منذ يومين، طالعت اكثر من جريدة عربية، تكاد جميعها تحمل العنوان ذاته:
quot;القوات البريطانية والاميركية تنتهك حقوق الانسان في العراقquot;!
كان ذلك تعليقا على الصور التي تم تسريبها لافراد من الجيش البريطاني يعتدون على مدنيين عراقيين.
وبين هذه العناوين عشرات المقالات الاحتجاجية، لأقلام جاهزة دوما لأي مقال حسب ما يطلبه المشاهدون!!
احيانا يبدو اعلامنا كأعمى يقود نصف عميان!
فنحن اذا اتفقنا على غياب اي شرعية للحرب على العراق، فلا ينبغي ان يدفعنا ذلك الى ما وراء حدود الرؤية الصحيحة.
اقصد ان التصرفات الشخصية لأفراد في الجيش البريطاني او الاميركي، لا ينبغي ان نصورها على انها انتهاك لحقوق الانسان على مستوى رسمي وسياسي.
نحن حتى الامس، فقط حتى الامس، أدنا حرق سفارة الدنمارك في سوريا، وقلنا انها تصرفات شخصية لافراد غاضبون. أدنا الاعتداءعلى بعض الاجانب بيننا، وقلنا هي ايضا تصرفات شخصية لافراد غاضبون!
ليس من العقل اذا ان نكيل بمكيالين، فنقول ان اخطائنا فردية، واخطاء الغرب رسمية!
وطالما نحن نتحدث عن العقل والغرب، فاسمحوا لي ان اعلن عن تعاطفي مع هذا الغرب المسكين، الذي دعينا عليه بالثبور والخراب، واقمنا الآف الصلوات كي يدمره الله بمن فيه وعليه.
فهذا الغرب الذي احرقنا اعلامه وسفاراته، وقلنا عنه انه ينتهك حقوق الانسان في العراق، هو الذي يستضيف على ارضه اليوم الآف اللاجئين العرب الهاربين من اكثر من انتهاك لانسانيتهم وآدميتهم في اوطانهم!
اميركا وبريطانيا مدانتان وملعونتنا الى يوم الدين من اجل الاعتداء على شخص او شخصين..
اليس كذلك؟
حسن.. اتمنى لو يتمكن احد يوما من تثبيت كاميرا خفية في اي سجن عربي، حتى نرى كيف هي حقوق الانسان فينا!
اتمنى ان نثبت كاميرا في شوارعنا، وفي مكاتبنا، كي نرى اين هي حقوقنا.
حقوق الانسان ليست عصا تضرب فقط، بل هي معاملة قبل اي شيء. واذا سلمنا بذلك فاني اسأل: اين هي حقوق الانسان عندما تطأ قدمك مطار بلدك وينظر اليك عامل الجوازات مشمئزا، قبل ان يلقي بالجواز في وجهك كخرقة عفنة؟
اين هي حقوق الانسان عندما تقود الواسطة الفاشل فينا الى المجد، ويبقى المجتهد في قاع المجتمع؟
اين هي الحقوق عندما يصبح الموظف الحكومي البسيط هو صانع القانون، واللي مش عاجبه يشرب البحر؟
اين هي الحقوق عندما يصبح شرطي المرور هو الحاكم بأمر الله؟
نعم.. اخطأت القوات الاميركية والبريطانية بالاعتداء على مدنيين عزل، واعتذرت عن خطأها.
لكن ماذا عن الآف تنتهك انسانيتهم في عالمنا كل يوم ولا يسمعون كلمة اعتذار؟
لعنّا الغرب من اجل ضربة عصا واحدة، لماذا صمتنا اذا على تكسر آدميتنا كل يوم تحت سمع ونظر قوانيننا!
هل سمعتم بهذا المثل:
ما قدر على الحمار، فقدر على البردعة..؟
انا سمعت به كثيرا.. لكني والله ما عدت اعرف من الحمار، ومن البردعة!
وتحاشيا لأي انتهاك آخر، سأعتذر لكل حميرنا ولكل حمير الغرب.. ولتسقط البردعة!