كيف ينظر العرب إلى قضية التعليم، هذا بحساب أن العالم الراهن بات يعيش الثورة المعلوماتية والتقنية، تلك التي لا تعرف الهدوء أو السكينة، بل أن الصخب والقلق صار ملازما للواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع البشري برمته. حتى أن التشكيك بالمعلومات والإمكانات والقدرات أضحى ملازما للمجمل من الفعاليات والرؤى والتصورات. ومن نظرة بسيطة إلى مجمل التفاعلات التي يعيشها العالم يكون الإفصاح عن المتغيرات المتسارعة واللاهثة والتي لاتني عن الإشارة إلى هذا الكم الهائل من المخترعات والمكتشفات التقنيات التي لا تعرف التوقف أو الكسل.عالم يعيش رعب المعلومات والتنافس الحاد الذي لا يعرف الرحمة أو التردد. فما أن يطلع الاكتشاف المذهل على العالم، حتى يكون نظيره الذي يبزه وقد تخطاه في اليوم التالي.

التسابق المحموم
بماذا يمكن الوصف في ظل هذا الكم الهائل من المتغيرات، والتي راحت تفصح عن القدرات الهائلة للعقل البشري، والذي لم يتوقف عند حدود التصميم للبضاعة أو البراعة في التسويق أو الإنجاز في إدارة الأعمال، بقدر ما يكون الإفصاح عن بروز مصطلح اقتصاد المعرفة، هذا الذي راح يتسيد المجال التداولي للعالم المعاصر.وإذا كانت النظريات الاقتصادية القديمة قد استندت إلى العناصر التقليدية في تكييف أنشطتها الاقتصادية، فإن القفزة الراهنة التي يعيشها عالم اليوم راحت تفصح عن توسيع مجال التعلم باعتباره الغاية القصوى، في سبيل بلوغ الاندماج في حالة التنافس والانجاز الذي لا يعرف التوقف. ومن هذا فإن التدريب والتأهيل والتعليم المستمر، لم تعد مجرد مصطلحات معدة للاستهلاك الإداري أو محاولة لملء الفراغ الوظيفي، بقدر ما راحت ترتبط وبوثوق شديد بمسألة التنمية البشرية، تلك التي لا تقوم على تفعيل مجال المهارات والقدرات الفردية فقط، يقدر ما يكون التطلع فيها قائما على توسيع مجال المدركات العقلية، وتأهيل الكوادر القادرة على استيعاب حجم المتغيرات والتحولات الهائلة التي راحت تطغى على المعلومات المتسارعة، ومن هنا فإن الواقع بات يفصح عن توسيع مجال التنافس في حقل المواجهة التي راحت تزحف على العالم بلا هوادة أو رحمة.
في قراءته الضافية والعميقة لا يتردد د. نبيل علي من أهمية التمييز بين مفهومي التعلم والتعليم، وضرورة الوقوف على الفواصل الرئيسة بين المفهومين. فاللحظة الراهنة التي يعيشها العالم لم يعد من المجدي أو المثمر أن يكون التعامل معها وفق المعايير القديمة، القائمة على التطلع نحو التعليم بوصفه الغاية القصوى، باعتبار ما تنتجه من الحصول على كوادر وكفاءات متحصلة على الشهادات العليا، حيث الغاية القصوى التي تلبست خريجي المعاهد والجامعات العليا، والتي غدت بمثابة العائق والإشكال الذي ما انفك ينتج المزيد من الإعاقة والتوقف في وجه المتغيرات،في الوقت الذي يحتاج الواقع المعاش إلى المزيد من التوسع في مجال تحصيل المهارات، والذي لا يأت من خلال الحسبة المباشرة، والمستغرقة في تخريج الدفعات التي يحتاجها سوق العمل، ليكون الحال وقد أفرز حالة أخرى من العطالة والتعقيد للمشكلة القديمة، بقدر ما تبرز الحاجة المباشرة إلى أهمية التعاطي مع التحولات التي نبرزها التطورات، بروحية المتفاعل الواعي بحجم التوسع الذي تبرزه اقتصاديات المعرفة، تلك التي أضحت واقعا ملموسا لا يمكن التغاضي عنه، حيث التنافس والتزاحم والصراع، والذي يجعل من مسألة التعلم من الأولويات والركائز الأساسية في سبيل إحداث الخطوة المطلوبة نحو التقدم والتطور.

التعلم اللامحدود
عالم اليوم بات ورشة كبيرة يتم فيها التسابق المحموم للحصول على المعلومات الجديدة والقدرات المتميزة، حتى أن بيل غيتس صاحب مشروع مايكروسوفت الرائد في صناعة المعلومات، لم يفتر لحظة من اقتناص الأفكار والتصميمات الخلاقة، وإغداق الأموال الطائلة عليها، في سبيل دعم موقفه في مجال فائق الحراك. وبالقدر الذي يعيش العرب لحظة الاستهلاك وتوسيع مجال التلقي، وانعقاد الدهشة جراء التسابق المحموم الذي تعيشه شركات إنتاج الهاتف المحمول والساتيلايت وبرامج المعلومات التي راحت تملأ الإنترنت، فإن الواقع اليوم راح يعلن و بمجاهرة لا تقبل التردد إلى أن التعليم العالي الذي مازال يمثل محلا للتفاخر في المجال العربي، لم يعد سوى البداية في مجال التعلم الواسع والهائل والذي لا يعرف الحدود أو النهايات.

يحضر الإلغاء والإقصاء بطريقة عاتية ومقلقة في التمثلات العربية للمجمل من المتغيرات التي تطرأ على العالم، وهكذا تم الانخراط في تجليات مجتمع المعلومات، من خلال الاندراج المباشر في توجه أغلب الجامعات العربية لا سيما الأهلية منها في تدريس مواد إدارة الأعمال أو الحاسوب، فيما تم إهمال تدريس المواد العلمية والإنسانية الأخرى، بحساب حاجة سوق العمل لهذه التخصصات.وإذا كان الواقع يشير إلى الطبيعة الربحية التي يقوم عليها مشروع الجامعات الخاصة، فإن طبيعة التفاعل مع المتغيرات المتلاحقة يبقى يعاني من العوز والقصور، هذا بحساب أن الاندراج في مضمون التفعيل التقاني المعاصر لا يقوم على التهيئة المحدودة، بقدر ما يستند إلى أهمية الوعي بثالوث الثورة الرقمية الراهنة والتي تقوم على المعرفة والخدمات والسلعة .هذا الثالوث الذي راح يخلب لب المستهلك، حتى راح يدخل في منافسة مع الذات في سبيل الحصول على الجيل الأخير من التلفون المحمول أو الكومبيوتر المضاف إليه البعض من التفاصيل الصغيرة، لتتوسع دورة الاستهلاك في مجتمعات الهامش، وتتفاعل الثلاثية الرقمية في المجتمعات التي استوعبت وبكفاءة ملفتة أهمية التمييز بين وجاهة التعليم القديمة، والانغماس الصميم في مجال التعلم غير المقطوع. حتى كان النموذج الآسيوي خير شاهد على استيعاب مضمون التغير والتحول.
[email protected]