يتباهى أو يهدد أحياناً بعض إخوانجية مصر بأن الجماعة المنكفئة على رغبة عارمة في السلطة يمكنها حشد.. الملايين من أتباعها.. وإنزالهم إلى الشارع وفي بعض جنازات مرشدي الجماعة الراحلين وفي بعض المظاهرات تدلل الجماعة على حضورها الجماهيري الذي تعتبره سلاحها أو ذخيرتها في مواجهة الدولة أو حتى في مواجهة مناوئي فكر الإخوانجية وطرحهم الديني حتى أن أحدهم هدد بإسالة الدم إذا ما حذفت المادة الخاصة بأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع الرئيس من الدستور المصري.
وفي حملات انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة كان مرشد الجماعة محمد مهدي عاكف وعضو تنظيمها السري في الأربعينات يستقبل مرشحي الرئاسة أيمن نور ونعمان جمعة بيقين القادر على منحهم البركة والجماهيرية ولما كانت الجماعة تعتبر نفسها.. حزب الأغلبية.. في مصر وإن لم يكن مرخصاً فقد دعت الرئيس حسني مبارك أيضاً لزيارة مقرها كما فعل نور وجمعة.
حسنا...
تنطلق الجماعة إذن من موقف قوي ومن ثقة في الذات والجمهور ، فلماذا لا تترجم ذلك إلى واقع ملموس وتتقدم بمرشحين إلى جميع مقاعد مجلس الشعب المصري الأربعمائة والأربعة والأربعين مقعداً؟.. إن الجماعة لم تفعل ذلك واكتفت بترشيح مائة وخمسين شخصاً على أمل الحصول على مقاعد تتراوح بين الخمسين والسبعين مقعدا لتصبح بذلك أكبر كتلة معارضة في مجلس الشعب المصري المقبل.
فهل تريد الجماعة المحظورة السلطة ممثلة على الأقل في السلطة التشريعية أم لا تريدها؟
يجيب على هذا السؤال نائب المرشد خيرت الشاطر قائلا والنص مقتبس من مقال عن الإخوان في جريدة الحياة عدد الاثنين 31/10/2005:
( أما الشاطر فتحدث من جهته بهدوء ومن دون انفعال ، وأكد أن المجتمع المصري بوضعه الحالي لا يحتمل حكم الإخوان المسلمين ، وأن ذلك يجب أن يطمئن الناس الى أن «الإخوان لن يحكموا إلا بعد أن يهيأ المجتمع ليتقبل حكمهم»، وأنه لا يمكن التعاطي في قضايا مثل البنوك الربوية والسياحة وبيع الكحوليات في مناخ «لم يصل فيه المواطنون بعد إلى الإيمان الكامل بتطبيق شرع الله». وبحسب الشاطر فإن الإخوان يهتمون بتربية الفرد والأسرة والمجتمع، وليس بالوصول الى السلطة الذي هو» أمر مرحّل الى حين تهيئة المجتمع أولاً )
والسؤال هو كم ستتطول مرحلة تهيئة المجتمع هذه حتى يتم تتويج الجماعة على حكم مصر بفكرها الذي تطرحه منذ ثمانين عاماً ودخلت به في نزاعات دموية وصامتة وسافرة مع الدولة المصرية في تعاقب مراحلها المختلفة من الملكية إلى الجمهوريات الثلاث.
لا يتحدث الإخوان عن ذلك فهم لا يشتغلون بالسياسة بوصفها تعبيرا عن مصالح جماعة معينة من البشر وإنما يشتغلون بها بوصفها سلماً يصل بهم إلى قمة القرار وحينها يصبح لكل حادث حديث.
كما أن الإخوان يدركون تماما مخاطر الصدام مع الدولة المصرية ولهذا فهم يلعبون معها لعبة القط والفأر آخذين المجتمع المصري رهينة ومجالا لنيل التأييد بالمساعدات والحسنات.
والجماعة بحكاية تربية الفرد والأسرة والمجتمع تعلن نفسها وصية على الجميع طالما هي وحدها من يملك أمر.. التربية.. وصولا بهذا المجتع إلى تطبيق شرع الله وهو شعار أيضا ترفعه الجماعة مثل شعار الإسلام هو الحل وأضيف إليه أخيراً شعارات مثل الله هو الحل والقرآن هو الحل في سفهٍ عقلي لا يوقر الله ولا القرآن لأن هذه الشعارات مطروحة حالياً في حملات مرشحي الجماعة إلى مجلس الشعب.
