القسم الأول
عواد علي من عمّان:بدأت في مركز الحسين الثقافي بعمّان في الحادي عشر من حزيران/ يونيو الجاري فعاليات الدورة الثانية عشرة لمهرجان الفيلم الفرنسي العربي بعرض فيلم quot;دنياquot; لجوسلين صعب. ويستمر المهرجان، الذي يحتضن اثني عشر فيلماً روائياً ووثائقياً، حتى يوم غد الأحد، ويحضره عدد من مخرجي الأفلام المشاركة. تنظم المهرجان، الذي يصاحب فعاليات المؤتمر العالمي الثاني لدراسات الشرق الأوسط في عمّان، البعثة البصرية الإقليمية للسفارة الفرنسية في الأردن، والمركز الثقافي الفرنسي، والهيئة الملكية الأفلام، وأمانة عمان الكبرى، وبمشاركة القناة الفرنسية (تي في 5)، وإذاعة مونتي كارلو الشرق الأوسط، والملكية الأردنية. ويهدف هذا المهرجان إلى تقديم أفلام عربية وفرنسية حديثة للجمهور الأردني في إطار التبادل والتعاون بين فرنسا وبلدان العالم العربي من خلال الإنتاج والتمويل، إضافة إلى كونه يعرض مفهوم التنوع الثقافي بشكل ملموس، ويقدم فرصةً فريدة لاكتشاف أفلام لا تعرض في الصالات التجارية، ويتيح لمخرجين وممثلين عرب أن يتحاوروا مع الجمهور في الأردن. وتنظم الهيئة الملكية للأفلام، على هامش المهرجان، اليوم السبت ورشة عمل مفتوحة للجميع بعنوان (إنتاج الأفلام في البلدان العربية وإمكانيات الإنتاج المشترك مع أوروبا) يقيمها السيد فيليب جالادو، مدير مهرجانات القارات الثلاث في نانت، وتضم مخرجين مدعوين ومخرجين أردنيين شباب.
* فيلم الافتتاح: دنيا إخراج: جوسلين صعب
إنتاج: كاترين دوسارت بروكشن، وجوسلين صعب (فرنسي عربي مشترك/ ناطق بالعربية ومترجم إلى الفرنسية). تمثيل: حنان ترك، محمد منير، عايدة رياض، سوسن بدر، فتحي عبد الوهاب، ووليد عوني.
تدور أحداث الفيلم حول فتاة تدعى دنيا، تقرر بعد إنهاء دراستها الجامعية، وحصولها على شهادة الليسانس (البكلوريوس) من احدى الجامعات المصرية، ان تسير على خطى والدتها تشبهاً بها، وتحقيقاً لحبها الكبيرلفن الرقص. وفي احدى المسابقات تطلب منها لجنة التحكيم إلقاء قصيدة بالفصحى، فتلقيها وهي تفترش الأرض وقد لفت ساقيها داخل ثوبها لكي لا يظهر شيء من جسدها لأنها درجت على إخفائه منذ صغرها، فتقع اللجنة في حيرة شديدة من أمر هذه الفتاة التي تسعى الى أحتراف الرقص، وفي الوقت نفسه إلى تقديم رسالة ماجستير في موضوع الشعرالعربي، ولكن دنيا تسأل أعضاءها: كيف يمكن للمرأة أن تحرك جسدها، وتعبر عن الحب في حين يسعى المجتمع إلى حجبها وحجب أنوثتها؟ ورغم أنها تنجح في المسابقة، وتبدأ بالتدرب على الرقص بطريقة جادة، فانها تواجه الكثير من الانتقادات والتقولات بسبب كونها ابنة راقصة، وتعيش منفردةً، ولها علاقة بشاب يحبها، إلاّ أنها غير قادرة على تحديد موقفها منه، فضلاً عن علاقاتها المتشعبة كصداقتها مع امرأة تعمل سائقة تكسي، واخرى مثقفة تحمل الدكتوراه وتعيش حياتها حرةً. ثم تتعرف دنيا على مفكر متحرر معروف اسمه الدكتور بشير، فيعجب بها كونها فتاة بريئة ومغرية وهو متمرد ووسيم، تثير مقالاته السياسية والفكرية جدلاً واسعاً في جو من الرقابة الصارمة، وتجلب له العديد من الخصوم المتزمتين، فيهاجمه بعضهم، وينهال عليه ضرباً بعد مقابلة تلفزيونية يرفض فيها مصادرة كتاب (الف ليلة وليلة)، ويدافع عن وجهة نظره بكل قوة، فيفقد بصره نتيجة للاعتداء. وتستمر علاقة دنيا ببشير وكذلك الشاب الذي يحبها، وتصر على إنهاء رسالتها الجامعية في موضوع (الحب في الشعر العربي) بمساعدة الأول، وترى باباً ينفتح على عالم الحرية والحب وتحقيق الذات، ووتقرر الزواج من الشاب الذي يحبها، لكنها تفتقد إلى السعادة التي تطمح إليها في الحياة الزوجية، وتدخل معه في حوار يتجاوز الجسد الى ضرورة توافر عناصر ثقافية وفكرية وروحية تحقيقا للسعادة المطلوبة، وتواجه في الوقت نفسه مجموعة من القيود المفروضة على المرأة في المجتمع المصري بقوة أكبر مما كانت تتخيل.
