"العقلانية التواصلية هي الضمان لإمكانية توحيد التنوع والأنتقال من قيم الغلبة إلى قيم الحوار" (الفيلسوف الألماني هابرماس)

كثيرة
هي الدراسات التي قدمت تحليلاتها لظاهرة الإرهاب الدولي والعوامل التي تشتبك في توليدها من اقتصادية وسياسية وثقافية وغيرها واسبابها البعيدة أو القريبة والمتوسطة وأكثر من تلك الدراسات المقالات النارية التي تدين الإرهاب ووحشية الإرهابيين خصوصا في مشهدنا الثقافي العربي أو الإسلامي بصورة عامة ولكني أتساءل أليس الإرهابي هو إنسان أولا وأخيرا له شخصية ووجدان ومشاعر وتصورات ثقافية خاصة تحتاج إلى سبرها ومحاولة فهم كيف تشتغل ولماذا تفعل ذلك فهل الإجرام الإرهابي محاولة اصيلة لإيقاع الأذى بالغيرأم أنها مشاعر وقائية لحماية الذات الجريحة والمهددة والمهانة ؟ فمثلما أن المقموع قامع في بيته حيث ينعكس القمع " على من يقع عليه، ‏ فيتمثله ليغدو بعض تكوينه ‏ويصدر منه كما لو كان بعض طبعه " على حد تعبير جابر عصفور يكون الإنسان المقهور والذات المقهورة التي تشعر بالإنهزام والإهانة واليأس حيث تندفع في عمليات إنتقام كردة فعل أمام كل ما يقع عليها فالمشاعر السلبية المتضخمة تحتاج إلى عمليات تفريغ لتحقيق الراحة من كل الحمل الذي تنوء به على كاهلها. إن الإنسان يحب ذاته حبا جما ويود أن تجد التقدير والحنو والاحترام من الآخرين وتتولد لدية آليات وقائية ودفاعية ضد عمليات التهميش والإهانة والظلم الذي يقع عليه والتي تسبب له انجراحات عميقه في ذاته سواء كانت مشاعر الظلم والإهانة حقيقية أم وهمية لا وجود لها سوى بخياله الخلاق الذي يضخم له تلك المشاعر السلبية كما نجد ذلك في مشاعر الذات السنية التي تعرضت لجراحات خلخلت توازنها- بعد التغيرات الكبرى التي جرت في العراق - جراء هول المفاجآة وخسارتها للمواقع التقليدية التي تضعها في الصدارة تأريخيا فبات خيالها الجامح يلتقط الصغيرة والكبيرة والأوهام لتضخيم الغول الشيعي الكردي الذي سيفترسهم ويهمشهم ويقمعهم، أليس هؤلاء طلاب ثأر تأريخي ومظالم كبيرة وقعت عليهم باسم السنة سابقا ؟ أعتقد أن ذلك ما يفسر شدة ردة الفعل السني قياسا بمكونات المجتمع العراقي الآخرى ولا علاقة لذلك بمفاهيم المقاومة والمصالح الوطنية التي تُعلن كشعارات عادة لدى الجماعات البشرية التي تمر بظروف مشابهة فلو كان السنة في موقع الصدارة لما كان السلوك نفس السلوك وهذه هي طبائع البشر منذ وجد وليس المهم أن تكون هذه المشاعر السلبية المتضخمة سليمة ومبنية على مخاوف واقعية أم غير سليمة ولا واقعية لها فالنتائج أن سلوكيات الشخصية التي تشعر بإنجراح كبير في ذاتها تقوم بعمليات وقائية لتخفيف مشاعرها السلبية اي عمليات دفاع عن الذات المهددة والمجروحة والمهانة وليس كنزعة لإيقاع الأذى بالغير حتى لو تجسد ذلك بالفعل الإجرامي الدموي المدان !! مع ضرورة التأكيد على الفارق الاجتماعي فالمجتمعات التي تنتشر فيها الفردانية مثل المجتمعات الغربية تكون انجراحات الذات ومشاعر المهانة والأذلال فيها ذات صبغة شخصية غالبا وأما المجتمعات غير الفردانية والتي يغيب فيها الفرد بمشاعر الجماعة تكون مشاعر الاهانة والظلم متعلقة بانتهاك كرامة تلك الذات المعنوية - الدينية، الوطنية، الطائفية، القومية- وهنا يمكن أن نستعيد ونوسع ذلك على الذات العربية الإسلامية المترسخ في ذهنها أنها خير أمة أخرجت للناس فهم الذهب المصفى وباقي الناس كلهم تراب وأنهم أمة النبي الكريم محمد التي تمثل خط النجاة الوحيد في العالم ألاخر ويصعب عليهم التصديق أنهم خسروا حضاريا أمام نمو حضارة الغرب ولكن الواقع يكشف عن ذلك وهم مضطرون يوما بعد يوم إلى مواجهة القوة الحضارية والأقتصادية والعسكرية والفلسفية التي لا طاقة لهم بها، فهل تخلى الله عنهم ورضى عن النصارى ؟ وهذه هي مشكلة الذهنية الأرثوذكسية المغلقة عموما فهي غير قادرة على الخروج من دائرة اليقين الجازم غير القابل للنظر أبدا فليس لديها غير القناعات اليقينية الصحيحة والقناعات المخالفة لها والهالكة برمتها فلا بد من يوم سيأتي ويتدخل الله لنصرهم كما نصر اسلافهم فسيظهر يوما المصلح والمجدد أو المهدي المنتظر الذي سيعيد لهم مجدهم ويقودهم نحو النصر المظفر ويتماهون مع اللحظات التدشينية والذهبية من تراثهم للأرتماء بأحضان الماضي وتنكفئ عليه أمام ما تعتبره خطرا على هويتها الذاتية وبإنفصال كامل أحيانا عن الواقع فلا حدود للزمان والمكان والتأريخ ولا معنى للحياة الأرضية وبتناقض هائل بين المثالية المتصورة وخشونة الواقع الذي يستفز تلك المثالية الدينية وعندما تزداد تلك التهديدات وتعيش الذات حالة الاحساس بالاحباط واليأس والعجز والجوع في عالم ينقسم إلى الشمال الغني والمترف وإلى الجنوب الجائع والمهان فما الذي تقوم به الذات المهانة والمجروحة أمام ذلك ؟ ما الذي تقوم لمعالجة جراحها وتبريرها وما هي وسائل مقاومتها ؟؟ أفلا يتطلب ذلك مداواة ؟؟ لا بد أن تقوم بعمليات ما لتقول (أنا هنا ) لكي لا تخسر تقديرها لذاتها -وهو الأهم لديها- فلا وقت لديها لمراجعة مسيرتها ونقدها ومعالجة مشاكلها بصورة سليمة وعلمية لتنهض من جديد ولا نهضة بدون موت وبعثة وحشر جديد والذات غير راغبة بأن تموت لتبعث مجددا فهي لا تزال تظن أنها تتعرض لوعكة صحية عابرة وبذلك تتناسب لديها طردا وسائل المقاومة الذاتية وآليات الحماية وتزداد شدة وتطرفا مع كل ما يهدد ذاتها ويهين كرامتها ولو توهما !! خصوصا وأن الإعلام الغربي يصورها كغول إسلامي خطير على الأمن الدولي يحتاج إلى الردع فيمنحهم طاقة الممانعة التي تنعكس سلبا على جهود النخب السياسية والثقافية المحلية فتصبح كل محاولات العلاج مشبوهة ومنبوذة فلا تتقبل الذات حتى النقد المشروع الذي يريد الخير لها كما نجد الأمثلة النموذجية على ذلك عند التعرض بالنقد للمفاهيم والمورثات الدينية التي تشكل مركز الذات ونخاعه الشوكي فلا يهم الذات أن تكون الدراسات النقدية لتلك الموروثات سليمة أم لا فهي في حالة متأهبة ومتحفزة للرد والهجوم بالقلم والسيف والقنبلة أحيانا وبأغطية إنتقائية للمفاهيم الدينية وبتبني بعض الاجتهادات المتشددة على حساب اجتهادات آخرى، هي ذات مهددة ومرعوبة من داخلها، ذات مليئة بالجروح النفسية والاجتماعية، ذات مليئة بمشاعر الظلم والاضطهاد كما نجد ذلك مجسدا في خطابات زعماء الإرهاب المعاصر ونموذجهم الفكري والنفسي وهم يركزون على معسكر قوى الكفر ( أمريكا والغرب ) خصوصا مع عمليات غسيل الدماغ الثقافية التي يقوم بها النموذج الأمريكي المتقدم * الذي يود فرض لونه على الجميع بأعتباره النموذج الأفضل الذي ينبغي أن يعم المعمورة ومن خلال ترسانات ثقافية وسياسية وعسكرية ضخمة :مراكز ابحاث مهولة، صحف، مجلات، كتب، موسيقى وغناء، هوليوود وافلامها، مسلسلات، شعر، نقد، شركات ضخمة، تكنلوجيا و أقتصاد عملاق وسيطرة سياسية وهيمنة لا حدود لها لتأمين مصالحها في كل مكان... إلى آخر القوائم التي حصر لها ولا طاقة للذات المهانة في تقديم أي بدائل لهذا النموذج الذي تعجب به وتعادية في نفس الوقت وتحمل عنه مشاعر متناقضة فتحاول جاهدة العمل على تحطيمه والإنتقام منه وتستثمر كل ما لديها من غرائب ونوادر الموروث لتبرير عملياتها الوحشية فهي بالتالي تحتاج إلى متنفس !! وأني أتساءل هل يمكن أن نفهم الإرهاب كمحاولة انتقامية مرضية للدفاع عن الذات الجريحة والمهزومة والمهانة وليس رغبة اصيلة لإيقاع الأذى بالغير ؟ أطرح هذا السؤال لنفهم شخصية الإرهابي بشكل أكثر سلامة بدلا من الترديد قاتل الله الإرهاب والإرهابيين فهم شر ملة وعصابة سفاحين وما إلى ذلك من عبارات الهجاء والذم والتي لن تداوي جرحا أو تعالج مشكلة.

النموذج الأمريكي يستفز مشاعر الكثير من الثقافات الآخرى ومن ضمنها الثقافة الأوربية فنزعة العداء لأمريكا لا تقتصر على الثقافة العربية الإسلامية بل أن مشاعر الشماتة ظهرت بوضوح لدى الأتجاه اليميني الفرنسي بصورة فرح وأحتفال بنكبة الولايات المتحدة في كارثة 11 سبتمبر