أثيرت في الآونة الأخيرة مقالات تنبش ذكريات الماضي القريب لأحداث هزت المنطقة الخليجية و العربية خلال مرحلة الثمانينيات المتفجرة التي أسست أحداثها للعديد من التطورات التي حدثت مستقبلا! خصوصا فيما يتعلق بالملف العراقي الحساس و العلاقة الخليجية المثيرة لكل عوامل التحسس مع الجار الإيراني المشاكس الذي جعل من دول الخليج العربية ساحة من ساحات المواجهة في السياسة الإيرانية وعلى مستوى التخطيط الستراتيجي، ولعل قمة التوتر الساخن كان في تحرك مخابرات الحرس الثوري الإيراني في الساحة الكويتية ووفق خطوط وآليات إشتبكت فيها العديد من الأجهزة المخابراتية ولم تكن مخابرات النظام العراقي البائد غائبة عن الصورة ! بل كانت في قلب الحدث تتابع وتخطط وترصد الشوارد وتهيأ الساحة تعبويا لأعمال ملاحقة المعارضة العراقية النشطة وقتذاك وتشويه صورتها من خلال إستعداء الشعوب و الحكومات الخليجية عليها، وكانت أحداث 12/12/ 1983 الإرهابية التي شهدتها الكويت وبدأت بهجوم إنتحاري على السفارة الأمريكية في بنيد القار نفذه عراقي من البصرة يدعى (رعد مفتن عجيل) تدرب في لبنان وإيران بإشراف المخابرات السورية ومخابرات الحرس الثوري ويتبع لتنظيم شيعي منشق عن حزب الدعوة الإسلامية يدعو للذوبان في الجمهورية الإسلامية بعد تأويل إحدى كلمات السيد الراحل محمد باقر الصدر الذي قال : ذوبوا في الإمام (الخميني) كما ذاب هو في الإسلام! .، وقد برر ذلك التنظيم الذي لازال يعمل رسميا اليوم في العراق وله وجوده في البرلمان الراهن (حزب الدعوة / تنظيم العراق) خضوعه التام وذوبانه في الدولة الإسلامية (الإيرانية) بكونها الدولة الممهدة لظهور الإمام المهدي المنتظر أولا ولأنه لا معنى لوجود أحزاب وتنظيمات شيعية مستقلة في ظل وجود الدولة الإسلامية الكبرى التي يقودها نائب الإمام الغائب!!، وقتها في الثمانينيات شهد العراق هجرة واسعة للكفاءات العلمية و الفنية تزامنت مع صعود الجناح الأكثر فاشية في حزب البعث العراقي للسلطة في العراق ممثلا بصدام و جماعته الذين قاموا بتصفية منافسيهم من البعثيين في صيف الدم العراقي الشهير عام 1979 وحيث تم إعدام أكثر من 22 قيادي بعثي من الصف الأول منهيا بذلك الوضع جماعية القيادة البعثية الشكلية ومؤسسا لفاشية فردية زاعقة على الطريقة النازية بطبعتها البعثية (قائد أوحد لشعب واحد)! مع إظهار أقصى درجات الوحشية في تصفية الخصوم وإلغائهم، وقتها كان المشروع الثوري السياسي الإيراني في أوج إنطلاقته وكان المزاج الشعبي في العراق ميالا للتغيير، كما كانت ستراتيجيات السياسة الدولية تحمل عناصرا لمتغيرات عديدة مع إزدياد التورط السوفياتي السابق في أفغانستان، وإشتداد وتيرة المراحل الأخيرة للحرب الباردة، وبداية حقبة إقليمية جديدة تصور النظام العراقي أنه بواسطته سيكون قطب الرحى ومعقد الأمل بما من شأنه أن يجعله يمتلك مفاتيح المنطقة بعد السقوط المدوي لعرش الطاووس الإيراني الذي كان يقوم بدور شرطي الخليج !، وقد ركز النظام العراقي على ساحة المعارضة الداخلية التي نجح في إفراغها من البعثيين المنافسين ومن القوميين الضعفاء أصلا وتخلص من الشيوعيين بعد أن لحس إتفاقيات نظامه الجبهوية معهم منذ عام 1973 طاردا إياهم نحو جبال كردستان أو نحو دول الجوار وخصوصا دمشق بعد أن كشف جميع قواعدهم ونجح في إستمالة وشراء بعض عناصرهم البارزة وإلتفت لناحية الإسلاميين الذي دخل معهم في حرب إستئصالية مؤلمة بلغت الذروة في ربيع عام 1980 بإصدار قرار الإعدام وبأثر رجعي ضد كل من ينتمي لحزب الدعوة الإسلامية أو لأي تنظيم إسلامي آخر وتوج العملية برمتها