ضمن باب أجراءات المحاكمة المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل، أورد المشرع القواعد الاساسية العامة في المحاكمة، وهذه القواعد تلتزم بها المحكمة والمشتكي والمتهم ومحامي المتهم والمشتكي معاً والذين اطلق عليهم القانون الخصوم ووكلائهم ، وهذا القانون هو مجموعة القواعد الشكلية التي تنظم وتحدد وظائف السلطات القضائية والتنفيذية بالأضافة سير الأجراءات القانونية في دوري التحقيق والمحاكمة وأنواع المحاكم الجزائية وأصول العمل فيها وطرق الطعن وتنفيذ القرارات.

وحين تعقد المحكمة جلسات محاكماتها فأنها تمارس طقساً بشرياً مقدساً، فتطبيق العدالة والأحكام الصادرة بموجبها مستمدة من ترتيب الحقوق، أذ أن مفاهيم العدالة والتطبيق السليم للنصوص القانونية تتزامن مع مفهوم الأستقلالية التي يتمتع بها القضاء العراقي، لتكون سلطة السماء هي المراقب الوحيد للحسم البشري للقضية المعروضة أمام القاضي أذ لاسلطة فوق سلطة القضاء سوى القانون.

وفي سبيل أن تكون لهذا الطقس ليس فقط الهيبة التي تتناسب مع احترام سوح القضاء، وانما الخضوع التام لما ستقرره المحكمة أخيراً في قرارها تجريماً او براءة، بعد تدقيق كل ما توفر أمامها في القضية من أدلة في حال كفايتها أو عدم كفايتها، لتصدرقرارها العادل.

في سبيل تلك النتيجة ينبغي ان يكون للمحكمة قواعدها وأصولها التي تعمل بموجبها لتحقيق ذلك، ولهذا فان ضبط الجلسات في المحاكمات الجزائية او المرافعات المدنية منوط بالقاضي المسؤول رئيسا لمحكمة الجنايات كان او قاضيا في المحاكم المدنية، وهذه المسؤولية تقديرية توجب على القاضي أن يقوم بتطبيق المساحة القانونية والصلاحية التي وفرها له القانون في سبيل أن يضبط المحكمة التي يسبغ عليها قدرته وشخصيته في التطبيق القانوني السليم ، حيث يتمتع رئيس المحكمة بسلطة له بمقتضاها الحق في ان يتخذ من تلقاء نفسه جميع التدابير التي يراها تؤدي الى تامين العدالة.

فلرئيس المحكمة أستناداً لنص المادة ( 152 من الأصول الجزائية ) أن يمنع أي شخص من مغادرة قاعة المحكمة، وعلى هذا الأساس فأن قاعة المحكمة ليست حديقة عامة أو مكان يمكن للداخل أن يخرج منه ويعود ليدخل متى مايريد، وأنما يتوجب على الداخل أن كان من أصحاب العلاقة في القضية المنظورة أن يتخذ من مكانه المخصص له، وأن يلتزم بالتحدث عندما يأذن له القاضي، أذ لايمكن قبول أن يتحدث الطرف متى شاء وفي الوقت الذي يريد أو يسترسل في الكلام رغم تحذير أو تنبيه القاضي له بلزوم التوقف عن الأسترسال. كما أن المتفرجين من المواطنين الذين يحضرون الجلسات العلنية في قاعة المحكمة يلتزمون الصمت والأنصات لما يقال ويجري، فيمنع عليهم الكلام مع بعض أو التدخين أو أحداث أي تشويش من شأنه أن يؤثر سلباً على سير المحاكمة.

وعند حدوث خلل وتصرف غير مقبول من قبل أي طرف من الأطراف، فلرئيس المحكمة أن يقرر أخراجه من قاعة المحكمة، ولكن اذا تمادى هذا الطرف وحاول أن يمانع في ذلك جاز لرئيس المحكمة ان يقم باصدار قراره بحبس هذا الطرف حبسا ً بسيطاً لمدة 24 ساعة ويتم اخراجه بالقوة من قاعة المحكمة من قبل الحراس المكلفين بتطبيق تلك الاوامر والعقوبة.

