مع نزول quot;حزب اللهquot; ألى وسط بيروت لتعطيل الحياة في قلب العاصمة اللبنانية، يبدو واضحاً ما هي quot;الأهداف المرجوّةquot; التي يتحدّث عنها الحزب عبر قيادييه، حين يقول هؤلاء أن التظاهرات ستستمر وأنّ الأعتصام في الشارع لا عودة عنه قبل تحقيق هذه الأهداف. في مقدّم الأهداف، ياتي بالطبع أسقاط الحكومة اللبنانية بغية خلق فراغ سياسي في البلد. الأكيد أن مثل هذا الخطاب السياسي الفارغ الذي تخصصت به أدوات النظام السوري لا أفق لبنانيّاً له وهو يصبّ حيث يجب ان يصبّ، أي في خدمة المحور الأيراني- السوري الذي لا يصبو سوى ألى التوصّل ألى صفقة مع الأدارة الأميركية على حساب لبنان واللبنانيين.
ما يبدو واضحاً أيضاً أن quot;حزب اللهquot; أتخذ قراره ونجح في جرّ النائب العماد ميشال عون ألى مشروعه الهادف ألى تعطيل الحياة في لبنان وأدخاله في حروب داخلية متعددة الشكل. بعض هذه الحروب بين المسيحيين والمسيحيين والبعض الآخر بين المسلمين والمسيحيين والبعض الثالث بين المسلمين والمسلمين. تتوّج كلّ هذه الحروب، حربٌ أقتصادية على لبنان من أجل أفقار اللبنانيين وتهجيرهم وجعلهم تحت رحمة الذين يعتقدون أن في أستطاعتهم المحافظة على السلم الأجتماعي في البلد وأنّ من دونهم لا وجود لهذا السلم، بل لا وجود للبنان!
المطروح حالياً تنفيذ المرحلة الأخيرة من الأنقلاب على الشرعيّة اللبنانية . يشارك في هذه المرحلة رئيس للجمهورية لا يدرك أنّه رئيس غير شرعي قبل أيّ شيء آخر، نظراً ألى أن القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن يعتبره كذلك. منذ متى تقضي مصلحة لبنان والعرب عموماً بالوقوف في وجه الشرعيّة الدولية؟ أوليس الوقوف في وجه الشرعية الدولية، كما يفعل أميل لحّود خدمة لأسرائيل؟ ما يثير القلق الشديد من نيّات المحور الأيراني- السوري الذي يتحكّم بquot;حزب اللهquot; وأدواته من أمثال أميل لحّود وميشال عون أن المحكمة الدولية تشق طريقها. وبكلام اوضح، أن قافلة المحكمة الدولية تسير، فيما لحّود وعون لا يجدان غير الصراخ والدعوة ألى العصيان المدني سبيلاً للوقوف في وجهها. أن يعترض أميل لحّود على المحكمة الدولية حتى لو تظاهر بأنّه يؤيّدها أمر طبيعي. أنّه في الواقع الأمر أكثر من طبيعي متى أخضعت تصرّفات الرئيس غير الشرعي للجمهورية بعد أغتيال الرئيس رفيق الحريري لتحليل أقلّ من عادي. ألم يدعو أميل لحّود ألى تنظيف مسرح الجريمة على وجه السرعة وفتح الطريق أمام السير وكأنّ شيئاً لم يكن... وكأنّ أغتيال رفيق الحريري أمر عادي، أي quot;رذالةquot;، على حدّ تعبيره، وأنّ كل شيء سيعود ألى طبيعته على غرار ما حصل بعد أغتيال كمال جنبلاط وبشير الجميّل والمفتي حسن خالد والرئيس رينيه معوض، حتى لا نذكر عشرات آخرين؟
ما يشهده لبنا في الوقت الراهن أكثر من طبيعي. هناك محور أقليمي يعتبر البلد quot;ساحةquot; يخشى من أستعادة لبنان أستقلاله وحرّيته وسيادته. ولذلك أغتيل رفيق الحريري، ولهذا السبب وليس لغيره، كان أغتيال الأحبّاء سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ومحاولة أغتيال مروان حماده والياس المرّ والعزيزة مي شدياق. ولذلك أيضاً أغتيل رمز الحرّية والأستقلال والكلمة الجريئة والعروبة الصادقة الشيخ بيار أمين الجميّل النائب والوزير المطلوب أسكاته لأنّه كان يقول الحقّ ولا شيء غير الحقّ في مجلس الوزراء وخارجه.
