لم تزل هذه العبارة تتردد في العديد من المقالات ونشرات الأخبار بقصد أن تترسخ في الذهن أن الكورد قوم يسعون الى الأنفصال في كل زمان ومكان.
وليس غريباً أن تستعمل السلطات القمعية التي عاش الكورد في العديد من البلدان التي تحكمها هذه العبارة في بياناتها وتصريحاتها المعادية للكورد، فلم تقتصر الحكومة التركية على أطلاق هذه الصفة أنما أتفقت جميع السلطات علىها حين تريد الدفاع عن شوفينيتها وأساليبها القمعية الخاسرة.فماهي حقيقة الأنفصال؟ وماهي حقيقة مايريده الكورد بعد هذا؟

وبالتبسيط المخل نسمع أن الوطن واحد ولكن الكورد يريدون تمزيقه، ونحن من اجل ان نسعى لوحدة الوطن والتراب المقدس ينبغي عليـــنا ان نحارب تطلعات الكورد (غير المشروعة) والتي تريد تمزيق وحدة الوطن وتسعى لتمزيقه وأضعافه. وفي خبر منشور في صحيفة إيلاف يوم 9 شباط الجاري يقول: quot;اكد المحامون الايطاليون المكلفون الدفاع عن عبــــد الله اوجلان ان الزعيم الكردي التركي الانفصالي اصيب الثلاثاء بجلطة وهو quot;في حالة خطيرة.quot;

ونلاحظ الاصرار والتأكيد على قضية الأنفصالي في الخبر، وللحقيقة فأن القضية الكوردية لم تزل من أدق وأصعب القضايا التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط حيث يكون وطن الكورد، فقد تم تقسيم الكورد ضمن أكثر من دولة تم توزيعهم وفقاً للنزاعات الدولية وتعدد المصالح، وليس من السهل ان نتنكر لعواملالجغرافية والتاريخ والوجود الفعلي للأمة الكوردستانية مهما كانت التبريرات والأسباب، فقد شكل الشعب الكوردي أحد أهم مكونات القوميات في المنطقة الى جانب العرب والأتراك والفرس، بالأضافة الى الأمتداد الجغرافي المتزامن مع الأمتداد التاريخي لشعب كوردستان والذي ينسجم مع الهوية واللغة والمصير.