ومع ان ضبط الجلسة والمحافظة على النظام والهدوء فيها منوط برئيس المحكمة وله ان يتخذ الاجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك، الا ان المادة 158 من قانون أصول المحاكمات الجزائية جوزت ابعاد المتهم عن جلسة المحاكمة اذا وجدت اثناء نظر القضية انه وقع منه ما يخل بالجلسة او صدر عنه تشويش او عدم التزام باوامر رئيس المحكمة ، وهذا الاخلال تقدره المحكمة بأي شكل من الاشكال، وتستمر المحكمة في اجراءاتها القانونية وتكون الجلسة حضوريا بالرغم من أخراج المحكمة للمتهم من قفص الأتهام ومن قاعة المحكمة.

وقد نصت القاعدة ( 54 ) من قواعد الأجراءات وجمع الادلة الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا على تطبيق أحكام النصوص الواردة في قانون اصول المحاكمات الجزائية بالنسبة لأصول المحاكمات التي تجريها، وفي هذا الأمر فأن على محكمة الجنايات أن تلتزم بالنصوص الواردة في الأجراءات الجزائية.
ومن خلال ذلك فأن جميع الأجراءات التي أتخذتها المحكمة بطرد المتهمين صدام حسين وبرزان أبراهيم وبقية المتهمين بالنظر لأحداثهم أخلالاً بجلسة المحكمة وعدم أمتثالهم للتنبيه الذي صدر من رئيس المحكمة مطابقاً للقانون ، مع ان الاصل انه لايجوز استبعاد المتهم عن جلسات المحكمة لان في ذلك اخلالا بحقه في الدفاع،ولكن وقوع الاخلال والتشويش من المتهم يستدعي ذلك حيث تستمر المحكمة في الاجراءات، فيكون الأجراء الخاص بالطرد قانونياً ومتطابقاً مع النصوص الواردة في أصول المحاكمات الجزائية.

كما نصت المادة 154 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على ان للمحكمة ان تمنع وكلاء الخصوم من الاسترسال في الكلام اذا خرجوا عن موضوع الدعوى او كرروا اقوالهم او اخلوا بنظام الجلسة او وجه احدهم الى الاخر او الى شخص اجنبي عن الدعوى سبا او طعنا لايقتضيه الدفاع، بالأضافة الى كون القاعدة ( 31 ) من قواعد الأجراءات التي نصت على أنه أذا رأى القاضي أو محكمة الجنايات أن سوء سلوك المحامي قد اصبح هجومياً أو ماساً بالمحكمة العراقية العليا وماساً بهيبتها أو معوقاً للأجراءات فله أو لها أن تتخذ بحقه الأجراءات القانونية، كما يجوز للمحكمة أشعار الهيئة المهنية ( نقابة المحامين ) المنظمة لسلوك المحامي في دولته بأي سوء سلوك صادر منه، وهو ماحصل في الجلسة المؤرخة في 1 شباط 2006 والتي قرر فيها رئيس المحكمة طرد أحد المحامين العرب بالنظر لأخلاله بالجلسة وتعديه على كرامة المحكمة ومحاولة تعويق الأجراءات القانونية بالأضافة الى عدم أمتثاله لأوامر رئيس المحكمة بالصمت وأستمراره بالتحدث دون أذن وموافقة المحكمة وفي حديث لاعلاقة له بالقضية المنظورة.

