ما كان مجرّد توقعاتٍ، أضحى الآن حقيقة واضحة، عارية : الحرب الأهلية في العراق ولبنان ؛ حربُ الأنظمة المستبدة، الفاسدة، على دول الجوار وشعوبها ؛ الأنظمة، التي على شاكلة عصابة quot; القرداحة quot;، البعثية، وأختها في ولاية فقيه quot; قم quot;. بقاء آخر قلاع الديكتاتورية في الشرق الأوسط، هوَ الثمن الفادح، المفترض أن تدفعه شعوبنا دماً ودموعاً ودماراً وتهجيراً. مَباحَة القتل هذه، المُسْتهَلة بالعراق، مُشيّعة ً خصوصاً شيعته، وعلى دفعات من الأشلاء، إلى قاع الأنهار وبقاع الخلاء. ألم يُنقل مرة ً على لسان فرعون البعث العراقي، المدحور، قوله حينما كان في منتهى سطوته وجبروته : quot; لن يستلم أحدٌ العراق، من بعدي، إلاّ وطناً بلا شعب ! quot;.. وها هوَ موطن الرافدين، يُترجم ذلك الكلام اللئيم، الحاقد، موتاً يومياً. إنه الموتُ نفسه، الإشتراكيّ، الذي كان يُوَزعُ ، بالتساوي ، على ملل ونحل البلد العريق ؛ عراق صدّام حسين، المنتهي بـ quot; فضل quot; سميّه هذا، إلى أن يكون البلد الغريق بمستنقع نجيع أهله، القاني. وهاهمُ أيتام الطاغية، البائد، الذين إسترجعوا الآن بعضاً من بوابات سلطتهم، المفقودة، بـ quot; فضل quot; حماقات إدارة الإحتلال الأمريكي، ومباشرة بُعيدَ تحرير البلد المنكوب بالديكتاتورية وزبانيتها.
قوافل القتل، المجانيّ، المُسَيّرَة يومياً في طرق ودروب موطن النهرين، ما كانت quot; مجاناً quot; تماماً : فثمنها كان حرية طوائفه وقومياته، التي عانت ما عانته على يد العصابة البعثية، المندحرة. وعليها الآن أن تتمزق أشلاء ـ كوطنها سواءً بسواء ـ بما أنها لا تفتأ مصرّة على الإحتفاظ بحريتها المُكتسبة للتوّ : هذا ما يتهددها به نظاما الدولتين المجاورتين ؛ سورية وإيران. هذه الأخيرة، الموصّفة نفسها كـ quot; مرجع quot; لمسلمي منطقة الهلال الخصيب، بحكم نظامها الأصوليّ المتركن على صرح ولاية الفقيه ؛ لن تكفّ عن التدخل بشؤون المنطقة حتى تتحوّل فعلاً إلى quot; هلال شيعيّ quot;، ممتدّ من quot; قم quot; وعبرَ quot; مدينة الصدر quot; إلى quot; الناقورة quot; ومروراً بـ quot; القرداحة quot; !.. وإذ عارضت جمهوريتنا الإيرانية هذه، الإسلامية، حرب تحرير العراق من طاغيته التكريتي ، خشية ما سيعقبه من النقيض الديمقراطي ؛ فها هيَ ذي هنا، ترعى ذئاب الطائفية، المنفلتة من سراديبها الظلامية ؛ من شاكلة quot; جيش المهدي quot; وزعيمه الأميّ . وفي الجهة الاخرى من الحدود، كان على الجار الآخر، البعثي السوريّ، أن يلجَ اللعبة الدموية نفسها وعلى طريقته الخاصة : فهذه العصابة، الطائفيّة البنية بتلوينها العلويّ الأحاديّ، والماحضة شرّها المستطير لأيّ تعبير سنيّ داخليّ، أكان سياسياً أو إجتماعياً ؛ هي ذاتها التي ما كان خبَرُ خلافها المتفجر مع عدوّها البعثيّ السابق، الصداميّ، إلا من من مبتدأ تصنيفه الطائفيّ ذاته . وهي العصابة، التي سيكون عليها منذ 9 نيسان 2003 أن تحتضن العدوّ ذاكَ، ململمة ً فلوله ومبلسمة جراحه ومانحة إياه من ثمّ دعماً لا محدوداً. ولا أدلّ على لعبة الشيطان تلك، من الدعوة التي وجهها بالأمس، وعبْرَ مؤتمره الصحفي، أحدُ أبرز الفلول الصدامية إلى quot; التيار الصدري quot;، للدخول في جبهة موحدة ضد حكومة بغداد، الحالية : أيْ نحنُ نتولى تصفية الشيعة، وأنتم تكونون غطاء لنا ؛ والعكس صحيح !.. هذا التيار، الذي هبّ على أرض الرافدين من جهة حدودها الإيرانية، كان قد هدد بالإنسحاب من الحكومة العراقية، في حال إجتمع رئيسها في عمّان مع بوش، الرئيس الأمريكي. وهذا ما جرى فعلاً. لن نتساءل هنا، عن مكان قادة وأفراد ذلك التنظيم المتطرف، قبل الإطاحة بصدام حسين على يد المحرر الأمريكي نفسه.. ؛ ولن نتساءل أيضاً، عن حمامات الدم التي غسل التنظيمُ مناطقَ بأكملها في وسط وجنوب العراق quot; تنظيفاً quot; لها، مذهبياً : بل نستفهم بعد كل شيء، عن هذا التوقيت، المُغرض، المُدشن فيه إنسحاب وزراء تنظيم quot; التيار الصدري quot; من حكومة المالكي؟؟.. إنه يُحيلنا، وبلا أيّ لبْس، إلى ما يجري الآن في لبنان.
