ليس يحقّ للمواطنين العاديين أن ينصبوا (المشانق) لمواطنين كانوا أقرب منهم إلى فوهة العدسة وفوهة المدفع. الفوضوية هي ما تحرزه السيدة الساحرة (كونداليزا رايس) نقاطا.. إثر نقاط. في جولاتها التي تتخذ شكلا بروتكوليا، ومبالغا في التكتم حوله. ونحن العرب أحفاد اعتى القبائل مبالغة في التجمل وتلميع النفس أمام البشر. لا تعني الديموقراطية ولا حتى الليبرالية المنفتحة أن يعمم فرد ما تجربته القاسية على مجمل الواقع الثقافي والسياسي. نحن عرفنا إن إمريكا عندما سنّت قانون (اجتثاث البعث) وفعّلتْه مع أذيالها البريطانيين، ومرتزقتها، ولصوصها كانت تهدف بالضبط إلى أن هذا الحزب قوي أولا لدرجة محاصرته دوليا والتلاعب بمصائر مواطنيه، وله تجربة عميقة في حكم بلاد مضطربة على مدى عقود مرّت بالوطن العربي كما يمر النذير وكما ينعق البوم وكما يتشاءم العصفور. البعث معادل موضوعي لكل ماهو في مصب الصالح الوطني العربي الخالص، ومن ذلك شعاره العتيد (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة) وهو يقدم على الشعار القطري. وهنالك في تركيبة الحزب الحاكم يسمى رئيس الجمهورية بالأمين (القطري للحزب) تكريسا لحلم انهاء الشرذمة والتفتيت والتجزئة.
ولا يحق (لأي داعية صلح وتسوية) أن يعتبر أفكاره الخاصة منهجا. فالأمة العربية مرت بمخاضات عسيرة، كان أسوأها على الإطلاق حالة (الإقتتال) بين دولتين شقيقتين باستخدام الضرب تحت الحزام. وهو ما يحرمه قانون اللعبة. ولكن عندما يكون أحد اللاعبين هو (فخامة الولايات المتحدة الإمريكية) وأصحاب الفخامات من (مديريها الفنيين) كيْ لا نقول : رؤساءها ووزراءها. لا تتخذ اللعبة شكل تسلية ولا مظهر منافسة شريفة بل إنها تشن حربا إعلامية متدنية الطرح على خصومها. ولأنه من السهل على اللص أن يقترف السرقة مرة أخرى، وحتى لو كان لا يريد، فإن امريكا تؤسس الآن لثقافة القتل الرديء والإجرامي.
كل أمة تشعر بزهو (انتصار) ما، يمكن أن يكون حبيس قراءات قياس الرأي العام، وإمريكا تتصرف على أنها ( بطل العالم) بهذا التحديد المخجل. لم يرض (بوش) بأية تسهيلات عراقية وكذلك يفعل مع سوريا، وأما أحلامه بشأن (إيران) سلمية وعازفة عن تكويم السلاح فليس واردا الآن. لقد ترك الإمريكان بنشوة انهيار (الإتحاد السوفييتي) لا : النظرية الشيوعية، فهم كفيلون بعدد من المكارثيين يدخلون غرف نوم السيدة الأولى ونجمة الجماهير وكل ماهو مسطح، بذيء، متطفل، وغير أخلاقي بالمرة، تركوا المنطقة الشاسعة في جمهوريات الإتحاد السابقة وتسابق ذوو المال لشراء ذخائر لابد أن يكون ضمنها تقنية القنبلة النووية. وحالة امريكا اليوم ثقافيا هي مزرية بلا شك. ولكن بقاء (بوش) لفترة رئاسية ثانية لا يعني سوى أن الشعب الإمريكي بالغ في تقدير عواقب خطاب (زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن) وهو كان – يعي ذلك أم لا يعيه – ينمي شجيرة الخوف لدى الآخر الذي وإن كان يملك سلاح التدمير الفتاك والنهائي مجبر على التشاور مع أصدقاءه الأوربيين والأخيرين يعرفون متى تنتهي حالة الحصر والإرتباك لدى (امريكا)!
لسنا نزغرد لنظام عربي بسبب أن عواطفنا غير سوية. إننا فحسب نبدي بعض الإعجاب بسلوك القيادات التي تعاملت مع فسيفساء من السكان بتسامح ولكن بحزم. نحن لسنا كما يظن أخوتنا اللبنانيون أطفالا في روضة (السياسة) ما قبل الإبتدائية. بل أكاد أجزم أن المواطن العربي كلما ابتعد جغرافيا اقترب بمشاعره الغير مزيفة من قضايا تهم أمته. وتعني للجيل الذي فوق الستين الآن ثورة 23 يوليو مفصلا مهما من تاريخ الشعب الأكثر كدحا والأشد فقرا. فليست ثورة 23 يوليو مشاعا للراغبين في شتم أحد أي كان. لأنها طرحت مشاريع، وخاضت تحديات إعمار، وتبادلت إطلاق الرصاص مع الإسرائيليين واستطاعت هزيمة النمر المتنكر. الرصاص لعلع في آذاننا في بلاد تعبد الله. والله لا يغفر لعباده القتل.
ها أنا أطالبكم : لا تضعوا قطع رؤوس من يشهدون ضدكم هدفا تجملونه بنقوش النصر الوطني والديني. لا تعتقدوا أن الله يتخلى عن المستضعفين في الأرض. لا تحولوا القضاء الى (فيلم) سياسي. هذا كنا نظن انه سيجري انجازه لحظة تسلمكم عراق مريض عليل من قوات احتلال أسمتكم بالحكومة الإنتقالية. أنا لن أكون مع الغزاة ولا مع الظالمين والقتلة ولا الجلادين والطغاة، لكنني أيضا لن أقبل بالتساهل عاطفيا مع حكومة (المومياءات) التي تدعى بالمرجعية العليا، وتستغرب أن تحتكم جمهورية فيدرالية علمانية الى رجال الحوزة من الوعاظ، والناطقين باسم الله.
أطلب من إمريكا أن تكون عونا للشعوب. أن تجسد مبادىء الحضارة الإمريكبة في طلبها للعدل والحرية وعدم ميلها لفرض رؤيتها على الآخرين. كما أطلب من فخامة الرئيس (بوش) أن يعيد النظر في تبعات الحرب غير العادلة ويحللها، وينظر إليها بصفاء المتأمل. إنني لا أشك أن (بوش) أكثر تفهما لمشاعر الناس البسيطين. فإمريكا لم تكن لتصبح ( قوة عظمى) لولا أنها تملك: شعبا عظيما.
- آخر تحديث :
التعليقات