاً أو مارداً
لن تصادف إله البحر الهادر أو إله الزلازل
ما دامت روحك تخلو منهم
وقلبكَ يبعدهم.

صلّ أن تكون الدرب طويلة
أن تكون نهارات الصيف كثيرة
ستغمرك المتعة والفرح
متى عبرتَ موانئ تراها للمرّة الأولى
انزلْ الأسواق الفينيقيّة
وابتعْ أفخر البضائع
ابتعْ أمّهات اللآلئ والمرجان والأبنوس
ومن العطور الأكثرها إثارةً
ابتعْ كل ما أعطيت من العطور المثيرة
زرْ ما شئتَ من المدن المصريّة
لتستقي وتستقي العلم من مناهله.

إحفظْ إيثاكا في ذهنك
فبلوغها هو الهدف
أبطئْ في ترحالك
فالأجمل أن تطول الرحلة سنوات وسنوات
أن تجنح عند الجزيرة وأنتَ هرِم
وقد أثراك حصاد الدرب.

لا تتوقّع أن تغدق إيثاكا الثروات عليك
فقد وهبتك الرحلة الجميلة
فلولاها لما سرتَ على الدرب
نفدتْ عطاءات إيثاكا لك.

وإنْ وجدتها في فقر
فلا تحسب أنّ إيثاكا قد خيّبتك
تكفيك الحكمة التي بلغتَ
والتجربة التي عايشتَ
ولا بدّ أنّك فهمتَ إيثاكا.
**
ومن القصص القصيرة جدّاً نورد التالية:
1 ـ عبدٌ
حين صفعه سيّده على وجهه لأنّه داس خطأً على ظلّ ذيلِ حصان السيّد، لم يحزن لأنّه فقدَ أربعةً من أسنانه، ولم يحزن لأنّه فقد قطعة من لسانه، ولم يحزن لأنّ الدم سال غزيراً من شفتيه، بل تألّم كثيراً لأنّه لن يستطيع بعد الآن أن يلفظ quot;يا سيّديquot; بشكل صحيح.

2 ـ طاغية وحلم
أفاق الطاغية من نومه مذعوراً حين رأى في حلمه رجلاً شجاعاً يصفعه ويبصق في وجهه، سأله حرّاسه الغاضبون حتى النخاع عن أوصاف الرجل فأجاب: quot;له رأس وساقان ويدان وعينانquot;، وفي لمح البرق أحضر الحرّاس لمولاهم إنساناً له رأس وساقان ويدان وعينان، أومأ إليهم الطاغية فطار رأسُ الرجل. استراح الطاغية طوال النهار، وفي الليل عاوده الحلم من جديد، فأحضروا له من جديد إنساناً له رأس وساقان ويدان وعينان، تكرّر الحلم وتكرّر الإعدام وتكرّرت الأيّام، وأخيراً لم يبقَ في المملكة سوى الطاغية وسيف الجلاّد ومدن من المقابر.

3 ـ مشاجرة
أوصل استعجال عزرائيل لتصفية حساباته آخر العام عشر جنازات إلى مقبرة (تلّ النصر). كان الوقت قبيل الغروب. النهار أيضاً يلفظ أنفاسه الأخيرة، لكن القبور الجاهزة للدفن خمسة، والموتى عشرة، والمشيّعون جميعاً مستعجلون لدفن موتاهم، فلديهم أعمال وأشغال، وإكرام الميت دفنه، كما يقولون، والإسراع في دفنه. تزاحم المشيّعون على القبور الجاهزة، وكلٌّ يدّعي حقّه في الدفن أوّلاً ويبرّر حجّته الدامغة، ولكنْ لم يُجدِ النقاش فارتفع الصراخ وانهمرت الشتائم ثمّ اشتبكت الأيدي وشاركت بعدها الأرجل والأسنان والعكاكيز والحجارة في المعركة. استبسل الجميع ما عدا أصحاب القضيّة ـ أقصد الموتى ـ فقد وقفوا على الحياد التامّ.

4 ـ مباراة
تبارت أربعة مكبّرات للصوت في احتلال فضاء المدينة، الأوّل لزعيم مفوّه، والثاني لواعظ ناريّ البيان، والثالث لمطرب شبابي، والرابع لشاعر يائس. ربحوا جميعاً وخسرت المدينة فضاءها والروح قطعة وفلسطين قطعة.
[email protected]