دشن الرئيس الإيراني محمود احمد نجاد عهده بسلسلة من إجراءات التطهير السياسي ضد خصومه بعد الانقلاب الأبيض الذي نفذه الحرس الثوري ووزارة الاطلاعات (الاستخبارات) الذِين باتا يهيمنان على السلطة في البلاد مما دفع بزعماء الجناح "الإصلاحي" إلى مهاجمة سياسات نجاد بشدة. وكان من اشد هؤلاء المهاجمين الرؤساء السابقين رفسنجاني وخاتمي حيث وصف الأول سياسة نجاد بأنها تخدم أعداء ايران وان تصرفاته سوف تسمح للعدو بتحقيق أهدافه. أما خاتمي فقد اتهم نجاد وأنصاره بالسعي إلى تقليد زعيم تنظيم القاعدة إسامة بن لادن والسماح للأعداء بالتهجم على ايران مضيفا، أنهم (المحافظون) ينافسون طالبان بالدعوة إلى العنف وارتكاب أعمال متطرفة تناقض الدين.
هذه الانتقادات الحادة قابلها تدخل قوي من مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي دافع فيه عن تلميذه احمدي نجاد الذي وصل إلى سدت الرئاسة بدعم منه، عبر انتخابات وصفها رئيس مجلس الشورى الإيراني السابق الشيخ مهدي كروبي بأنها الأسوأ في تاريخ ايران وذلك بسبب حجم عمليات التزوير والانتهاكات القانونية التي شهدتها تلك الانتخابات، وقد وصف خامنئي سياسة حكومة نجاد بأنها تسعى في العودة إلى روح الثورة التي تعني الاهتمام بخلق الأمل والعزم بين أبناء الشعب خصوصاً الشباب منهم على حد زعمه.
الإجراءات المتخذة من قبل حكومة نجاد لم تتوقف على تطهير المراكز العليا من الموالين للجناح الإصلاحي وحسب بل رافقتها جملة من الإجراءات الأخرى التي اعتبرها الاصلاحيون أنها تسيء إلى النظام وتحرض على الغليان الشعبي وتدفع بقوى المعارضة للتصعيد من نشاطها. وقد جاء هذا التحذير بعد تصاعد نشاط المعارضة الإيرانية في الخارج بشكل كبير مؤخرا إضافة إلى نشاطها الداخلي الذي قوبل بحملة اعتقالات وإعدامات واسعة شنتها السلطات الأمنية وطالت كتاب وسياسيين وحقوقيين بارزين وذلك تزامنا مع إجراءات القمع التي استهدفت حركة الاحتجاجات السلمية للشعوب والقوميات الإيرانية المطالبة بحقوقها الثقافية والسياسية المشروعة.
فعلى الصعيد الداخلي باشرت الحكومة الجديدة بشن حملة إعدامات واسعة خلال الشهر الأول من عمرها الذي لم يتجاوز الخمسة اشهر حيث بلغ عدد أحكام الإعدام الصادرة عن محاكم الثورة (50) حكما وقد تضاعف هذا الرقم خلال الخمسة الأشهر ليصل إلى مائة حكم الأمر الذي رفع نسبة الاعدامات في إيران خلال هذه الفترة إلى نسبة المائتين بالمئة قياسا بالفترة ذاتها من العام الماضي وذلك حسب تقارير المنظمات الإيرانية والدولية المدافعة عن حقوق الإنسان. هذا إلى جانب حملة الاعتقالات الواسعة التي شملت آلاف الأشخاص في مختلف المدن والأقاليم الإيرانية وزجهم في المعتقلات مما دفع اللجنة الثالثة لهيئة الأمم المتحدة يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر الجاري إلى إصدار قرار يدين بشدة انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان. وقد صدر هذا القرار الذي تقدمت به كندا بعد أن صوت لصالحه 77 عضوا وعارضه 51 وامتنع عن التصويت عليه 46 عضواً. وهو القرار الثاني والخمسون على التوالي الذي يدين طهران لانتهاكاتها المستمرة في مجال حقوق الإنسان. وقد طالب القرار الحكومة الإيرانية، باحترام حرية العقيدة والتعبير، والاجتماعات، واحترام العدالة والقانون احتراما كاملا وإنشاء سلطة قضائية منصفة ومحايدة، والتوقف الفوري عن ملاحقة وإيذاء المحامين وإيقاف جميع الأعمال الموجهة ضد الأفراد والجماعات والأقليات الدينية والعرقية، وان تتوقف الحكومة عن الأعمال غير القانونية كالعنف والتعذيب وأساليب التحقير، وان تمتنع عن إي أعمال تتنافى وحقوق الإنسان، والامتناع عن تنفيذ الاعدامات في الملأ العام ووقف إعدام من هم دون سن الثامنة عشرة، وترك التمييز ضد النساء والفتيات ووضع حد للتميز ضد الجماعات القومية ومنهم العرب،الأكراد، والبلوش والجماعات الدينية كالمسيحيين، اليهود، والمسلمين السنة.
