في معرض تشكيلي بمدريد بمناسبة الذكرى 125 لميلاده
محمد المودنمن مدريد: quot;بيكاسو: تقاليد وطليعةquot;، عنوان معرض تشكيلي كبير غير مسبوق للمفن التشكيلي الإسباني quot;بابلو رويز بيكاسوquot;، تحتضنه صالات المتحف الإسباني الشهيرquot;البرادوquot;، وكذلك quot;مركز الملكة صوفيا للفنونquot;، وكلاهما يوجدان بالعاصمة الإسبانية مدريد. هذا المعرض الذي ينظم بمناسبات مختلفة: الذكرى 125 لميلاد بيكاسو ، والذكرى 25 على عودة أشهر لواحاته التشكيلية إلى إسبانيا، وهي لوحة quot;غويرنيكاquot;، وكذلك الذكرى السبعين لتعيينه مديرا لمتحف quot;البرادوquot;، سيجري افتتاحه رسميا غدا الإثنين من العاهلين الإسبانيين الملك خوان كارلوس الأول، والملكة صوفيا، ورئيس الحكومة الإسبانية رودرغيز ثباطيرو، وسيستمر إلى غاية سبتمبر\أيلول المقبل. وقد تجمعت لهذا المعرض الذي سيحتضن أكثر من مائة لوحة تشكيلية لبيكاسو المزداد بمالقا بالأندلس جنوب إسبانيا عام 1881، أسباب التميز والفرادة بالنظر إلى المعارض السابقة التي أقيمت بإسبانيا، أو بمواقع أخرى في العالم، حول أعماله التسكيلية. إذ لأول مرة سيجرى عرض لوحات جديدة لم يسبق وأن احتضنها أي معرض نظم بإسبانيا، وخاصة لوحة quot;الموسيقيون الثلاثةquot;. ثم إن لوحات بيكاسو سيتم عرضها ضمن خطة رؤيوية تتطلع إلى نسج حوار فني وتشكيلي بين أعماله وأعمال ملهميه من كبارالتشكيليين العالميين.
وقد جرى استعارة العشرات من اللوحات التي رسمها بيكاسو، أوأبدعها التشكيليون الآخرون، من عدد من المتاحف ومراكز الفنون العالمية، مثل متحف الفن المعاصر بنيويورك، ومتحف الفنون بفيلاديلفيا، ومتحف quot;تيت موديرنquot; بلندن، ومتحف هيرميتاج بسان بيتيرسبورغ، ومتاحف بيكاسو من باريس، ومتاحف أخرى من برلين وفينسا وبرشلونة وغيرها.
وكما سبقت الإشارة فإن إدارة المعرض المسؤولة عن تنظيم هذا الحدث قد وضعت إطارا جماليا وفنيا خاصا ، سيجري فيه تلقي لوحات بيكاسو وقراء تها. إذ ستكون هذه القراءة، أو هذا التأمل مرهونا بتمثل الخطاب الفني والتشكيلي واستحضار القيم المضمونية التي تنطق بها لوحات تشكيلية لكبار ملهمي بيكاسو من أمثال دي غويا، وفان غوخ، وفيلاسكيس، و بوسين، و رومبرانت، وتيزيانو، وديلاكرو، و بوفيس وغيرهم. وذلك بغرض الإمساك بمظاهر الامتداد الفني والجمالي القائم بين المنجز التشكيلي لهؤلاء الذين كانوا مرجعا ومصدر إلهام بالنسبة إلى بيكاسو، وبين تجاربه هو التشكيلية ذاتها. وهكذا على سبيل المثال يمكن مشاهدة لوحة لبيكاسو، تدعى quot;حسناء عاريةquot; ولوحة أخرى quot; لفرنسيسكو دي غوياquot;، وهي ذات مضمون مماثل، موضوعتين بشكل تقابلي، تتبيح إمكان رصد الامتداد بين التجربتين اللتين صيغتا في فترتين زمنيتين وثقافيتين مختلفتين.
وقد خضعت لوحات بيكاسو في فضاءات المعرض الممتدة بين صالات متحفquot;البرادوquot;، وصالات quot;مركز الملكة صوفيا للفنونquot;، لمنطق كرونولوجي يراعي تاريخ التجربة التشكيلية لبيكاسو. فيصادفك في بداية فضاء العرض في متحف quot;البرادوquot; مثلا ، لوحات بيكاسو التي تمثل الحقبة التشكيلية الأولى لتجربته، وهي تلك المنتسبة إلى ما يسمى بquot;الحقبة الزرقاء والورديةquot;. ثم تعقبها اللوحات التي تندرج في إطارquot;التجربة التكعيبيةquot; لبيكاسو. فأخرى quot;كلاسيكيةquot; تنتسب إلى فترة العشرينات، وهي لوحات انفتحت في الآن ذاته على النزعة quot;السرياليةquot; التي كانت هي الآخرى أفقا جماليا وفنيا ارتاده بيكاسو. أما فضاء العرض بquot;مركز الملكة صوفيا للفنونquot;، فسيحتضن أشهر لوحات بيكاسو، التي مثلت قمة عطائه التشكيلي، وهي لوحة تنطق بكثير من المعاناة الإنسانية القاسية التي عاناها جراء اندلاع الحرب الاهلية الإسبانية، وجراء تداعيات الحرب العالمية الثانية كذلك. واللوحة تدعىquot; غويرينكاquot;، وستكون في وضع تقابلي كذلك مع لوحة أخرى للتشكيليquot; دي غوياquot; ، تدعى quot;إعدامات 3 مايوquot;.
وبالطريقة ذاتها وبالقرب من هاتين اللوحتين، في صالة العرض quot;بمركز الملكة صوفيا للفنونquot;كذلك، سيجري وضع لوحة أخرى شهيرة لبيكاسو، وهي من الطينية الموضوعية نفسها للوحتي quot;غويرينكاquot; و quot; إعدامات 3 مايوquot;، تدعىquot;جريمة كورياquot;، وهي توجد في وضع تقابلي كذلك مع لوحةquot;إعدام ماكسيميليانوquot; لمانيت. وتخلق هذه اللوحات جميعا نفسا إنسانيا مكلوما، لكنها تشدد في الوقت ذاته على قيمة إنسانية مفادها quot;أن الضحايا هم المنتصرون أخلاقيا في أي حربquot;.
ومن أكثر اللوحات قيمة ورمزية بالنسبة إلى بيكاسو، ويجري الاحتفاء بها في هذا المعرض لوحته quot;غويرنيكاquot;، التي كانت قد كلفته بإنجازها الحكومة الجمهورية الإسبانية، لعرضها في معرض عالمي بباريس نظم عام 1937، وقد منع انقلاب فرانكو على الحكومة الجمهورية الإسبانية، من إدخالها من فرنسا، وظلت بنيويورك حتى عام 1981، حينما استقرت الأجواء الديموقراطية بإسبانيا. وإذا كان بيكاسو قد توفي عام 1973، قبل أن تعود quot;غويرنكا quot; من المنفى، إلا أنه على الاقل قد تحققت أمنيته وعادت لتخلد في بلده التي اوحت له بها.
التعليقات