يمكن فهم تصرّف quot;حزب اللهquot; الذي يخشى المحكمة الدولية من منطلق أنّه يخشى على النظام السوري الذي يُعتبر بالنسبة أليه جسراً حيوياً يربط بين النظام الأيراني والأراضي اللبنانية. كذلك يمكن فهم التصرف الذي يقدم عليه الحزب من الزاوية الأيدولوجية. أنه حزب مذهبي ينتمي بشكل صريح ألى مرجعيّة أيرانية تتمثّل في quot;مرشد الثورةquot; السيّد علي خامنئي. ولكن ما لايمكن فهمه هو كيف يستطيع شخص مثل ميشال عون، كان يدّعي ألى ما قبل فترة قصيرة أبوّة القرار 1559 ، الدعوة ألى النزول ألى الشارع، بل المبادرة ألى النزول ألى الشارع وتغطية كلّ ما أرتكبه ويرتكبه quot;حزب اللهquot; أو أميل لحّود ومن لفّ لفه من سياسيين يخجل المرء من ذكر أسمائهم من فظاعات؟ ما هو السرّ الذي يدفع ميشال عون ألى أتخاذ الموقف الذي يتّخذه في حال وضعنا جانباً جنون العظمة الذي يتحكّم بتصرفات رجل ينام كلّ يوم وهو يحلم بأنّه صار رئيساً للجمهورية؟
السرّ معروف. بل أكثر من معروف. لا حاجة ألى تحديد ما هو السرّ. الحاجة أكثر من أي وقت ألى طبيب نفسي يساعد ميشال عون في أستعادة بعض صوابه والتوقّف عن الدخول في لعبة لن تؤدي سوى ألى خراب لبنان. هل طبيعي ألاّ يجد من يدعو quot;الجنرالquot; ألى سؤال quot;حزب اللهquot; عن السبب الذي دفعه ألى توريط لبنان في حرب الصيف التي لم تجرّ على البلد وعلى مواطنيه سوى الويلات؟ هل طبيعي ألاّ يكون هناك من يسأل عون كيف يستطيع تغطية الخراب الي سيحلّ بلبنان في الشتاء جراء التظاهرات التي قرّر المشاركة فيها؟ غريب أمر هذا الرجل الذي لا يريد أن يسمع سوى ما يقوله له quot;حزب اللهquot; الذي همّه مصلحة النظام الأيراني أوّلاً. هذا الأمر مبرر مثلما مبرر أن يكون الحزب السوري القومي الأجتماعي في خدمة الأجهزة السورية، بل أمتداداً لها من منطلق أنّه لا يؤمن بلبنان، بل بسوريا الكبرى؟ هل صار quot;الجنرالquot; أيضاً من جماعة سوريا الكبرى أو من جماعة أيران الكبرى التي في وسعها الهيمنة على القرار العربي عموماً واللبناني المستقلّ خصوصاً؟ عش دهراً ترى عجباً. هذا ما نراه اليوم في لبنان حيث قائد سابق للجيش يضع نفسه في خدمة الأنقلاب على الشرعية اللبنانية وعلى كلّ ما له علاقة بالحضارة في لبنان...نعم قائد سابق للجيش يقبل الدخول في لعبة أثارة الغرائز الطائفيّة والمذهبية، خصوصاً بين السنّة والشيعة وكأنّ المنطقة لا يكفيها ما يشهده العراق. هل بدأت العدوى العراقية تعمّ المنطقة وتنتشر فيها... ضحيّتها الأولى لبنان؟