بإعدام المرحوم آية الله محمد باقر الصدر وشقيقته في التاسع من إبريل/ نيسان 1980 ليقطع بذلك كل الخطوط و ليدشن مرحلة دموية كان مقررا خلالها خطط لخوض الحرب ضد إيران بناءا على تنسيق مع قوى المعارضة هناك ومن أجل إغتنام حالة الفوضى الثورية القائمة هناك لفرض واقع جديد قد يمكن النظام من تغطية فضيحته التاريخية في التنازل عن حقوق العراق في نهر (شط العرب) بموجب إتفاق الجزائر عام 1975 الذي أنهى الثورة الكردية المسلحة بقيادة الزعيم القومي الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني رحمه الله، و كانت مرحلة دموية صعبة عانت من آثارها دول المنطقة وحيث شهدت تدفقا شعبيا عراقيا بأشكال وصيغ مختلفة، كما شهدت بالمقابل تغلغلا إستخباريا عراقيا في العديد من المواقع في دول الخليج و العالم العربي .
أما دولة الكويت وهي مربط الفرس وبيت القصيد في مقالتنا فقد كانت تمثل في ذهن وعقلية النظام البعثي البائد محورا ستراتيجيا، و كانت أطماع صدام و زمرته فيها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ولكنه كان يتخذ أشكالا متحولة وإنتهازية في التعامل معها، وكان يجند الوسائل ويعد العدة لضرب ضربته في الوقت المناسب ! وكان العمل الإستخباري هو القاعدة الأساس في أي تصرف مستقبلي ضد الكويت وهي قضية ظلت ذات أبعاد كامنة في خلايا النظام و تجاويفه الأمنية وكان النشاط الأمني العراقي معني أساسا بملفات كويتية داخلية عديدة على صعيد التجنيد و الحشد و التعبئة إستغلالا لحالة التعاطف القومي المعروفة عن الشعب الكويتي و التي كانت صحفه ووسائل إعلامه في السبعينيات و الثمانينيات حاملة لواء الدفاع عن القضايا القومية وفي طليعتها القضية الفلسطينية التي أرتبطت مع الكويت بأوثق الوشائج، فمن الكويت إنطلقت قيادات منظمة التحرير، و بالحماية الكويتية ممثلة في تحرك سمو الأمير الوالد (سعد العبدالله الصباح) تم إنقاذ القيادة الفلسطينية من أحداث أيلول في عمان عام 1970 المؤسفة، و تلك قضية أخرى وملف أكثر إتساعا، أما المعارضة العراقية فقد وجدت في الكويت الملجأ الأمين لقربها من العراق أولا ولأسباب موضوعية و ذاتية أخرى، ولم يكن النظام العراقي مرتاحا لوجود المعارضة العراقية في الكويت رغم عدم تواجدها رسميا بل أن المعارضين قد أتخذوا من الكويت مستقرا و معاشا وفي ظل سكون إعلامي لكن سفارة النظام كانت تبتدع كل الوسائل لتنغيص معيشة العراقيين و ملاحقتهم و تطفيشهم، من الجانب الآخر كانت لمخابرات الحرس الثوري الإيراني قواعدها الكامنة في وضع إقليمي متفجر كان ينذر بإحتمالات توسع نار الحرب العراقية / الإيرانية وهو الهدف الذي سعى إليه النظام العراقي بعد فشل مغامرته العسكرية التي تصورها مجرد نزهة سريعة سيتبعها إستسلام إيراني تام يتوج بعدها صدام بطلا للتحرير القومي !! وكان ذلك مجرد أوهام لا صلة لها بالواقع الذي أثبت أن مغامرة صدام العسكرية قد خدمت النظام الإيراني و عززت مسيرته بدلا من أن تسقطه!، وقد كان موقع الكويت اللوجستي هدفا مغريا بحد ذاته لمختلف أطراف النزاع في الخليج، وبعد أكثر من 23 عاما من إنفجارات أواخر عام 1983 يمكن القول أن العديد من أسرار ما حدث لم تكشف بعد؟ وإن العناصر التي نفذت تلك التفجيرات لم يزل بعضها حي يسعى بل و يساهم بنشاطات إستخبارية و تنظيمية واسعة في العراق ومنهم المدعو (أبو مهدي المهندس)! أو السيد جمال جعفر محمد علي الذي تناولت بعض وسائل الإعلام سيرته مؤخرا وكنت قد أشرت في مقال سابق لي قبل شهور من أن ذلك الشخص هو عضو في البرلمان العراقي الحالي عن جماعة الإئتلاف الشيعي غير الموحد!
