أكتب هذه الكلمات الآن، فيما الجوار من حولي يضجّ بطلقات الرصاص وأبواق السيارات، وهتافات الناس، فرحاً بإعلان النتائج الأولية [ غير الرسمية ] لنتائج الانتخابات. إذ ورد في الفضائيات العربية، قبل دقائق، أن حماس وفتح تقريباً تعادلتا أو تكادان. حيث فازت فتح ب 58 مقعداً من مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132، وفازت حماس ب 53. أكتب، قلقاً من خوف جدي من إصابتي برصاصة طائشة، وأنا جالس اللحظة أمام شاشة الكمبيوتر. فالرصاص قريب جداً، وبعضه يمرق من فوق سطح البيت. إنها فتح تحتفل. بعد شهر من الرعب وعدم الثقة بالنفس، والخشية من اكتساح حماس الساحق لنتائج العملية برمتها. الآن يفرح الفتحاويون، ويزعل غيرهم، كما هي عادة نتائج أية انتخابات في العالم. مع أننا لم نتوقع عكس ذلك. ففي كل انتخابات ثمة رابح وخاسر. ولعل الخاسر الأكبر، لو صدقت هذه الأرقام، هو كتلة فلسطين المستقلة بقيادة مصطفى البرغوثي، حيث حصلت، وخلافاً لكل التوقعات، على مقعدين فقط، وربما ثلاثة على الأكثر. ما يعيدنا، إلى ما كنا طالبنا به في مقال سابق، بضرورة توحد كل الطيف اليساري والديموقراطي والليبرالي، في كتلة واحدة، حرصاً على عدم تشتيت الأصوات، ورغبة في تشكيل تيار ثالث، يكون بمثابة بيضة القبّان، بين التنظيمين الشعبيين الكبيرين. إذ من الواضح، أن فتح لوحدها، لن تستطيع تشيكل الحكومة القادمة، وكذلك حماس فيما لو تعادلت أصواتها مع أصوات فتح [ وهو احتمال وارد جداً، وسوف يُحسم بعد ساعات فقط ]. قلنا بضرورة ذلك، وبأن هذه القوى، أضاعت على نفسها ومنتخبيها فرصة تاريخية قلما يجود بها الحال السياسي. لكن ذلك انتهى الآن، ولا حاجة للتحسر عليه، فالطريق لم يُقفل بعد أمام هذه القوى، حيث بإمكانها، بل من واجبها الوطني والأخلاقي، أن تتحالف بعد دخول البرلمان، ولا تضيّع أيضاً هذه الفرصة الأخيرة. فالشعب الفلسطيني، بحاجة أكثر من أي وقت مضى، لتحالف هذه القوى العلمانية عموماً، كي تظبط الحراك السياسي، وكي تقينا مغبة الدخول في حالة من الشلل السياسي، أو التخبط في المجهول. من حق فتح أن تحتفل، ومن حق حماس أيضاً، لكن من حق اليسار الفلسطيني مع المستقلين والليبراليين، أن يعيدوا حساباتهم، وأن يحسبوها جيداً. فكلا التنظيمين الكبيرين، بحاجة لهم. هذا في التخصيص، أما في العموم، فقد بدأ الشعب الفلسطيني، من مساء هذا اليوم، طريقه الحقيقي نحو التعددية والديموقراطية، بالمعنى الغربي للكلمة، وليس على طريقة بني عرب. وأنا، كمثقف ومتابع، سعيد بهذا، وأعتبره انتصاراً لكل الشعب، وانتصاراً لهذه القضية العادلة. فنحن شعب يستحق هذا العرس، ولقد قدمنا من أجله الغالي والنفيس. سعيد، ولديّ أسبابي : فمنذ السابعة من صباح هذا اليوم التاريخي بحق، وأنا ألفّ وأدور على المراكز الانتخابية، أستطلع الأجواء، وأراقب الناس، والحق أنني لم أجد شيئاً جدياً يخدش فرحة الانتخابات، فكل الأمور، سارت كما خُطط لها تماماً، ومضت العملية الانتخابية بهدوء وشفافية، وبروح من الاحترام المتبادل، وتفهم الناس، للاحتلاف والتعدد، وهو ما يعنيني ههنا، إذ من الواضح أن ثقافة التعددية، بدأت تجد لها مكاناً بيننا. فالكل ينتخب والكل يختار، والكل يجهر باختياره، دون حساب لأحد، أو خشية من أحد. فهذا حق مقدس، فردي ووطني، ولا سبيل لنكرانه على أحد. حسناً.. كل ذلك حسن.. وليس له إلا معنى واحد، وهو أننا نسير على الطريق الصحيح، بعد تسويفات ومراوغات دامت عشر سنوات، وكان حاديها الرئيس الراحل. ولا يفوتني في هذا السياق، توجيه الشكر لإبي مازن، على كل ما فعله، من أجل إنجاح هذا اليوم، وبالطريقة التي تمت بها. مواجهاً بذلك، نقمة الحرس القديم في اللجنة المركزية لحركة فتح، وغضب هؤلاء الديناصورات، لخوفهم من فقدان مناصبهم وكراسيهم، وامتيازاتهم الكبرى، طوال عقود من الزمن. الشكر لإبي مازن، الذي تصرف كرئيس لكل الشعب الفلسطيني، وليس رئيساً لفتح. تصرف بمسؤولية تاريخية، لعلها ستجعل التاريخ يقول عنه، إنه رائد الديموقراطية الفلسطينية عن حق. فلأول مرة، يشعر الشعب الفلسطيني، بانه في عرس، عرس نادر في حياة طويلة من الآلام والكآبة. فالكل أخذ حقه، ولم يعد أحد مظلوماً. أما حماس، فنرجو لها مزيداً من الواقعية، ومزيداً من لغة العقل، سواء شكلت الحكومة، أو جلست في مقاعد المعارضة. فمع معارضة قوية، لن يجرؤ المفسدون، نهابو دم وقوت الشعب، على مزيد من الفساد. وهو ما يعزز من صمودنا أمام عدونا التاريخي. وبهذا المعنى، فقد خرج كل الشعب الفلسطيني رابحاً من هذه الانتخابات، وليس هذا الفصيل أو ذاك. لأننا، وبداية من صباح غد، سنفتح صفحة جديدة في تاريخنا الحديث. صفحة تجعلنا حاضرين في هذا العالم، ومستحقين لما نطالب به. فقد أثبتنا عملياً، أننا لسنا أقل ديموقراطية من إسرائيل، صاحبة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. فنحن اليوم، الديموقراطية الثانية في المنطقة. شكراً لكل من انتخب، ومبروك لعموم الشعب الفلسطيني، في الداخل والخارج.