تطورت العلاقات الثنائية السعودية المصرية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية التي تأكدت هيكلياً وسياسياً بإنشاء مجلس التنسيق السعودي المصري الذي انطلق مع بزوغ فجر عهد الملك سلمان في عام 2015، وتم خلال هذه الفترة إبرام نحو 70 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة في البلدين. وينتظر أن تشهد هياكل العلاقات الثنائية قفزة أخرى في الزيارة التي يقوم بها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان اليوم (الثلاثاء 15 أكتوبر 2024) إلى القاهرة، حيث يوقع مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتفاقاً لترقية مجلس التنسيق إلى مجلس أعلى برئاسة القائدين.

ويتطلع مجلس الأعمال السعودي المصري، لإنشاء تحالف اقتصادي بين البلدين للدخول في أسواق ثالثة، وتحقيق التكامل بين قطاعات الأعمال في المشروعات والفرص الاستثمارية. وقد عززت المملكة ومصر علاقاتهما التجارية، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 12.798 مليار دولار في عام 2023، وقد يعتبر المراقبون أن هذا الرقم متواضع باعتباره بين أكبر سوقين عربين. لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدفع لتذليل العقبات التي تواجه الاستثمارات المشتركة بسبب الفساد والبيروقراطية.

وينظر المصريون إلى الدعم السعودي باعتباره وسيلة من وسائل إنقاذ الوضع الاقتصادي. وكانت المملكة دعمت مصر في مواجهة تحدياتها الاقتصادية عدة مرات، حيث تعد مصر أكثر الدول المتلقية للمساعدات السعودية بقيمة 32,48 مليار دولار، كما تبلغ قيمة الودائع المالية السعودية لدى البنك المركزي المصري 10.3 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك نفسه.

لكن المنتظر الآن هو تدفق الاستثمارات السعودية التي تخلق فرص العمل وتعزز النمو والانتاج. وقد خصصت الرياض عبر صندوقها الاستثماري السيادي 10 مليارات ريال للاستثمار في مصر، وكانت الرياض تريد أن تسيل جزءاً من الوديعة في البنك المركزي لخدمة تمويل بعض هذه الاستثمارات، لكن القاهرة تأمل بعدم المساس بالوديعة. ويتوقف حل هذه المسألة على التفاهمات السياسية بين القيادتين.

وتكمن أهمية زيارة سمو ولي العهد لمصر في تزامنها مع ما تشهده المنطقة من تصعيد للعمليات العسكرية في قطاع غزة ولبنان، فضلاً عن التصعيد بين إسرائيل وإيران، حيث تعمل المملكة مع جمهورية مصر العربية بتناغم كامل ضمن اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، للتحرك دولياً لوقف الحرب على غزة والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الدائم.

‏كما تجمع الرياض والقاهرة في الوقت الراهن مصادر اهتمام مشتركة تجعلهما أقرب إلى بعضهما من أي وقت مضى.

من الواضح أن هناك مصادر تهديد مشتركة تجمع البلدين، فالوضع الخطير لأمن البحر الأحمر مصدر التهديد الرئيسي المشترك للبلدين، فهو تسبب بانخفاض واردات قناة السويس إلى النصف. وهو يعطل النمو المرسوم للموانئ السعودية على البحر الأحمر في إطار المشروع الوطني الرؤيوي لتوسع الخدمات اللوجستية، هذا طبعاً إلى جانب المخاطر الأمنية والجيوسياسية.

أمَّا مصدر التهديد المشترك الثاني فهو الحرب الأهلية في السودان، الذي يتوقع المحللون أنها ستجر البلاد إلى التمزق والتقسيم. وهذا الهدف القديم يركز على تمزيق الدول الطرفية لإضعاف العمق العربي. مما يؤدي لإحاطة مصر والسعودية بدول فاشلة وغير مستقرة تهدد أمنهما الاستراتيجي.