خلص الكورد في تركيا للمطالبة بحقوقهم الأنسانية المشروعة من خلال رؤيتهم المتطابقة مع الواقع والمعبرة بصدق عن واقع معاناة الأنسان الكوردي في تركيا.
والمتابع لهذه المطالب والأهداف ضمن الستراتيجية التي أتبعها الأحزاب الكوردية الممثلة للجماهير ، سيلمس مدى عقلانية الطلبات ومدى أنسجامها مع الظروف التي تمر بها تركيا والمنطقة.
غير أن العناد التركي وعدم تفهمه لحق الشعوب المقموعة وصم الأذان دفع بجماهير الشعب المذكور الى اللجوء لرفع السلاح بوجه السلطات العسكرية التركية كوسيلة أخيرة من وسائل التعبير، وضمن مرحلة تكتيكية توصلها الى مايمكن الحصول عليه من حقوق لشعب كوردستان في الأراضي التركية.
ويقينا أن ماتحقق للكورد في العراق يشكل ضوءاً في نفق طويل من الالام والأحزان التي عاشتها الأمة الكوردية وهي تجد نفسها في صراع دام وغير عادل ودون تكافؤ في القدرة، بينها وبين تلك الأنظمة التي شاء سوء حظها ان تقع أجزائها ضمن سلطاتها وفق أصول اللعبة والمصالح الدولية ، ولهذا فان شعاع هذا الضوء على الرغم من قلة بصيصه وتواضعه سيكون حافزاً لبقية الكورد في كل المناطق المجزأة من كوردستان، والتي تم تقطيع أوصالها بناء على المعادلات والأتفاقيات الأستعمارية ضمن المصالح التي كانت تحكم العالم في حينها فغبنت حق الكورد في الحياة الأنسانية أسوة ببقية الشعوب.
هذا الحافز سيدفع العديد من الكورد في كل أجزاء كوردستان للمطالبة بحقوقهم بشتىالطرق وليس فقط سلوك طريق الكفاح المسلح والمواجهة العسكرية المسلحة لأجبار السلطات الشوفينية للألتفات الى حقوقها، ومع ان أغلب هذه الدول تتبجح بأنها راعية لحقوق الأنسان، وتعمل جاهدة لأظهار نفسها بمظهر المدافع عن حقوق الأنسان، ولكنها تستنكر أي حق لأي جزء من شعب كوردستان في المنطقة.
وبدلاً من اللجوء الى الحكمة والعقل في معالجة قضية شعب كوردستان في تركيا، واجهت السلطات التركية هذه المطالب مواجهة مسلحة وعنيفة، اعتقاداً منها كما تعتقد كل الحكومات الشوفينية أنها تستطيع اسكات صوت الجماهير، او انها سترغم الأنف الكوردي على الرضوخ والأستكانة.
ومن خلال المخططات والخطوات التي تقدم عليها السلطات التركية تثبت يوماً بعد يوم فشل منهجها في معالجة القضية، وعقم خطواتها،وخيبة مخططاتها في القضاء على الصوت الكوردي، وبدلاً من أن تلجأ السلطات التركية للتحاور والتفاوض مع القيادات الكوردية والأستجابة لمطاليبها وفقاً لمتغيرات الزمن وأنتشار ثقافة حقوق الأنسان وحق الأنسان في الحياة والأختيار ، فانها لجأت مرة أخرة لشن الحملات العسكرية أسوة بما تقدم عليه كل الحكومات التي أتسمت بأيمانها بالفكر الشوفيني بأفراط مع واقع وحقيقة الشعب الكوردي.
وينطلق صوت الأسير الرابض في سجن أيمرلي من زنزانته الأنفرادية الى السلطة التركية للتوصل الى ستراتيجية للتعامل مع شعب كوردستان، فان الدعوة التي وجهها تنم عن الحكمة والشجاعة والأصرار في نفس الوقت فأن هذه الدعوة تدعو الأنسان للحوار مع اخاه الأنسان والأرتفاع بنبل القصد والدعوة الى المستوى الذي يتناسب مع القرن الجديد والمتغيرات الدولية.
ويأتي بيان المناشدة الذي أصدرته مجموعة من الشخصيات الكوردية السياسية والاجتماعية والثقافية لإيقاف كل العمليات والأنشطة المسلحة ضد سلطات تركيا للتأكيد على ضرورة الحوار الايجابي مع الحكومة والدولة التركية للتوصل لحل سلمي وسياسي للمشكلة الكوردية. واعلنت هذه الشخصيات الكوردية عن استعدادها للمساهمة في هذا الحوار بما في ذلك بحث امكانات اقناع الحكومة بضرورة اصدار عفو شامل عن جميع الموقوفين والمحكومين الأكراد ليساهم ذلك في تحقيق الانفراج السياسي والاجتماعي داخل تركيا، تقويماً للسلوك الذي يجب أن تقدم عليه السلطات التركية لتحقن الدم وتحفظ للأنسان كرامته في ظل ظروف دولية تنتشر فيها الدعوات لتطبيق حقوق الأنسان، وحتى لاتقع الدولة التركية في تناقضاتها السابقة، أذ ليس من المعقول أن تطالب السلطات التركية أن تتقدم بطلب قبول تركيا للأنضمام الى الأتحاد الأوربي وتشن قواتها المسلحة الهجمات الشرسة ضد الشعب الكوردي في شمال كوردستان ، كما ليس من المعقول أن تستطيع تركيا دخول الأتحاد وحضور مؤتمرات حقوق الأنسان، وهي تغلق سجونها على الالاف من شباب الكورد المطالبين بحقوقهم المشروعة.
أن التوصل للحلول السلمية وبواسطة الحوار الهادف والهاديء يستوجب قبل كل شيء الأقرار بالواقع ، وأن تهيء فسحة من الحقوق الأنسانية للشعب الكوردستاني في تركيا، وأن توفر على الأقل امكانيات التفاهم والأنسجام مع قيادات هذه الاحزاب، وأن تنظر لقضية الزعيم عبد الله اوجلان بالمنظار السياسي الأنساني.
أكراد تركيا اسوة بغيرهم من ابناء الأمة الكوردية يطمحون الى تحقيق جزء من حقوقهم المشروعة في ظل المتغيرات الدولية، وكما يطمحون المساهمة في الأنفراج السياسي والأجتماعي بين الشعب الكوردي والسلطة التركية أذا كان الأمر يساهم في أستقرار المنطقة ويساهم في دفع العملية السياسية في تركيا بما يحقق الخير للأنسان بشكل عام في تركيا.
أن قرارات أنسانية لاتخسر فيها السلطات التركية تساهم في التعبير عن جديتها العمل على الأنفراج السياسي يكون أولها أطلاق سراح الشباب الكوردي المناضل والمحتجز في السجون يشكل مساهمة اكيدة في امكانية التحاور والأتفاق على أسس مشتركة لحلول شائكة في قضية عادلة.
وعلى من يريد حقاً أن يجد حلول مقبولة ومنطقية للمشكلة أن يرضخ اولاً الى أسس الحقائق التاريخية، ويقر بحقيقة كون الشعب الكوردي في تركيا جزء مهم وفاعل من مكونات تركيا، وأن هذا الشعب هو جزء من الأمة الكوردية العظيمة، وأن الحقوق لايمكن أن تغمط بالوسائل القسرية حيث تبقى أسس الحق لاتموت، كما أن حق الأمة الكوردية لايمكن لقوة مهما كانت أن تلغيه او تتستر على أشعاعاته.
أمام تركيااليوم قبل الغد أن تبرهن بالملموس أنها تريد الأنتقال نحو الزمن الجديد، زمن حقوق الأنسان فعليها ان تبرهن بخطوات أنسانية اولها أن تطلق سراح المناضلين من أبناء الأمة الكوردية الذين يقضون أيامهم في السجون التركية بسبب نشاطهم السياسي والمطالبة بحقوقهم المشروعة، وأن تقدم على تفهم الوضع الأنساني والصحي للسيد عبد الله اوجلان، وأن تبدأ بالحوار مع جميع الفصائل التي تشكل المكونات الأساسية لتركيا بما يضمن التوصل للحلول السلمية وتلبية مطالب الشعب الكوردي في تركيا ضمن الكونفدرالية أو حتى ضمن الفيدرالية التي يتم التوصل الى أسسهما ضمن الدولة المركبة أو المتحدة أو ضمن الأتحاد الفعلي فيدراليا كان او كونفدراليا.
أن نغمة الأنفصال عفى عليها الزمن ولم يعد لها التقبل وليس لها تلك المصداقية، فالمطالبة بالحقوق لاتعني الأنفصال مطلقاً، والجنوح للعقل والحكمة بديلاً عن لغة القوة والرصاص الطريق السليم لترتيب قضية الحقوق وضمان المستقبل الآمن للأنسان بغض النظر عن قوميته أو دينه.