و الذي أثيرت سيرته في الآونة الأخيرة وهنا أود أن أدلي بدلوي في الموضوع بإعتباري أحد الشهود لتلك المرحلة كما أصابتني شظاياها بشكل غير مباشر! و تلك قصة أخرى وطويلة ولكنني أؤكد بأن التفجيرات التي حدثت في الكويت و التي أعقبتها عمليات إرهابية أخرى كانت ذروتها ما حصل يوم 25/5/ 1985 من عملية إغتيال جبانة لأمير الكويت الراحل المغفور له الشيخ جابر الأحمد كانت من تدبير الفرع المنشق لحزب الدعوة / تنظيم العراق وبمساعدة لوجستية فعالة من مركز عمليات القدس في الأهواز التابعة للحرس الثوري الإيراني، و المهندس جمال جعفر محمد كان قد هرب من الكويت قبل يومين من تنفيذ التفجيرات ومعه آخرون هربوا جميعا لإيران ولم يبقوا في الكويت كما قالت التقارير الصحفية، أما الذين أعتقلوا فقد حكم على بعضهم بالإعدام و لم ينفذ الحكم لعدم مصادقة الأمير الراحل عليه إلى أن جاء الغزو العراقي الغادر ليهرب المعتقلون صوب إيران وبمساعدة المخابرات الإيرانية أيضا ثم ليعودوا اليوم نوابا في البرلمان العراقي وزعماء ميليشيات و تنظيمات سرية!!، وبطبيعة الحال ونظرا للمشاهدات و المعرفة الشخصية فإنه لم يكن لدينا أدنى شك عن قوة المخابرات الإيرانية و خبرتها و تغلغلها سابقا في جسد المعارضة العراقية السابقة وهو الأمر الذي تشترك فيه أيضا المخابرات السورية التي تعرف كل شاردة وواردة عن الطبقة العراقية الحاكمة حاليا و التي لها في ملفات المخابرات السالف ذكرها أساطير و ملفات تفصيلية تبدأ من النشاطات التهريبية عبر (الخط العسكري بين دمشق وبيروت) وتمر بتزوير الجوازات و الوثائق لتنتهي في مقرات الحرس الثوري في الأهواز وحيث كانت تتدرب هناك فرق الموت و التخريب ورسل (تصدير الثورة الإسلامية) للعراق ودول الخليج العربية، وطبيعي القول أن أحزاب الإئتلاف الشيعية التي تضم فرقا و جماعات مختلفة الولاء و التنظيم لا يجمعها واقعا سوى (التشيع) ! فالمجلس الأعلى مثلا هو مؤسسة إيرانية قلبا و قالبا وتنظيما و تمويلا وولاءا وقد ناضل رجاله سابقا وبشكل علني من أجل إقامة دولة الولي الفقيه في العراق التي ستندمج في النهاية مع الدولة الأم في إيران لكي تتحقق آمال المستضعفين و توطئا الأرضية و الظروف المناسبة لظهور المهدي المنتظر الذي سيملأها عدلا بعد أن ملئت ظلما و جورا! وهذا السيناريو ليس خياليا بل أنه برنامج عمل مرحلي تعمل عليه الأحزاب المرتبطة بالنظام الإيراني، و بالفعل فإن ما نشاهده اليوم من فوضى عراقية عارمة هو جزء من ذلك السيناريو التغييري صاحب الجذور التاريخية الراسخة، أما العناصر العراقية التي مارست الأفعال الإرهابية في الكويت فهي معروفة في العراق اليوم بالإسم و الصورة و العنوان؟ و ما أبو مهدي المهندس إلا حلقة ضمن حلقات متشابكة من رسل (الولي الفقيه) من الناشطين في تسويق المشروع الإيراني في العراق .
[email protected]
التعليقات