هناك في بيروت، أينَ إستجابت الحشودُ، الشيعية، لنداء سيّد المقاومة، المنصور بالله، للنزول إلى الشارع ، في سبيل قيام ما أسماها بـ quot; حكومة الوحدة الوطنية quot; ؛ ثمة، حيث دماء أهل حكومة السنيورة، الشرعية المنتخبة، قد لطختْ أصلاً ذلك الشارع وطوال العامين المنصرمين ؛ الدماء العزيزة لرجالات الإستقلال اللبنانيّ، الذين سقطوا إغتيالاً منذ الشهر الشاهد على الشهيد الأول ؛ الرئيس رفيق الحريري. النظام السوريّ، المُوَصّف البنية طائفياً، هوَ من أشير إليه بإصبع الإتهام منذ لحظة الإغتيال الأول ذاكَ. وهوَ من دفع ثمن الجريمة، الأوليّ (لأنه ثمة ثمن مؤجل، ينتظره في المحكمة الدولية !)، بإنسحاب جيشه ومخابراته من موطن الأرز. إستسهال الفرار من ذلك الموطن، كان بمساهلة الكثير من المراقبين كما لو أنه علامة على ضعف النظام الأسديّ. بيْدَ أنّ هذا الأخير، وبعقليته الأمنية أساساً، ما كان ليفكر بحال ٍ في ترك جنة جيرانه تلك لحالها : كان في تفكيره الخبيث الماكر، اللعب بالمسألة الطائفية ومنذ البداية المحتمة إنتهاء وجوده هناك. إنه مع حليفه الإيراني من قام برعاية quot; الحزب الإلهي quot;، عبر عقديْن كامليْن من أعوام الوصاية، حتى أمكنَ جعله دولة داخل الدولة اللبنانية. والآن، إثر تطويبه quot; منتصراً quot; في حرب تموز، سيكون على حزب آيات الله هذا، أن يصير الدولة الوحيدة في لبنان ؛ وهذه المرة، تحت يافطة كبيرة، تقول كلماتها : quot; نريد حكومة نظيفة quot;. قمامة عصابتيْ quot; قم quot; و quot; القرداحة quot; تلك، المدعية كونها مقاومة، تتكلم إذاً عن النظافة !.. وتنظيم quot; التيار العوني quot;، المُرْتهَنُ لأنانية زعيمه وضيق أفقه، مطلوب منه أن يكون غطاءً طائفياً، مسيحياً، للإنقلاب العسكري ، السافر، على حكومة السنيورة الدستورية ؛ تماماً كما هو حال quot; التيار الصدري quot; في العراق مع حكومة المالكي المنتخبة، الشرعية.
quot; من المهم إحترام خيارات الشعب اللبناني في إقامة حكومة وحدة وطنية، كما تمّ التعبير عنها من خلال التظاهرات الحاشدة التي شهدتها بيروت quot; : هذه الجملة، الحكيمة، لم يتفوه بها مسؤول ما في حكومة غربية أو شرقية، ديمقراطية ؛ بل وردت على لسان نائب وزير الخارجية السوري.. سنوفر على القاريء الكريم، إشارات التعجّب اللازمة هنا. ولكننا لن نتوانى عن مساءلة وزيرنا الخطير هذا، عن حكومة بلاده، الوطنية، ومن أيّ طينة وحدوية هيَ.. ؛ وما إذا كانت قد أقيمت بعيد التظاهرات الشعبية الحاشدة التي شهدتها ساحات دمشق، أم أنها تشكلت إثر إنتخابات حرة، ووفق الدستور الديمقراطي؟؟.. بعبارة اخرى ، يقول لنا وزيرُ العصابة الطائفية، (ذات الرتوش السنية)، أنّ قدَرَ لبنان، الشقيق، أن يكون مثلنا في سورية، بلداً محكوماً بالإنقلابات العسكرية لا بالإنتخابات الديمقراطية المستندة إلى الدستور.. يقول لنا، أنّ المتاجرة بشعارات التحرير هيَ المبرر الأول لكل نظام إنقلابيّ ـ كنظامنا البعثي، المتأبّد منذ نيّف وأربعين سنة ؛ وهيَ نفس المدة التي شهد فيها لبنان عشرات الحكومات المنتخبة.. يبشرنا وزيرنا إذاً، أنّ نظام لبنان القادم على أسنة صواريخ نصر الله سيصبحُ غيرَ مؤسس على تفاهم مكوناته الوطنية، بل على تسلط طائفة واحدة، مختارة ؛ حاله في ذلك حال سورية / جمهورية الموز المملوكة لعائلات ريفية ، جشعة، لا تعرف من أين قرعة أبيها..
التعليقات