ويتطرق الفيلم في سياق أحداثه وحواراته، بجرأة واضحة، إلى العلاقة بين الرجل والمرأة، وإلى قضية ختان المرأة في مصر، فيتضح أن دنيا وصديقتها سائقة التكسي قد تعرضتا إلى هذه العملية المجحفة التي تضعف من شهوتهما الجنسية المشروعة، وتصادر حقاً بايولوجياً وإنسانياً منحه الله للذكر والأنثى على السواء.
وسبق لهذا الفيلم، الذي حاز على جائزة الجمهور في مهرجان الفيلم في فريبورغ، أن تعرض إلى حملة مضادة داخل مصر بحجة أنه يسيء إلى المجتمع المصري بكشفه عن المستور، أو يحتوي على مشاهد جنسية مخلة، ووصم بعض الكتاب قصته بأنها مهلهلة أو غير مترابطة، متسائلاً كيف يمكن لفتاة من أصل صعيدي أن تحلم بأن تكون راقصة؟ متجاهلاً أنها ابنة لراقصة شهيرة، وأن عشرات الفنانات المصريات (راقصات وممثلات ومطربات) هن من أصول صعيدية. وفي الحقيقة أن موجهات تلك الحملة لم تكن ناتجة إلاّ عن العقلية المهلهلة للمجتمع الذكوري، وتخلفه ونزعته المناوئة لإبداعات المرأة، والخطاب النسوي بشكل عام.
* طنجة
إخراج: حسن لغزولي إنتاج: واي نات بردكشن/ فرنسا، فيديوراما/ المغرب (ناطق باللهجة المغربية والأمازيغية). تمثيل: رشدي زم، أور أتيكا، عبدو المسناوي، ومحمد المحد.
يقدم الفيلم مقاربة سينمائية لقضية الاغتراب والذاكرة والحنين إلى الوطن الأم من خلال شخصية شاب مغربي يدعى نورالدين، وهو ابن أحد عمال المناجم المغاربة المهاجر من مدينة طنجة، ترعرع فى سالومين بشمال فرنسا، شأنه شأن الكثير من الشبان العرب المنتمين إلى أسر مهاجرة أو لاجئة إلى الغرب، بسبب ظروفها المعيشية أو السياسية الصعبة في أوطانها، فتقطعت بها سبل الارتباط بمجتمعاتها وثقافاتها. ورغم أن نورالدين لا يعرف شيئاً عن طنجة إلاّ ما سمعه عنها في البيت، فإن ذاكرته تستحضر المدينة من خلال ذاكرة الأب فقط، لا يفكر بالعودة إليها لأنه أحب فرنسا التي نشأ فيها وتشرب تقاليدها، وألف أجواءها، وارتبط بعلاقات إنسانية مع أهلها. ولكن والده الذي تقدم في العمر ازداد حنينه إلى مسقط رأسه، ورغب في أن يقضي أيامه الأخيرة بين ربوعه، ويحتضن ترابه، ويدفن فيه حينما تأتيه المنية، فيضطر نورالدين إلى العودة إلى طنجة تلبية لرغبة أبيه وضغوطه المستمرة، وما أن يصل حتى تتغير حياته، ويبدأ باكتشاف عالم جديد، مجتمعاً وحضارةً وتاريخاً، كان يسمع عنه، ويتخيله، فها هو أمام مدينة عريقة اسمها طنجة لم تكن على هامش التاريخ بل محوراً لحضارة عمرها آلاف السنين، منذ ما قبل التاريخ، مروراًً بالحضارة الرومانية، والفتوحات الاسلامية، والاحتلالات الغربية المتعددة بسبب موقعها الاستراتيجي المميز، وما تركته من آثار تتمثل بأسوارها وكنائسها المجاورة لآثار الحقبة الاجمل في تاريخ المدينة هي حقبة السلاطين العلويين. ويتعرف نورالدين أيضاً، مثل طفل يرى الأشياء أول مرة، على مواطنيه وأخوة له في الدم والحياة، أو الحاضنة الإثنية التي ينحدر منها، فتنتابه مشاعر تختلط فيها لذة الاكتشاف والانبهار بالعوالم التي كان يجهلها بالرغبة في تأصيل الذات ومعرفة الجذور. وعبر لقاءاته بشخصية ميمون، وهو مفسر للرؤى، ليس بينه وبين اللامرئيات حجاب، ويلعب دور كبيراً في كشف الشخصيات، ويسدي الكثير من النصائح، ويبين لنور الدين ما كان خافياًعنه، وبنورا، وهي امرأة شابة ضائعة تبحث عن نفسها ووجودها، يكتشف شخصية والده الذي كان يجهل عنه كل شيء، وطبيعة بلده وتاريخه. وكان فيلم (طنجة) قد عرض فى الدورة الأخيرة لمهرجان لوكارنو ضمن أفلام (مخرجى الحاضر)، كما قدم فى قسم البانوراما لمهرجان الفيلم الفرنسى بمدينة نامور البلجيكية. وهو أول فيلم روائي للمخرج حسن لاغزولي، المقيم في بمدينة ليل بفرنسا منذ الثمانينات، والمولود عام 1963 بالمغرب، والحاصل على شهادة فى الإخراج السينمائى من INSAS ببلجيكا، وقد اخرج ستة أفلام قصيرة منذ عام 1990 الى الآن.
