من الملفت للنظر ان كل المسؤولين العراقيين يشجبون الظاهرة الطائفية في احاديثهم لوسائل الاعلام ويعدون بتجاوزها، كما ان النخب العراقية تكرر الكلام نفسه من خلال الندوات واللقاءات والمؤتمرات اما المواطن العراقي فأنه لا يجد اي مبرر لها حيث لم تكن سمة من سمات المجتمع العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية، ثقافيا على الاقل.. لذلك فأن سؤالا وجيها يواجهنا: هل تصلح الطائفية اساسا للحكم او قاعدة للمجتمع؟ ما دام الجميع متفقا على النأي عنها.
ان التجربة السابقة سواء في مجلس الحكم او الحكومة المعينة تشير عبر اكثر من اخفاق الى فشلها واحلال معايير غير موضوعية في تسمية المسؤولين واختيارهم بحيث اننا (كما قال صديق) لو شكلنا فريقا لكرة القدم على هذه الشاكلة لمني بخسارات فادحة، هل تكون المعايير الرياضية افضل من المعايير السياسية ام ان معيار الكفاءة واحد في الملعب او في مؤسسات الدولة.
ان توزيع الحصص على طريقة توزيع الغنائم انتج فيما انتج الفساد الاداري الذي جعل العراق يحتل المرتبة الاولى من بين بلاد الله. وجعل اياد علاوي يصرح بأنه لم يعين وزراءه وان لا ولاية له عليهم طالما ان التعيين جرى على اساس الحصص وانه لا يتحمل اية مسؤولية، ولعلاوي بعض الحق فيما يدعيه الا ان السؤال الكبير: من يتحمل المسؤولية اذن؟
كما ان توزيع الحصص جرى بشكل (ممتاز) دون ان يتأثر بالعامل الامني، ذلك العامل الذي اصبح عذرا لكل ما لا تريد الحكومة انجازه.. اما هموم الاخرين فقد اجلت او تم تجاوزها بسببه وانصراف الحكومة الى مهامها الكبيرة بحيث اصبح من العار التحدث بأمر شخصي؟
لقد انهالت على كل وزارة طلبات من كل طرف يريد حصته واصبحت مشكلة الوزير الموازنة بين ما يرده وما هو ممكن واصبح العراقي غير موجود ان لم يكن قد ورد اسمه في احدى القوائم الطويلة.
العراقيون في الخارج من اللاجئين والمستقيلين والمطاردين والمفصولين ظلوا لفترة طويلة يعتقدون ان من غير المنطقي ان لا تحسم امورهم او ان لا تلتفت اليهم الحكومة الا انهم ومع مرور الوقت اكتشفوا ان لا احد يفكر بهم وان الحكومة مشغولة عنهم بأمور اخرى وان اداب المحاصصة ومجاملة كل طرف للطرف الاخر لا تسمح بالنظر في شؤونهم.. كما ان اسماءهم غير واردة في القوائم التي تعد يوميا.. قوائم الغنائم والاسلاب.
ان على المتحاصصين الايفاء بالديون اولا وليست هناك اية شرعية للقسمة ما لم توف حقوق الدائنين، والدائنون هنا هم المناضلون الذين ظلت قرارات صدام حسين سارية المفعول بحقهم دون ان تكلف الحكومة السابقة نفسها بالغاء هذه القرارات على الاقل.. ان الموقف الاخلاقي والوطني والقانوني لا يسمح بالسكوت عن هذه القضية وربما كان من المناسب ان تشكل لجنة وعلى مستوى رفيع ليس لالغاء قرارات صدام فحسب وانما لمعرفة اسباب التقصير وعلى غرار اللجنة المكلفة بالفساد الاداري، ذلك ان اي عاقل ليس بوسعه تصديق هذه الوقائع.
ان الحكومة الحالية مدعوة اكثر من غيرها لفتح هذا الملف قبل ان يتحول الى فضيحة اخرى. ان اي تغيير جرى في اي بلد في العالم لم يشهد هذا الاهمال المتعمد.. وهي ظاهرة تفرد بها التغيير في العراق واذا كانت للحكومات السابقة اعذارها الواهية فلا عذر لهذه الحكومة التي بدأت تباشر اعمالها.
كما ان من غير الجائز ان يكون منهج الحصص هو السائد في تشكيل المؤسسات فثمة كفاءات يزخر بها هذا البلد في كافة المجالات فمن نعم الغربة هذه الشهادات العالية في كل الاختصاصات داخل العراق وخارجه رغم ان امور الدولة لا تحتاج الى شهادة وحسب، فقد يصلح البعض ان يكون استاذا مرموقا في جامعة ولا يصلح مديرا عاما اذ ان للادارة شروطها ومعاييرها وقد يجمع الصفتين وهو ما يحمد عليه. اننا بحاجة الى قواعد نحترمها في تسمية المسؤولين.. قواعد ترفع من مستوى الاداء الوطني وتستند الى الكفاءة والشرف لتكفل حقوق كل الناس.
نعود الى بداية الحديث: اذا كان الجميع متفقا على درء الطائفية عن المجتمع العراقي فلماذا نتحاصص طائفيا ونغيب في هذه العملية القطاع الاوسع من الشعب وكل من لا يريد ان يكون في خانة محددة.. أليس تناقضا ان نهمش غير الطائفيين في الوقت الذي ندعو الى نبذ الطائفية.
اننا بحاجة الى ان يتضمن الدستور القادم ذلك فهو السبيل الوحيد لوضع الامور في نصابها اذ لا يمكن الاعتماد على تصريحات قد تختلف باختلاف الحكومات.
وبانتظار ذلك اقول:
ايها المتحاصصون اوفوا بالديون قبل ان تتحاصصوا ولتكن للعراق حصته. والصامتون حتى الان ليسوا بكما!