(جربنا كلَّ شئ، الإشتراكية، الرأسمالية المزعومة ، الديموقراطية الغربية الهزيلة، القومية العربية، كلَّ شئ ما عدا شيئاً واحداً.. الإسلام.. لنعطي صوتنا هذه المرة للإسلام، الدستور المصري بنصوص مواده يقول نعم للإسلام، فلماذا يُقال لا للإخوان، أعطوا صوتكم للإخوان.. أعطوا صوتكم للإسلام)
والفقرة أعلاه جزء من منشور على مواقع في الإنترنت ضمن حملة دعائية لمرشحي جماعة الإخوان المحظورة إلى انتخابات مجلس الشعب المصري. وكما يوضح منطوق الفقرة بجلاء فإن الصوت الذي يذهب للإخوان سوف يذهب.. تلقائياً.. للإسلام في تماهٍ طالما دسَّته في خطابها تلك الجماعة التي تشكل في رأيي (ورماً سرطانياً في جسد المجتمع المصري وتاريخه الحديث)
وطالما جربت مصر الإشتراكية والرأسمالية والديموقراطية الغربية والقومية العربية كما يقول المنشور، فلماذا لا تجرب.. الإسلام الإخواني؟
إن الجهل حينما يختلط بسوء النية ينتج مأزقاً عصيَّاً على التجاوز لأن كاتب هذا المنشور يخلط فيه بين الإشتراكية والرأسمالية كنظريتين في الاقتصاد وبين الديموقراطية كآلية سياسية للحكم وبين القومية العربية كمعطى شوفيني رفع رايته جمال عبد الناصر ليجمع العرب كلهم تحت قيادته.
وعدا الجهل فإن سوء النية واضح تماماً في أننا لم نجرب الإسلام وكأن ألفاً وأربعمائة عام من الحكم الإسلامي لمصر تحت مسميات ولاة وسلاطين وخلفاء لم تكن كافية لكي نقول إننا أيضا جربنا الإسلام ليس كدين ومعتقد وإنما في الحقيقة : كنظام للحكم.
الجماعة المحظورة تحتشد هذه الأيام وتفرك يديها بهجةً كأنها ترى.. الضوء في نهاية النفق.. وتستعد لخوض انتخابات مجلس الشعب المصري بمائة وخمسين مرشحاً بينهم امرأة واحدة.. وهي على أي حال لا تستعجل سقوط الثمرة ناضجة في حجرها فقد دوخت الشعب المصري لمدة ثمانين عاما منها ثلاثون عاماً في صحوةٍ إسلامية لم تنتج غير تخلف عميق في الوعي الجمعي للإنسان المصري حتى أن بشراً من عينة عمرو خالد يقودون وعيه المنتكس في مقولة أن (الإسلام هو الحل) وهو الشعار العزيز على قلب جماعة الإخوان المحظورة والتي طالما رفعته في سعيها إلى السلطة لكي تطبق ليس الإسلام الذي لا يوجد به نظام حكم إلا ما كان من أمر الخلافة الإسلامية التي زالت بزوال ظروفها في التاريخ وإنما لتطبق حكم الإخوان.
فأن يصلي مسلمو مصر ويصوموا ويحجوا ويحتكموا إلى الشرع في أحوالهم الشخصية والميراث فهذا موجود ولا ينازع أحد فيه، لكن الأمر بالنسبة للجماعة المحظورة أبعد من ذلك، إنه وثيقة الإصلاح التي أصدرتها تلك الجماعة العام الماضي وحددت فيها رؤاها للدولة والمجتمع وهي رؤى لا تخرج عن إنشاءٍ أحمق يخلط بين الدولة والدين وبين المواطنة القانونية لمصري في بلده مسلماً كان أو مسيحياً وبين المواطن المسلم الذي تسعى إليه الجماعة في سعيها الأكبر أيضا إلى استعادة دولة الخلافة من التاريخ.
