صالح حسن فارس من هولندة: تحت عنوان quot;اكون أو لا كونquot; الذي أختير هذا العام ليكون عنواناً للمهرجان المسرحي الهولندي، شهدت أمستردام عرساً فنياً تضمن عروض مسرحية وفنية متنوعة، وذلك على مسرح quot;ستاتس خاو بورخquot; في قلب مدينة أمستردام من ضمن تلك العروض مسرحية quot;سماء فوق برلينquot; وهو أنتاج امريكي هولندي مشترك لفرفتي quot;أمستردام المسرحية و المسرح الربيرتوري الامريكيquot; ومسرحية ريتشارد الثالث لشكسبير واخراج الهولندي quot;اندرس كرين بورخquot; ومسرحية quot; نمارس الحب لا القتلquot; لفرقة انترو دانس Introdans الهولندية. ومما يذكر ان فرقة انترادانس المشهورة التي تأسست قبل أكثر من 35 عاماً، وتدور أحداث هذه المسرحية عن مدينة ارنهم الهولندية التي تعرضت للقصف أثناء الحرب العالمية الثانية، وبذا يكون هذا العمل ذكرى اليمة للحرب وماتركت من خراب هائل على الهولنديين، صاغت هذه الفرقة مسرحيتها الراقصة والتي أعتمدت في عرضها على الباليه الحديث. تتكون هذه المسرحية من ثلاث لوحات راقصة، وفكرة العمل معدّة عن عمل كلاسيكي راقص بعنوانquot; المائدة الخضراءquot; للفنان الالماني quot;كورت يوسquot; يعود تاريخ هذا العمل إلى عام 1932 حيث أن تأثيره لازال راسخاً في ذاكرة الهولنديين، حلم قديم كان يراود الفنانة الهولندية Anna Markard quot;انا ماركاردquot; أن تُعيده وبرؤية جديدة مختلفة ومغايرة عما كان عليه في النص الاصلي علماً أن هذا العمل قد تم تقديمة قبل عشر سنوات من قبل فرقة quot;البالية الهولندية الوطنيةquot;، لقد تحقق الحلم الشفاف الراقص في تقديم هذا العمل الجديد.
على أنغام أصوات الطبل العنيف والمثير للانتباه تنبثق موسيقى كلاسيكية حزينة حيث تنفتح الستارة على مسرح خال وفضاء كبير وجدران كالحة السواد تشبه ملابس الراقصين الثمانية الذين يشغلون عمق المسرح بحكايتهم الجسدية عن الحب والحرب، صُنعت الحكاية بمهارة فائقة مما جعلت الجسد المكبل بالقيود يثور منذ الوهلة الاولى ويحتج وينطلق كالحصان الجامح وسط ركام الحرب إنها صرخة بليغة وواضحة ضد الحرب، وصلتنا أهات وأنكسارات جسد الراقصين وحركاتهم الجسدية البديعة في الاداء والتعبير الحقيقي لحركة الجسد وصمتة. أما اللوحة الثانية فتبدأ بموسقى رومانسية هادئة وحالمة على عكس أجواء اللوحة الاولى التي نقلنا اليها مصمم هذه الرقصات مع راقصيه إلى أجواء الحب بعد الحرب بعد أن تغيرت ملامح أجسادهم وألوان ملابسهم والخط الدرامي لحدث الحكاية، اذ يتقدم الراقصون من خلف المسرح بمواجهة الجمهور يؤدون رقصات على شكل مجاميع تشبه طيور تحلق فوق البحر حين تشرق اشعة الشمس، في مواجهة عنيفة وحرب من أجل الاستحواذ على الحبيبة، حرب في الصمت والحركة الجسدية البليغة والممتعة المحلقه فوق أرواحنا الهائمة في سماوات الحب البهيج والنقي، نعم إنها أشراقة الجسد وسط ضجيج الحرب.
على المائدة الخضراء الدبلوماسيون والسياسيون مشغولون بالمناقشة موظفين في احاديثهم لغة انيقة ومواظبين على استعراض مهاراتهم البلاغية ، لقد انتهت الحرب على أفضل نحو وليس عليهم سوى ان يضعوا مخططاتهم للحرب المقبلة وان لم يتفقوا على شئ، صوبوا مسداستهم بعضهم البعض، واتهموا بعضهم الاخر بالخيانة والتآمر.
ختاماً تغير كل شئ وأصبح واضحاً، يبدأ العزف الحي على البيانو أمام الجمهور حيث تنفتح الستارة هذه المرة على منضدة خضراء اللون تتوسط عمق المسرح والراقصين يقفون على جوانبها يرتدون أقنعة وباروكات شعر مستعار كأنهم تماثيل صنعتها الحرب، يبدؤون بالحركات البطيئة ثم تتحول هذه الحركات إلى رقصات هيسيترية كأنهم يطيرون في الفضاء، وفي نهاية المشهد يفاجئون الجمهور بأطلاق عيارت نارية حيث يصحو الجمهور من حلمه في هذه الاجواء الراقصة والساحرة، ينزعون أقنعتتهم والتي هي عبارة عن روؤس مقطوعة وهي أشارة واضحة للحرب، إنها الحرب وهذه الرؤؤس كانت هناك في الحرب لنصحو الان معاً ونمارس الحب لا القتل, بالرغم من اطالة المشهد الاخير يبقى الجسد العنيف والتصميم الحركي هما البطل الاول والاخير في هذا العمل المسرحي..
قدم لنا مصمم هذه الرقصات البديعة المؤثرة تجربته الجديدة والتي أكد فيها على معارضته الواضحة لسياسة الحرب والمتمثلة في هذا العمل الراقص بالحرب العالمية الثانية وكل الحروب البشعة، كانت ثيمة العمل جزء لايتجزء من هذه المشكلة الكبيرة التي تلاحق الجسد والروح اينما حلت، وفي الختام ركز العمل على المشهد الاخير الذي هو عبارة عن مائدة خضراء يلتف حولها السياسيون والدبلوماسيون الذين يديرون الحياة من داخل غرفهم الانيقة من على مائدتهم الخضراء، كانت صورة وملامح الحرب واضحة ومعلنة في هذا العمل بمثابة البوم صوري بصري متحرك، لكل لوحة من اللوحات تاريخها ودلالتها التي يمثلها الجسد الانساني بصفته صرخة في وجه الحرب والعنف..

وقد كتبت جريدة الشعب الهولندية عن العمل: إنها صرخة في الوقت الحاضر ضد مثيري الحروب ولم تفقد تأثيرها أو قوتها في الاحداث المعاصرة.