* يوم آخر إخراج: جوانا حاجي توما، وخليل جوريج
إنتاج: ميل إيه برودكشن/ فرنسا، وابوت برودكشن/ لبنان (ناطق بالعربية). تمثيل: زياد سعدن جوليا قصار، والكسندر قهوجي.
يروي الفيلم يوماً كاملاً في بيروت من حياة مالك، وهو شاب يعيش في حضن أمه، التي تتقبل بصعوبة غياب زوجها المختفي منذ 15 عاماً خلال الحرب الأهلية في لبنان. وفي هذا اليوم سيعلن مالك، وأمه كلوديا أن الغائب ميت، بشكل رسمي، في غياب جثته. يعاني هذا الشاب من انقطاع التنفس في أثناء النوم، وهو ينام حالماً يتوقف عن الحركة. إنه شخص وجد في غير أوانه، ويحاول أن يجد نوعاً من الانسجام مع الآخرين، مع المدينة، مع أمه، وبشكل خاص مع زينة المرأة التي يحب (ترمز إلى لبنان)، رغم أنها لم تعد تريد رؤيته. ويقوم، تحت سيطرة هذا الحب عليه، بالبحث عنها، ويتبعها ثم يضيعها ويجدها في المدينة. على الصعيد العام يقدم الفيلم مقاربةً لمشكلة الحرب الأهلية المروعة التي عاشها لبنان، ودمرت كل شييء، وصارت مأساةً تضرر منها كل اللبنانيين، ويركز على مشكلة المفقودين، الذين لايعلم أحد اين ذهبت جثثهم، في حين لاتزال مآتمهم قائمة. ويصور الفيلم ثقل هذه المأساة من دون ان تطلق فيه رصاصة واحدة، بل من خلال بعض اللقطات الشاردة: رجل يروي الزرع في حديقته ولا يلوي علي شيء، ويتخذ رجالاً من الحرس الاشداء، يقفون في زاوية من زوايا الحي، ولا أحد يعلم من هم ولم يقفون هناك، وعجوز تطعم القطط على الرصيف وهي وتبحث عن قطتها ..وليس ثمة من يعرف ماهي قصتها.. وعلى الصعيد الخاص يقارب الفيلم محنة الأم التي تنظر عودة زوجها المفقود في الحرب، وتخاف، حتى وهي تتأمل في المرآة جسدها الجميل، الذي يذوي مثل شمعة، ان يحضر شبح زوجها الذي يحاصرها في كل مكان، ويعاتبها على نسيانها له، رغم أنها ظلت مخلصةً له طوال خمسة عشر عاماً. إن الميزة الفنية الأساسية لهذا الفيلم، كما وصفه، أحد الكتاب اللبنانين، هي أسلوبه الذي يعتمد على إنشاء منمنمات، او حكايات صغيرة مثل موتيفات قد تبدو مفككة غير مترابطة، لكنها بتراكمها الصاعد تخلق توتراً وتشويقاً هيتشكوكياً آسرين يجعلنا متلهفين لمعرفة تطور أحداثه، وينجح من خلال تراكم المشاهد في تشييد البناء المعماري الروحاني للفيلم، الذي ينسكب عذباً في أرواحنا، ويرطب الحلوق المحروقة بالألم والحزن والشجن..
التعليقات