كما أن أنسحاب فريق الدفاع عن المتهمين صدام وجماعته يعتبر أخلالاً بواجبات المحامي ونكوصاً عن أداء المهمة والواجب الذي قبلوا القيام به، فقد اوجب قانون المحاماة على المحامي ان يلتزم بما تفرضه عليه قواعد المهنة في الدفاع عن موكله، وان يدافع عن موكله بكل امانة واخلاص ويكون مسؤولا في حالة تجاوزه حدود وكالته او ارتكابه خطئه الجسيم ، وبالنظر لأنسحاب فريق الدفاع عن المتهـــم صدام مرتين وقيام المحكمة بتطبيق احكام المادة ( 144 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والقاعدة ( 30 ) من قواعد الأجراءات بتكليف محامين منتدبين من نقابة المحامين للدفاع عنهم، ودفع أجورهم من خزينة الدولة، مما يوجب على فريق الدفاع أعادة الأجور التي تقاضوها من الجهات التي كلفتهم بالتوكل والدفاع عن المتهمين المذكورين، سواء كانت شركات أو شخصيات أو عوائل المتهمين، فقد ترتب في هذا الأنسحاب أمرين مهمين، بالرغم من كون فريق الدفاع يعلن أنه علق الحضور في الجلسات مؤقتاً ريثما يتم تلبية طلباتهم ليبقي خط للرجعة في الحضور والعودة فيما أذا تمت محاصرتهم قانوناً.

فقد ترتب على فريق الدفاع عدم امكانية العودة الى حضور جلسات المحكمة حيث أنسحبوا من جلساتها وأعلنوا انسحابهم طوعياً بعد طرد أحد الأعضاء من قاعة المحكمة، وقيام المحكمة بأكمال الخلل القانوني بتوكيل محامين منتدبين، مما يغني عن حضور الفريق المنسحب، وفي هذه الحالة لايمكن لهم العودة الى عملهم بالرغم من اعلانهم طلبات لاتمت للعمل القضائي والقانوني بصلة ودون أي اعتبار لموجبات النصوص القانونية، فأن عودتهم مناطة بموافقة رئيس المحكمة والتي توجب القوانين النافذة عليه أن يتخذ الأجراءات القانونية المشار اليها في نص الفقرة ( ثانيا من القاعدة 31 ) من قواعد الأجراءات وجمع الأدلة الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا، ومن جهة أخرى فقد ترتب بذمتهم أعادة الحقوق المقبوضة التي لم يعد أستحقاقها موجباً قانوناً وحيث لم يباشر الفريق بعمله القانوني المناط به في القضية وانسحبوا مرتين لأسباب لم تعد لها علاقة بسير العملية القضائية.

كما أن كلمة ( تعليق ) لاتجد لها حضوراً في القوانين الجزائية العراقية، أذ أن مهمة المحامي أن يدافع عن موكله ولايمكن قبول التخلي عنه، هذا من جانب ومن جانب آخر فأن أنسحاب وكلاء المتهمين يعني أخلالهم بموجبات الأمانة الملقاة على عاتقهم في مهنة المحامي، ولم تفسر المحكمة أنسحابهم سوى تخليهم عن مهمة الدفاع عن المتهم، ولذا فأن من يتخلى عن هذه المهمة لايمكن له تبرير تخليه بوجود طلبات شخصية أو وهمية يريد تحقيقها حتى يمكن أن يفكر بالعودة لممارسة مهنته في القضية المعروضة، فالأنسحاب هو أعلان جدي وعملي في التخلي عن الأستمرار في عمل الدفاع عن المتهم، وبعد ان قررت المحكمة تعيين محامين منتدبين من نقابة المحامين العراقيين ومباشرتهم المهمة، ومقابلتهم للمتهم لتنسيق الدفاع، لم يعد أي مبرر قانوني يمكن فريق الدفاع المنسحب من العودة، ولم يعد يحق للقاضي أن يقبل حضورهم بعد أنتداب المحامين وفقاً لأحكام الجملة د من الفقرة رابعاً من المادة ( 19 ) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا التي نصت أن يحاكم المتهم حضوريا وبالأستعانة بمحام يختاره بملء أرادته أو اعلامه بان له الحق بطلب المساعدة القضائية أذا لم تتوفر لديه المقدرة المالية، وله الحق بطلب تلك المساعدة التي تتيح له توكيل محام دون أن يتحمل أجورالمحاماة، والذي اكدته المادة ( 144 ) من قانون الاصول، وعلى المحامي المنتدب ان يحضر جلسة المحاكمة ويدافع عن المتهم او ان ينيب عنه من يقوم مقامه من المحامين والا فرضت عليه المحكمة غرامة مالية مع عدم الاخلال بمحاكمته انضباطيا.