كان هذا فيما يتعلق بالسياسة الداخلية للنظام الإيراني خلال هذه الفترة القصيرة من عمر حكومة الرئيس نجاد الشبه عسكرية.أما على صعيد السياسة الخارجية فقد بدأ الرئيس الإيراني احمدي نجاد عهده بالتصعيد مع عدد من دول الجوار كالمملكة العربية السعودية التي حذر وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل من خطر التدخل الإيراني في العراق على وحدة الشعب العراقي. وقد طال الهجوم الإيراني دول أخرى من بينها الترويكا الأوروبية (ألمانيا، بريطانيا، فرنسا) التي تجري مباحثات مع ايران بشأن ملفها النووي وذلك من خلال توجيه الاتهامات لبريطانية بالوقوف وراء الأحداث التي شهدها إقليم الأحواز وهوما اعتبره المراقبون بمثابة ردا من الحكومة الإيرانية على كشف لندن لتدخلها السافر في جنوب العراق وتورط مليشيا الحرس الثوري وأجهزتها الاستخباراتية في أعمال إرهابية تنفذها المليشيات الموالية لنظام طهران.
ولم تكتفي حكومة المحافظين بهذا التصعيد بل ذهب رئيسها إلى إطلاق تصريحات " محوإسرائيل" وصفها مسؤولون في الجناح الإصلاحي بأنها عنترية الهدف من ورائها خلق الأزمات مع الخارج للممارسة المزيد من القمع في الداخل بهدف تثبيت سلطة المحافظين الذين فقدوا خلال السنوات الثمانية الماضية الكثير من مواقعهم في مؤسسات السلطة.
ومما يزيد من أزمة حكومة نجاد ليس الهجمات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها وحسب بل أن هناك معضلات حقيقية أخرى تعترض لها لا تقل أهمية عن تلك الهجمات السياسية ان لم تكن أهم منها بالفعل ومن بينها الأوضاع الاجتماعية، حيث أكدت دراسة أصدرتها دائرة الأحوال المدنية الأسبوع الماضي أكدت أن طهران وحدها تشهد يوميا ولادة 535 طفلا ومقابل وفات ستة أشخاص في الساعة. كما أن طهران تشهد واحد وستون حالة طلاق يوميا متجاوزة نسبة 25/8 بالمئة قياسا بما كانت عليه في الأشهر السبعة الأخيرة من السنة الجارية. هذا إلى جانب تزايد أعداد المصابين بمرض الإيدز والتي أكدت تقارير نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية عن لسان مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في طهران مؤخرا ان عدد المصابين تجاوز المائة ألف. هذا ناهيك عن تزايد الجرائم وتفاقم الفساد الاقتصادي وهروب رأس المال إلى جانب هروب الطاقات والكفاءات الوطنية التي زاد من تخوفها عودة المحافظون وعسكرت السلطة وهذه تحديات لا تقل في أهميتها بالنسبة للنظام من تلك التحديات السياسية التي عمقتها صراعات الأجنحة.
- آخر تحديث :
التعليقات