لا اريد الخوض ثانية في حديث عن خطب الجمعة.
لكني اعجز في الوقت ذاته عن الصمت على الخطأ.
اتحدث الآن عن لقاء ديني جمعني باصدقاء بعد صلاة جمعة.
للحق اقول ان اللقاء كان جيدا، ومفيدا، لكنه انتهى بنصف معركة.
تناول اللقاء عدة قضايا دينية. من بين ما تناول: اللباس الشرعي للنساء والرجال.
ما شاركت برأي فقهي في اللقاء، فلست عالم شريعة او عالم دين لأفتي.
لكن لفت انتباهي مسألة اللباس الشرعي للرجال. أفهم تماما ان يكون هناك لباس شرعي للمرأة بتفاصيله الكثيرة، لكن للرجال...ذاك ما لا افهمه؟!
ما أراه ان المهم للرجل هو ان يبدو نظيفا وحسن المظهر. هكذا يريده الشرع، سواء اكان اللباس ثوبا، او بنطالا. وسواء اكان الثوب طويلا ام قصيرا. لا فرق.
شخصيا، لست ارى المظهر الجميل في ثوب ينكمش حتى الركبة. ولا في لحية تتناثر بلا تشذيب. رغم ذلك احترم قرار الانسان في ارتداء ما يحب ان يرتدي، وان يبدو كما يريد ان يكون.
الا ان مسألة الثياب لم تكن هي ما اثار انتباهي هنا، بل الخوض في موضوع كهذا...
وللتوضيح اقول إنني استغرب اغراقنا اليومي في تفاصيل التفاصيل.
لأننا بذلك نجهد انفسنا في اشياء صغيرة، على حساب ما هو اكثر حاجة للنقاش والبحث.
وفوق ان الاغراق في التفاصيل يصرفنا عن المهم والضروري، فانه يستنزف طاقتنا في التفكير بأشياء اجتهادية، لن يتأثر ايماننا ان تمسكنا بها او تخلينا عنها.
يجب ان نبذل جهدا في علوم الدين، بقدر نفس الجهد في علوم الدنيا. لا استنزاف كامل طاقتنا في تفاصيل ثانوية لا تأخذنا الى اي اتجاه.
كما هي قصة الثوب الشرعي الذي قضى اصدقائي ساعة يناقشون تفاصيله. ايطول حتى الركبة، او يقصر تحتها بوصة او بوصتين؟
يزيد الوضع سوءا وجود من يغالي الى حد التكفير من اجل جزئيات كهذه لا تؤثر في جوهر الايمان بشيء.
وهؤلاء جاهزن ليبرهنوا على رأيهم بالاعتماد على ألف حديث نبوي.
وهذه قضية اخرى..
فأولا، أحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، أتت لتفسير ما صعب تفسيره علينا، لا ان تزيد الامور تعقيدا.
ثانيا، انه لا ينبغي ان نعطي الاحاديث صفة القدسية. فيصبح كلام الرسول معادلا لما جاء في القرآن الكريم. صدق الله تعالى القائل في كتابه عن نبيه: وما ينطق عن الهوى.
لكن هذا كلام الله تعالى. وكلام الله وحده المحفوظ. وحده الذي لا يتغير. اما الحديث فكلام بشر، لا نعلم الضعيف منه قطعا، ولا الصحيح منه قطعا.
واذا قال قائل ان هناك ما هو ثابت من الاحاديث بالقطع، فإني اسأل: وما الدليل على الثبوت القطعي؟ هل انها وردت في صحاح الشيخين بخاري ومسلم؟
حسنا، وما يضمن ان ما نقله الشيخان لا يحمل خطأ غير مقصود؟
البخاري اتى بعد وفاة الرسول الكريم بقرن ونصف. وهو فاصل زمني قادر على تغيير الكثير من البشر.. والكلمات!
نحن امام دين متطور يرتقي بالانسان الى الامام، لا دين يدفعه الى الوراء باستنزاف فكره في ثوب طويل او قصير.
لنبتعد عن الاغراق في التفاصيل التي تستنزف قوانا، ولنأخذ بأيسر الحديث دون ان نعطيه قدسية القرآن، فنعيش في دائرة ضيقة لا خروج منها.
[email protected]