أمَّا مصدر التهديد الثالث المشترك فهو المخاطر التي تهدد وحدة الصومال وأمنه واستقراره، فبعدما لاحت في الأفق بوادر القضاء على حركة الشباب الإرهابية، دخلت اثيوبيا على الخط داعمة تقسيم الصومال إلى ثلاث دول تبدأ بصومال لاند التي أبرمت معها اتفاقية تفاهم مشتركة للحصول على قاعدة عسكرية بحرية بطول 20 كم إضافة إلى ميناء تجاري مستقل تديره أديس أبابا وتستعيض به عن جيبوتي! وهذا بلا أدنى شك سيمهد الطريق لاستقلال ولاية نبط لاند عن مقديشيو. ويجعل اثيوبيا الوصية ليس على هذه الدويلات المصطنعة بل لاعباً رئيسياً في خليج عدن وباب المندب. وهذه النتيجة ستجعل أمن القاهرة بقبضة أديس أبابا في الأمن المائي والأمنين الاقتصادي والاستراتيجي.

صحيح أن مخاطر هذه الأزمات على مصر ذات طبيعة استراتيجية، ولكن الصحيح أيضاً أن هذه المخاطر بالنسبة إلى المملكة لا تقل خطورة. فأقل التحديات الناتجة عن ذلك مزيد من الدول الفاشلة على حدودها البحرية وما يترتب على ذلك من مخاطر أمنية مثل الارهاب والمليشيات العابرة للحدود، وكذلك الهجرات الاقتصادية غير الشرعية المهددة للأمن السعودي وللمشروع الاقتصادي الوطني.

في المجال الامني، وفي ظل رصد مشاغل البلدين، لا يغرب عن بال المراقب عدد المناورات العسكرية المشتركة بين الرياض والقاهرة والبالغ عددها ثلاث مناورات هي مرجان البحرية بمشاركة جوية، ومناورات فيصل للقوات الجوية، ومناورات تبوك، وهي مناورات مشتركة شاملة. هذا بالإضافة إلى مناوراتهما المشتركة مع القوات الأميركية واليونانية والأردنية وغيرها، وأخيراً المناورات المشتركة لجيشي البلدين مع القوات الباكستانية والقوات التركية؛ وهذه المناورة الأخيرة لا تخلو من رسائل إقليمية ودولية.

هذه التدريبات العسكرية المشتركة والمتعددة تنبئ عن تلاقي استراتيجي في فهم المخاطر المشتركة الماثلة أمام البلدين، وهو أمر لافت لا يغيب عن أعين المراقبين الاستراتيجيين. وتاريخياً، كان التعاون بين الرياض والقاهرة ودمشق في التسعينيَّات له دور هام أرسى أرضية صلبة تصدت لمشروع الشرق الأوسط الكبير ولمشروع الفوضى الخلاقة بالشرق الأوسط.

ما يؤخر تقدم التكامل السعودي - المصري، على ما يبدو، هو التأخر الملحوظ في تنفيذ الاتفاقيات الثنائية المشتركة بين البلدين. وهذا قد يعالجه قيام المجلس الأعلى للتنسيق بين البلدين برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وهذا المجلس الرفيع سيكون أمامه مهام تذليل الصعاب التي تواجه تنفيذ الاتفاقيات المبرمة والتوسع في الشراكة بين البلدين. وهو ما ينتظر إعلانها خلال زيارة سياسية هامة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة، يتوقع انها ستتوج رؤية مشتركة للبلدين تجاه أزمات المنطقة.

وفي ظل الصراع الإيراني / الأميركي - الإسرائيلي على النفوذ وتقاسم الأدوار، فإنَّ المنطقة أحوج ما تكون اليوم إلى تكامل رؤيتي الرياض والقاهرة اللتان تواجهان تحديات مشتركة تستلزم عمل عربي مشترك يقود قاطرته التعاون السعودي المصري.