اعلن التيار الصدري قراره بتعليق عضويته في حكومة المالكي برا بوعده، حيث كان التيار المذكور قد اعلن على خلفية التفجيرات الأ خيرة في مدينة الصدر، بأن (قوات الإحتلال) بالتواطي مع الإرهابيين تقف وراء هذه التفجيرات وغيرها من التفجيرات الاخرى التي إستهدفت أبناء التيار، و(وأتباع أهل البيت)، وعليه يري التيار أن لقاء رئيس الوزراء العراقي بـ (المجرم بوش!) بمثابة خيانة بحق الشعب العراقي، وفي الصميم من ذلك شهداء المدينة المنكوبة، ومن هنا قرر التيار بأنه سيعلق شراكته بالحكومة المالكية فيما إذا تم اللقاء بين بوش والمالكي في الأردن، وحيث أن اللقاء تم فعلا ، فكان لابد أن يدخل القرار الصدري مرحلة التنفيذ، وهذا ما كان فعلا، ليس تعليق الشراكة في السلطة التنفيذية فقط، بل إضافة إلى ذلك السلطة التشريعية أيضا، أي عضوية البرلمان. على أن التيار عاد واستدرك، فقد جاء على لسان أحد أعضائه البارزين بان التيار يستأنف شراكته في الحكومة والبرلمان شريطة أن تقر الحكومة المالكية مشروع جدولة خروج (المحتل) من العراق، وقد شفع التيار إستداركه هذا بتوقعه قيام تكتل بأسم (الجبهة الوطنية) قوامه التيار وبعض الفصائل والشخصيات العراقية المشاركة في العملية السياسية، وعلى الفور تلقى التيار تأييدا أوليا من بعض أعضا جبهة التوافق العراقية (السنية)، وبعض الشخصيات المسيحية!!
في هذه الأثناء حيث بلغ موقف التيار الصدري الذروة في السلبية من حكومة المالكي خرج علينا أحد رموز جبهة التوافق (السنية) إلى جانب السيد المالكي وليعلن فيما بعد أن الجبهة تؤمن بالعملية السياسية، وهي لن تفرط أبدا بشراكتها الفعلية والفاعلة في حكومة السيد المالكي، مما حدى بعض المرا قبين إعتبار الموقف المذكور محاولة ذكية لدق الأسفين بين ا لتيار الصدري من جهة والحكومة من جهة أخرى، أو هي رسالة لصاحبة القرار الحاسم، أي أمريكا، بان الفريق (السني) مسالم، أو أن قطاع كبير منه على أقل تقدير مسالم، و يسير على خطى الحكومة التي لا ترى مصلحة بما يُعرف بجدولة خروج (المحتل!)، بل ترى ضرورة تمديد وجود القوات المتعددة الجنسية في العراق!!
التيار الصدري في قراره يحرج حكومة المالكي بطبيعة الحال، خاصة وإن الحكومة أساسا هشة، والمالكي يفتقر إلى كادر سياسي مجرب، وقدير، وصاحب تجربة، فيما يحيط به طاقم مثير للإشفاق، مما يزيد في إرباك أو إزعاج الحكومة، ولكن هل الإسهام بإرباك حكومة المالكي هو في صالح العراق؟ وهل ذلك في صالح التيار الصدري نفسه؟وهل هو في صالح (الطائفة) التي ينتمي إليها التيار مذهبيا وشعبيا؟
التيار الصدري يدرك جيدا، أن الحكومة لا تقدر على طرح جدول إنسحاب على (قوات الإحتلال)، وبذلك لا يمكن تفسير طلب التيار بذلك، إلا على نحو التعجيز، فهل يهدف التيار حقا إلى إسقاط حكومة المالكي؟ ولا ندري ما ذا سيكون وراء إسقاط الحكومة الحالية؟ ومن الذي سوف يملأ الفراغ الحاصل؟ وهل التيار يملك من القواعد والممكنات والآليات ما يمكنه من الإسهام في سد هذا الفراغ المحتمل، وكيف؟
الذي يتعامل مع العراق بعيون عراقية يحكم بأن موقف التيار الصدري يتسبب بإضعاف الحكومة،و يفضي إلى مزيد من الفوضى والإضطراب في العراق، ويقود إلى فرص أكبر في خدمة القاعدة والإرهابين، والذي يتعامل مع القضية العراقية من منظور طائفي يرى إن موقف التيار يعمق من مآسي الشيعة، ولا يؤول بالضرورة إلى محو المعادلة الطائفية وإستبدالها بخلق معادلة وطنية! فذلك خيال، وكل المؤشرات لا تساعد عليه، ويتذكر المراقبون شرط السيد مقتدى الصدر على الشيخ الضاري بل على هئية علماء المسلمين القاضي بالتبريء من الزرقاوي والقاعدة وكيف أنه كان شرطا على الفاضي! والذي يتعامل مع العراق على اساس أن الخلاص بخروج القوات المتعددة الجنسية أو جدولتها يحكم على موقف التيار الصدري بنتيجة خاوية، ذلك أ ن القوات المتعددة الجنسية لا تخرج بقرار من الحكومة ولا بقرار من البرلمان العراقي، بل قرارها مرتبط بأهدافها الإستراتيجية البعيدة المدى، والذي يتعامل مع القضية العراقية من منظور أمني صرف، يرى في موقف التيار تعقيدا أكثر للمشكل الأمني، وإن التيار يساهم في خلق مناخات أكثر إلتهابا في المجال الأمني...
لست من المتعاطفين مع حكومة المالكي، فكما قلت إنها حكومة هشة، ولم تقدم شيئا جوهريا لحد هذه اللحظة للعراق، ولكن للضرورة أحكام كما نعرف ويعرف الصدريون أنفسهم، ولأني أعتقد على نحو قريب من الجزم إن إنهيار هذه الحكومة يزج العراق في فوضى دموية لا مثيل لها في تاريخ العراق ا لحديث والمعاصر.
لا أريد أن احاكم التيار الصدري بقول بعضهم : أين كان الصدريون في زمن صدام حسين، وبقول بعضهم : إن التيار تشكل وتكون بفضل (قوات الإحتلال اللعينة)، وبقول بعضهم : إن قادة التيار الذي يسبون بوش والاحتلال اليوم كانوا صم بكم في زمن صدام. ليست هذه لغتي، ولكن أقول هل قرا التيار نتائج قراره البعيدة؟ وهل قرا أبعاد القضية العراقية ومن أنها أبعد من كونها قوات إحتلال موجودة على الارض، وأنها تحولت إلى إشكالية عالمية؟
في هذا السياق يتساءل كثير من المراقبين عن توقيت هذا التعليق بدخول التيار بمعارك دامية من شرطة السماوة المحسوبين على المجلس الأعلى ـ الذي لم أتعاطف معه طول عمره ــ فهل يراجع التيار موقفه ليرى أ ين يقف بالوطن الذي طالما تغنى به، وأين يقف من مصير شيعته الذين طالما يدعي الدفاع عنهم؟
[email protected]