وغاية ما ينظر إليه الإخوانجية في مصر هو أمور من قبيل البنوك الربوية وبيع الكحول والسياحة التي تعتبر أحد مصادر الدخل القومي المصري ، أما أن تخرج الجامعات المصرية من تصنيف الجامعات العالمي الخمسمائة المعترف بها أو يعيش عدة ملايين مصري في القاهرة بين المقابر ، فهذه أمور مؤجلة لحين تهيئة المجتمع لتقبل ( حكم الإخوان )
لقد كتب الدكتور عبد المنعم سعيد في مقال له بجريدة الأهرام عدد الاثنين 31/10/2005 عن الفتنة الكبرى التي يمكن أن يتسبب بها الإخوان برفعهم المصاحف في المظاهرات وبرفعهم شعارات مثل ( الإسلام هو الحل ) وقال في نهاية مقاله:
( إن مستقبل وجود الإخوان المسلمين في النظام السياسي سوف يرتبط إلي حد كبير بقدرتهم علي أن يكونوا جزءاً من السياسة الدنيوية التي يدفع فيها الناس بعضهم بعضا حسب علمهم بأمور دنياهم‏ ,‏ وعليها يتوقف أن يكونوا جزءاً من حل المشكلة الديموقراطية أو أن يكونوا هم المشكلة الديموقراطية ذاتها‏!. ‏ )
وفي رأيي أنهم هم المشكلة الديموقراطية ذاتها حتى اليوم على الأقل مالم يتغير فكرهم جذرياً و كما قال الدكتور سعيد:
( بات المطروح هو السؤال عما إذا كان الإخوان المسلمين يصلحون لكي يمثلوا تجربة الأحزاب المسيحية الديموقراطية في الغرب‏ ,‏ أو حتي أحزاب الإخوان الديموقراطية في تركيا والمغرب‏ ,‏ أم أن التقاليد الإخوانية الحديدية مسيطرة إلي درجة منع وجود وظهور تيار ديموقراطي داخل الجماعة‏!‏ )
رغم كل ما يقوله الإخوان عن قبولهم بقواعد الديموقراطية فلا سنونو في الأفق حتى اللحظة وإلا كانت الجماعة طورت من بنائها أولا ومن طريقة انتخاب مرشدها العام ثم طرحت برنامجا انتخابيا يخص جميع المصريين بوصفهم مواطنين مصريين لا أرقاماً تنتظر الجماعة أن يكونوا عماد دولتها الدينية وتالياً كان يمكنها التقدم مثل أي تنظيم سياسي حزبي محظوراً كان أم غير محظور إلى انتخابات مجلس الشعب بهدف الحصول على الأغلبية وتطبيق برنامجها السياسي المتعلق ( بمصالح الناس ).
الجماعة سوف تبقى في المنطقة الرمادية وفي منهج إمساك العصا من المنتصف وسوف أقدم هنا تفسيراً غريبا للغاية عن لماذا لا يواجه الإخوان استحقاق.. أغلبيتهم المزعومة.. ويخوضوا الانتخابات البرلمانية كأغلبية؟
وتفسيري ببساطة أن الجماعة تدرك أو حتى لا تدرك أن الشعب المصري ورغم موجة التدين السطحي التي تعصف به لن يقبل على الإطلاق حكم الإخوان وسوف يرفضهم ما أن تكون الجماعة على المحك في تسيير شؤون الناس على غير ما تقتضيه هذه المصالح الدنيوية ، أما جماعة الإخوان فإنها على عهدها تقلب احتمالات الوصول للسلطة بأي شكل بما في ذلك أن تساعدها الولايات المتحدة بوصفها ممثلة (الإسلام المعتدل) على استلام مفاتيح القصر.. ولمَ لا ألم تكن الجماعة مشاركاً رئيساً في ثورة يوليو عام 1952 رغم تنكر الجماعة لدورها ونزاعها الدموي مع جمال عبد الناصر.
لتتقدم جماعة الإخوان لاختبار أغلبيتها المزعومة في الشارع المصري وحينها يجب أن نقول لها نعم عالية بوصفها.. حزب الأغلبية.
هذا إن فعلت ولن تفعل.. كما أن منطق الحياة والتاريخ طالما حكم بالفشل على كل نظام فاشي عنصري منغلق أحادي الرؤية.. وهذا هو حال النظام الذي تعد به الجماعة التي لا يعرف أحد من يختار مرشدها العام ، حتى لو تمسح بالدين ولنا في أنظمة مثل نظام طالبان النموذج الأحدث للرعونة القاتلة باسم الدين .