سقط الرجل أخيراً، كما يسقط كل البشر. وعلى الأغلب، لن تنفع معه عبقريةُ الطبابة اليهودية، هذه المرة _ رغم ما لهذه العبقرية من صيت وشهرة حقيقيتيْن. فصاحب ال 136 كيلو غراماً، والأكولُ ذو النّهَم الوحشي لتناول اللحوم والشيكولا، بكميات كبيرة في الوجبة الواحدة، لم تجد معه محاولات تخفيف وزنه الأخيرة. ولم ينفعه كثيراً ريجيمه القاسي، الذي جعله عصبياً وأنقصَ وزنه حوالي عشرين كيلوغراماً في الأسابيع الماضية، فنزل من 136 إلى 115. إذ تهاوى الرجل أخيراً، بعد أن مرّ بجلطة خفيفة قبل أسبوعين : تهاوى تحت ثقل أعوامه ال 78، وثقل الأعباء الحزبية والسياسية الهائلة، ليدخل الآن في اللحظة الحرجة وغيبوبة الدماغ الثقيلة الحاسمة. وثمة خطر عظيم، كما يقول تقريره الطبي، المُذاع صباح هذا اليوم، من مستشفى هداسا عين كارم،أن يكون نزيفه قد أثّر على خلاياه الدماغية، وقتلَ عدداً كبيراً منها. ما يعني، حتى مع حدوث معجزة، تبقيه على قيد الحياة، أنه انتهى سياسياً، وخرج من حلبة السلطة. فماذا عن الوضع السياسي لدولة إسرائيل ؟ وماذا عن مصير حزب كاديما، وماذا عن حالنا نحن الفلسطينيين ؟ إسرائيل بالطبع، دولة مؤسسات، ولا تشخصن سياستها، كما نفعل نحن العرب. إنها دولة، تسير وفق برامج واستراتيجيات، لذا لن يهمّ كثيراً، غياب هذا المسئول الرفيع أو ذاك. فالدولة لها سياساتها العليا، ولن تتوقف هذه السياسات بغياب أي شخص مهما كان. وعليه، فلن تدخل دولة إسرائيل في إجازة. أما حزب كاديما، الذي أسسه شارون، فثمة سيناريوهان له في المستقبل القريب : إما أن يستمر ويدخل الإنتخابات للكنيست، بشارون أو بغيره، فيفوز ويتسلّم الحكم، وحيداً، أو مع حزب المعراخ، وهو احتمال ضعيف جداً ولكنه وارد. أو أن ينهار كاديما ويتفكك، منتهياً بانتهاء مؤسسه الأول. ذلك أن هذا الحزب الوليد، والذي تنبأت له مراكز الإستطلاعات، بفوز محقق في الكنيست القادمة، لم يأت نتيجة لحاجة موضوعية داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي، وإنما جاء نتيجة خلافات حادة داخل حزب الليكود، مع شخص رئيس الليكود ذاته. وهذه الخلافات تنوعت وجوهها ما بين السياسي والشخصي والفضائحي، وعليه فثمة إمكانية جديّة بانهيار هذا الحزب، وتفكك مكوناته وعودتها إلى أصولها، مع الأخذ بعين الاعتبار، سهولة عودة أعضاء حزب العمل، من كاديما إلى حزبهم، فأماكنهم موجودة ومحجوزة، على نقيض ما يحدث في الجانب الآخر، أي حزب الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، فالأعضاء الليكوديون في حزب كاديما، هناك صعوبة حقيقية في عودتهم إلى الحزب الأم، نتيجة طبيعة الخلافات السابقة في الحزب، وليس أمامهم الأن، إلا أن يعودوا بشروط نتنياهو، أو أن يستمروا في كاديما، الذي سيتحوّل، في هكذا ظروف، إلى حزب هامشي في الساحة السياسية الإسرائيلية. على أن هناك نقطة هامة جداً، في هذا المقام، على الخصوص، وهي صعوبة إن لم يكن استحالة قبول حزب كاديما، بمعظم أعضائه الليكوديين، لشمعون بيريز زعيماً له ورجلاً أولاً فيه. أما فيما يخصنا نحن الفلسطينيين، فلن يتغير شيء تقريباً، وسوف نكون نحن أقلّ مَن يتأثر بغياب شارون. فالسياسات الإسرائيلية تجاهنا، وبالذات تجاهنا، لا علاقة لها بشخص من يتبوأ رئاسة الوزراء في تل أبيب. فهي سياسات دولة لا أشخاص. ومع هذا، ثمة احتمال جدي، بأن تسوء أوضاعنا أكثر، في حال صعود وجوه أكثر يمينية إلى سدة الحكم، مثل بنيامين نتنياهو مثلاً. هذا على الصعيد السياسي، أما اجتماعياً، فيجب التنويه بما يحدث الآن، في الأراضي المحتلة، وهو اهتمام كل شرائح الناس، بهذا الخبر المدوّي، ومتابعتهم الدؤوبة، ولحظة بلحظة، للأخبار والفضائيات والإذاعة العبرية. على نحو لا يقلّ أبداً، عن اهتمام الإسرائيليين أنفسهم، إن لم يزد ! فنحن سكان رقعة جغرافية صغيرة واحدة، وما يحدث في تل أبيب، يهمّ ويمسّ حياة ومستقبل مَن يعيش في غزة أو نابلس. وثمة مفارقات في هذه المسألة، حيث لم ينم معظم الفلسطينيين، الليلة الماضية، سواء السياسيون منهم، أو الناس البسطاء العاديون. فالكل يتابع، ويخبر جاره، أولاً بأول. وأمس لم أنم، والذي جعلني هكذا، هو جاري صاحب الحمار بكارو، وهو الحزين، بالمناسبة، على غياب شارون، فهو يظنّ، مثل الكثيرين غيره من البسطاء، أن شارون رجل فعل وقرار، رجل إذا قالَ فعَلَ، ولا ينسى له انسحابه من قطاع غزة. لذا فجاري متشائم من غيابه، ويعتبر أننا كفلسطينيين، أصحاب حظ سيىء، فكلما جاء إلى إسرائيل رجل قوي، مثل رابين أو شارون، وأراد أن يحلّ حلاً سياسياً، أُغتيلَ أو مات بالجلطة الدماغية ! لا بأس أيها الجارُ، ودعنا ننتظر ونرى، فلدينا نحن أيضاً أولويات، وأهم شيء الآن، أن لا يتأجل موعد انتخاباتنا، تحت حجج ومُسميّات مختلفة، فيظل مَن هم في السلطة، محتكرينها، ومفصّلينها على مقاسهم!