لم تهدأ بعد تظاهرات الاحتجاج على الصور التي تعرّض بالرسول الكريم محمد (ص) التي نشرتها بعض الصحف الأسكندنافية وأعادت نشرها صحف أوربية أخرى لتزيد النار حطباً !! ما أعطى زخـماً اضافياً لتصاعد مظاهر الاحتجاج في مختلف بلدان العالم الاسلامي وحيث وجد المسلمون في هذا العالم الفسيح، وما يعنيه ذلك من تداعيات سياسية واقتصادية واعلامية أثرت على عموم الأحداث في مشرق العالم ومغربه.

اليوم الأحد 12 شباط (فبراير) وقبل أن أكتب هذه السطور دعتني أحدى الفضائيات العربية للمساهمة في ندوة حول الموضوع ومعانيه ومضاعفاته يفترض أن تُعقد مساء الأربعاء القادم، فيكون عليَّ أن لا أكرر ما قاله الآخرون فهو في الغالب الأعم متشابه لناحية التأكيد على الرفض المشروع لهذه الإساءة التي لا هدف لها سوى استفزاز مشاعر مئات الملايين من المسلمين وغير المسلمين ممن يلتزمون مباديء أحترام مشاعر الآخرين ومعتقداتهم، أو أنه خطاب عاطفي تصعيدي لأسباب شتى حيث تم استغلال القضية أحياناً من قبل بعض الجماعات (الاسلامية) التي تريد الرد على الخطأ بخطأ آخر بعيداً عن مصالح المسلمين وبعيداً عن إدارة الموضوع لتثبيت المباديء التي تحرم الإساءة لمعتقدات الآخرين ومشاعرهم. كل ذلك لأن هذه الجماعات تريد وضع الحقد الأعمى والتعصب محل كل ما عداه لأن أزمتها الفكرية والسياسية أكبر من قدرتها على الخروج منها، ولأنها حولت العنف المحض أو ما يسمى بالأرهاب إلى منهج تفكير وأسلوب عمل فوقعت في عزلة وتراجع. لذلك وجدتْ في هذه الأزمة مناسبة لتطل برأسها مستغلة مشاعر المسلمين المشروعة لتؤدي طريقتها التصعيدية كما هي العادة إلى تفريغ الاحتجاج المشروع من محتواه الديني والأخلاقي، لتقول لنا: ها هم الغربيون بالجملة يحقدون علينا بالجملة لمجرد كوننا مسلمين !! في حين تقول الوقائع المعروفة غير ذلك.

لا نحتاج لأحد يسألنا: لماذا تحبون النبي محمد إلى هذه الدرجة؟! فنحن نحبه (ص) لأنه رسول الله ولأنه نبينا ولأنه قائد عظيم نقل العرب والانسانية بأتجاه النور والحوار والسلام، ولأنه بالأعراف الموضوعية ظاهرة ثقافية وروحية كبرى.

لكن السؤال المهم والأكثر ضرورة الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا نحن أبناء العالم الأسلامي وفي خضم مظاهرات الاحتجاج هذه، هو: من الذي يحب الرسول ويدافع عن حرمة الأسلام ومصالح المسلمين حقاً؟! وهل فعلة بعض الصحف الأسكندنافية المسيئة والرخيصة هي فقط من يسيء للمسلمين وللرسوله الكريم؟!

إن هذا السؤال يجعل من حقنا طرح أسئلة عديدة أخرى نجد لها أكثر من مبرر، ومنها: هل أنتشار مظاهر الفساد المالي والإداري في البلدان العربية والأسلامية يدل على حرص على مصالح المسلمين، وهل الصمت على هذا النهب المنظم للأموال العامة الذي يدفع حياة العرب والمسلمين من سيء إلى أسوء، يدل على محبة حقيقية للرسول الكريم محمد؟!

هل ثقافة التكفير واباحة دماء المسلمين بالجملة وثقافة السيارات المفخخة وقتل الأبرياء لمجرد الاختلاف في المذهب يدل على حقيقة الالتزام بتعاليم الدين السمحاء وسنة الرسول الكريم؟!

وهل طغيان الاستبداد وأنظمة القمع والمخابرات وتكميم الأفواه واستعباد البلاد والعباد يدل على حرص على الأسلام والمسلمين من قبل تلك الأنظمة التي سمحت بتصعيد مظاهرات الاحتجاج السلمية وتحويلها إلى أعمال همجية ضد سفارات الدول المعنية ينطوي على منطق الأسلام وتعاليم رسوله الكريم؟!

هل ما فعلته وتفعله المخابرات الإيرانية والسورية بالعراق وشعبه وهو أسير حالة الأحتلال يدل على إيمان حقيقي بتعاليم الرسول أو ألتزام حقيقي بعدالة السماء أو الخوف من غضب الله؟! هل خذلان الشعب العراقي المغلوب على أمره بالطريقة التي تقوم بها مثل هذه الدول المسلمة يدل على محبة رسول الله واحترام تعاليمه؟!
هل ما جرى ويجري من فساد وأفساد ونهب وانتهاكات واغتيالات في لبنان من قبل المخابرات الشقيقة يدل على إيمان بالله ومحبة لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؟!
أليست هذه الانتهاكات هي أكثر خطورة وإساءة وضرراً على المسلمين وقيمهم ومصالحهم من تلك الرسوم الرخيصة؟!

الجواب بالتأكيد نعم. والسوأل هو: لماذا لا نحتج عليها ونتظاهر لفضحها أيضاً لنكون أكثر التزاماً وانسجاماً مع إيماننا بالله ودينه ومحبة رسوله الكريم؟!