والجماعة في سعيها هذا يبهجها تواطئ الدولة معها وإن كان الأمر يبدو في الظاهر أنهما على خلاف؟؟ وإلا لماذا لم تقدم الدولة المصرية على إغلاق مقر الجماعة المحظورة وحظر أنشطتها كلها طالما هي جماعة (محظورة بحكم القانون) حتى أن جريدة قومية مثل الأهرام سعت بسعادة إلى إجراء مقابلة مع مرشد الجماعة محمد مهدي عاكف الذي نظَّر كما ينظِّر دائما انطلاقاً من رؤية جماعته التي عطلت العقل المصري طوال عدة عقود عن فهم أن الدين لله والوطن للجميع وأن السعي إلى دولة دينية أيا كان شكلها هو نوع من الانتحار المجتمعي لأنه منافٍ ببساطة لمنطق العصر، ولا يحتج هنا بأن الإسلام شامل جامع لأنه مثل أي دين يحتوي على خطوط عامة إرشادية ولا يمكن من هذه الخطوط إنتاج دساتير وقوانين وأنظمة حكم وسياسة وتعليم في العصر الحديث بكل تطوراته وتعقيده إلا بظلم هذا الدين بالذات وأخذه رهينة تماماً كما تفعل جماعة الإخوان التي ترى أنها وحدها المؤتمنة على خطاب الإسلام النقي.
حسنا.. لنكمل المنشور الانتخابي الإخواني :
(مرة واحدة نجرب من نعلم يقيناً في أنفسنا أنهم خير من يمثلنا ويرى مصالحنا وقبل ذلك كله يخاف الله فينا.. بالله عليك قم، صوتك قوة لا يُستهان بها، إنها اليوم فرصة قد لا تعود، فقط عليك أن تؤدي ما عليك، أعطنا صوتك نحن الإخوان المسلمون.. خير من يمثلك في مجلس الشعب بإذن الله تعالى)
لا يقول المنشور أعط صوتك لمن تتوسم فيه الأمانة على مصالحك وإنما يأمر : أعطنا صوتك نحن الإخوان المسلمون خير من يمثلك في مجلس الشعب، وذلك في مديح سابق لتجربة ماذا لو حكم الإخوان مصر فعلاً.. فهل سيقومون بمصالحها التي تتشابك إقليمياً ودولياً وفيها ما تراه الجماعة شراً مستطيراً كمعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية.
شخصياً كمواطن مصري مع انتخابات عامة شفافة ونزيهة وحرة وإن كانت الجماعة ترى في الانتخابات آلية لوصولها إلى السلطة فلتقم بالمنافسة الكاملة وهي قادرة على ذلك، أي بدفع عددٍ من مرشحيها يساوي عدد أعضاء مجلس الشعب المصري، حتى نرى ماذا يمكن أن تقدم الجماعة لمصر غير ما قاله حسن البنا :
(شقة وزوجة لكل مواطن) وكأن المرأة في نظر هذه الجماعة.. شئ.. يمكن توزيعه مع الشقق.
هذه الجماعة مشغولة بما ترى.. أنه الإسلام الصحيح.. من وجهة نظرها ولم تتورع لا في الماضي البعيد ولا في الحاضر القريب عن الخلط بين الإسلام الذي هو أيضاً مذاهب شتى وبين فكرها المستند إلى حسرة بالغة على زوال الخلافة الإسلامية ممثلة في الخلافة العثمانية.
وإن كان للتوقعات السوداء من مكان فإن مصر المنكوبة منذ خمسين عاماً بنظام حكم عسكري ينتظرها خمسون عاماً أخرى من المنافحة مع جماعة الإخوان المسلمين ليس كتنظيم معتمٍ وسريٍ للغاية وإنما كخطابٍ ديني أفسد على المصريين دنياهم وأربكهم وهم الشعب المؤمن في أسئلة لا تنتهي حول كل تصرف في الحياة وما إذا كان مطابقاً للإسلام أم لا.
الإسلام ليس حلا ..........
إنه دين يؤمن به أكثر من مليار ومائتي مليون مسلم ولا يطلبون منه غير طمأنينة المعتقد وراحة العبادة.
أما الحل فهو القانون، وهو دولة محايدة تجاه مواطنيها، هو دستور يحترم الأديان على اختلافها ويربأ بها عن واقع السياسة والاقتصاد والتعلم والطب والهندسة وشق الطرق وتنظيم الحياة والانتاج والدخل القومي والضرائب.
الحل أن يدرك المصري أنه مصري الهوية بحكم القانون وليس مسلماً أعمى يمشي بوعي منتكس وراء جماعة الإخوان أو غيرها لكي يتحول كما هو حاله الآن إلى إنسان يكره حتى نفسه ومواطنيه من الأقباط.
ومع ذلك.. أعطوا الأخوان فرصة الحكم لكي نرى استبدادهم جلياً ونتخلص منهم مرة واحدة وإلى الابد.