لا يحتاج رئيس الوزراء اللبناني السيّد فؤاد السنيورة شهادات في الوطنية. الأكيد أنّ آخر ما يحتاجه هو ألى شهادة من الأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيّد حسن نصرالله ن الذي أدخل لبنان في دوّامة حرب الصيف الماضي التي لم تستفد منها ألاّ أسرائيل. ولا يحتاج الرئيس السنيورة اللبناني الصميم والعربي الحقيقي، خصوصاً، ألى شهادة في الوطنية من حزب مذهبي لا يعمل حالياً سوى على القضاء على كلّ ما هو حضاري في لبنان. وهذا يعني في طبيعة الحال القضاء على البلد في خدمة مخطط أقليمي واضح المعالم يستهدف كلّ ما هو عربي، مخطط وضع نفسه في خدمة كلّ ما يؤدّي ألى شرذمة المنطقة. هل من خدمة تقدّم لأسرائيل، الدولة القائمة على دين، أفضل من خدمة أثارة النعرات الطائفيّة والمذهبيّة في الشرق الأوسط. ربّما تكمن المشكلة الأولى لquot;حزب اللهquot; في أنّه لا يعرف كيف يخسر ولا يعرف كيف يربح، علماً بأنّه أن تعرف كيف تخسر في السياسة والحرب، أهم بكثير من أن تعرف كيف تربح. وحده من يعرف كيف يخسر يمكن أن يربح يوماً. والدليل على أنّه لا يعرف كيف يخسر ولا كيف يربح، أنّه عندما ربح، لم يوظف أنتصاره في خدمة لبنان واللبنانيين، بل وظّفه في خدمة الذين تبيّن أنّه يعمل لديهم، أي النظام الأيراني، حيث مرجعيّته الأولى والأخيرة. وعندما خسر، حوّل خسارته ألى ربح لمن يعمل لديهم ولحسابهم ... وهزيمة للبنان واللبنانيين، غير مدرك أنّه لا يمكن ألاّ أن يخرج خاسراً في المدى الطويل، لا لشيء سوى لأنّ لبنان هو الملجأ الأخيرلكلّ لبناني بغض النظر عن الطائفة أو المنطقة التي ينتمي أليها.
في العام 2000 ، أنسحبت أسرائيل من جنوب لبنان، وأقّرت الأمم المتحّدة بلسان الأمين العام للمنظّمة الدولية كوفي أنان وعبر مجلس الأمن، بأنها نفّذت القرار الرقم 425 الصادر في آذار- مارس من العام 1978 . وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت الدولة اليهودية ألى الأنسحاب وما أذا كان ذلك مرتبطاً بأستراتيجيّة معيّنة تستهدف الأنصراف ألى الشأن الفلسطيني وتركيز الأهتمام عليه في تلك المرحلة بالذات ،أم لا، يبقى أن quot;حزب اللهquot; سعى ألى توظيف أنتصاره في غير مصلحة لبنان وذلك عن طريق أصراره على أيجاد أسباب واهية لعدم تمكين الجيش اللبناني من الوصول ألى quot;الخط الأزرقquot; تنفيذاً للرغبات السورية من جهة والأصرار الأيراني على أبقاء لبنان ينزف عن طريق جبهة الجنوب المفتوحة من جهة أخرى. وquot;الخط الأزرقquot; هو بالنسبة ألى الأمم المتحدة الخط الذي كان الأسرائيليون خلفه قبل أقامة quot;حزام أمنيquot; في جنوب لبنان.
كان مطلوباً بكلّ وضوح وبمنتهى الوقاحة أبقاء لبنان بلد المواجهة الوحيد مع أسرائيل، كي يتمكّن النظام السوري من القول أن هناك ربطاً بين جنوب لبنان والجولان المحتل، الجولان الذي لم تطلق منه رصاصة منذ العام 1974. كان على لبنان تحمّل كل الأعباء خدمة للمحور الأيراني- السوري الذي صار أكثر من تحالف عضوي بين نظامين، بعدما أستطاعت أيران بفضل quot;حزب اللهquot; ملء الفراغ الأمني الذي خلّفه الأنسحاب العسكري السوري من الأراضي اللبنانيّة في نيسان- أبريل من العام 2005. حصل ذلك، بعدما نزل سنّة لبنان ألى الشارع أثر أستشهاد رفيق الحريري. منذ ذلك اليوم، صار النظام السوري وquot;حزب اللهquot; حليفين، يلتقيان عند معلّم واحد هو النظام الأيراني. قبل ذلك، كان هناك توازن مختلف للقوى بين الحزب والنظام السوريلسببين على الأقلّ. الأوّل الوجود العسكري السوري في لبنان، والآخر عدم تحوّل دمشق ألى تابع للنظام الأيراني الطرف الوحيد القادر على تعويض وجودها العسكري المباشر في لبنان...
لم يحسن quot;حزب اللهquot; الأنتصار بعد تحرير الجنوب في العام 2000 ولم يُجد التعاطي مع الخسارة في العام 2006 حين وفّر كلّ المبرّرات لأسرائيل، كي تهاجم لبنان ووتدمر ما تيسّر لها من بنيته التحتية وتهجّر عشرات الآلاف من بيوتهم وقراهم وبلداتهم. حوّل quot;حزب اللهquot; الخسارة على لبنان. ألى ماقبل أيّام كان الحزب يطالب بالأسرى اللبنانيين الثلاثة، واحدهم يدعى سمير القنطار، فيما هناك أسير آخر يريد البقاء في أسرائيل، في حين أن مصير الثالث ليس معروفاً. ولكن تبيّن في نهاية المطاف، أن quot;حزب اللهquot; يريد الحيّ البيروتي المعروف بالقنطاري( حيّ راق) ولا يريد القنطار...
ولكن بعيداً عن المزاح وعن القنطار والقنطاري، تبيّن بوضوح أن تداعيات حرب الصيف ما زالت تتفاعل. وبدل أن يتعلّم quot;حزب اللهquot; شيئاً من نتائج الحرب، أذا به يمارس عملية هروب ألى أمام تتمثّل بالتصعيد ولا شيء غير التصعيد حتى ولو أدى ذلك ألى فتنة طائفية ومذهبية في البلد. ولكن ما همّ quot;حزب اللهquot; ما دامت الفتنة الطائفية والمذهبيّة تخدم النظام السوري الذي يرفض العالم الدخول معه في أي مساومة في شأن المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية أغتيال الرئيس الحريري، وما دامت الفتنة تخدم النظام الأيراني الذي يعتبر القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن موجّها ضدّه في المقام الأوّل؟
من أجل عرقلة المحكمة ذات الطابع الدولي ومن أجل ألاّ تكون هناك حكومة لبنانية تسعى ألى تنفيذ القرار 1701 بما يتلاءم ومصلحة لبنان، يبدو quot;حزب اللهquot; على أستعداد للذهاب بعيداً في التصعيد، أيّاً يكن الثمن الذي سيترتّب على لبنان. أنه حزب لا يهمّه ما أذا كان لبنان سيُذّمر نظراً ألى أن مصالحه مرتبطة بالخارج. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان فكّر في آلاف العائلات المتضررة من أغلاق قلب بيروت وفي النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتّب على الشحن الطائفي والمذهبي الذي لا يغطّيه الأتيان بيتامى الأجهزة السورية الجدد والقدامى لتوجيه خطابات في المعتصمين وسط بيروت. ولكن ما العمل مع حزب يعتبر أنّ ليس لديه ما يخسره عندما يحلّ الخراب بلبنان واللبنانيين ويضطر عشرات الآلاف ألى الهجرة والتشرّد؟