... هكذا إذن، وبلسان قادة الحوار الوطني بالتكافل والتضامن والابتسامات نفسها، quot;لا أزمة حكم في لبنانquot;، وكل مصائب الوطن الصغير، احجاماً وأنواعاً وألواناً وتوقيتاً، بما فيها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وما سبقها وأعقبها من اغتيالات وتفجيرات، أو محاولات اغتيال، العلاقات اللبنانية ـ السورية، هوية مزارع شبعا ـ سلاح المقاومة والمخيمات الفلسطينية، قانون الانتخاب والمجلس الدستوري، الى ما هناك من قضايا خلافية، هي وليدة التمديد غير الشرعي لرئيس الجمهورية اميل لحود بقوة الامر الواقع السورية قبل انسحاب هذه القوات الى بلادها تنفيذاً للقرار الدولي 1559، ما يعني ان لحود هو المشكلة والحل. بقاءه في بعبدا يؤدي إلى تأزم الاوضاع وذهابه يحل ثلاثة ارباع المعضلة ان لم يكن كلها.
لكن الرئيس لحود ذهب الى الخرطوم مع ام بدون رئيس حكومته فؤاد السنيورة، مترئساً وفد لبنان الى القمة العربية، مستندا الى شرعيته الدستورية ونصف الشعبية اذا اخذنا بالاعتبار حركة quot;املquot; والعديد من الاحزاب اليسارية، وكلها تقف الى جانب سيد بعبدا مقابل قوى الرابع عشر من اذار المستندة هي الاخرى الى اكثرية برلمانية وحكومية، ومع ذلك تبدو حتى الآن عاجزة عن اسقاط الرئيس لحود دستوريا ولا في الشارع، نظراً لما يمكن ان تعكسه حركة الشارع المتصادم من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، قد تؤدي في حال انفجارها ولو على مراحل، وعلى الرغم من تبدل الظروف والمعطيات، الى 13 نيسان / ابريل آخر ـ هل تذكرون نيسان / ابريل 1975؟ ـ وما خلفه من مآس ودماء وأحداث ما زالت ترعب اللبنانيين لمجرد استذكارها بعد ثلاثة عقود على انقضائها.
الصورة نفسها يستعيدها اللبنانيون اليوم بعد فشل مؤتمر الحوار الوطني، وان كان المؤتمرون يصرون على التأكيد quot;ممنوع الفشلquot;، ولكن هل يكفي هذا الإصرار لإبعاد هذه الكأس المريرة عن الوطن والمواطنين؟
الواضح حتى الآن ان المتحاورين من الصف الاول والثاني والثالث يحاولون قدر الامكان منع الانفجار الكبير. وربما إدراكاً منهم بعجزهم الكبير عن مواجهة المستحقات الداهمة، خصوصا لجهة إقدام الرئيس لحود على الاستقالة، أو الإقالة، وهو الذي يصر من جهته على القيام بدوره حتى آخر دقيقة مع ولايته الممددة، ويكرر بحزم انه باق في منصبه ولا شيء يزحزحه عن موقعه في بعبدا إلا ارتكاب الخيانة العظمى، ومستنداً بالتالي الى عدم توفر اكثرية الثلثين البرلمانية لاختصار ولايته، ولا التفاهم بين القوى السياسية متوافرة ايضاً لاختيار رئيس جديد فيما الرئيس لحود لا يزال في منصبه.
استناداً الى هذه الوقائع والحيثيات والتحديات، وعلى بعد ايام قليلة من ذكرى 13 نيسان / ابريل الاليمة، ربما اقتنع اللبنانيون، على اختلاف سياساتهم وطوائفهم، ان الازمة القائمة تتعدى بقاء الرئيس لحود في بعبدا او خروجه منه، وهي مرشحة لمزيد من التدهور والاشكاليات.
وربما ايضاً، اكتشف المتحاورون عجزهم من الخروج بحلول لبنانية مئة بالمئة، وإن ادعاءهم ببلوغ سن الرشد، وحقهم بالسيادة والحرية والاستقلال ليس اكثر من رغبة دفينة لخيالات واسعة. فالقرار في مكان اخر، وحوار الكراسي الاولى ليس اكثر من عملية quot;تنفيسquot; لاحتقان قابل للانفجار في اي لحظة.
لذا كان لا بد من العودة الى quot;تقريبquot; الازمة اللبنانية في قمة الخرطوم، بعد مرورها عبر القاهرة والرياض ودمشق، وأيضاً quot;تدويلهاquot; في واشنطن وباريس ونيويورك، خصوصاً ان بين قطع جلسات الحوار ووصلها لثلاث مرات متوالية، رابعها يوم الاثنين المقبل، يكشف ان شيئاً من الازمات اللبنانية المتتابعة لم تصل الى اهدافها المرجوة، إلا على لسان المتحاورين، الذين اقروا لبنانية مزارع شبعا، وهم يمتلكون المستندات الضرورية، وهي على اهميتها، تسبق غير ذي فائدة كبرى للقرار الدولي، كما جاء على لسان تيري رود-لارسن ممثل الامين العام للامم المتحدة في تنفيذ القرار 1559، وكذلك ما اقروه لجهة ضرورة قيام علاقات ندية بين دمشق وبيروت وتبادل العلاقات الدبلوماسية لا يعدو كونه حتى الآن مجرد امنيات تحاول العواصم العربية المعنية ترجمته الى واقع قد لا حصل في المدى المنظور، طالما بعض القوى اللبنانية ما زالت تصر على اتهام النظام السوري باغتيل الرئيس رفيق الحريري وكل عمليات الاغتيال الاخرى، عن سابق اصرار وتصميم، متجاهلة التقرير الدولي الذي رفعه اخيراً رئيس فريق التحقيق الدولي سيرج براميرتز، وفيه اشار بوضوح الى التعاون السوري المشجع في هذه القضية، على امل استكمال التحقيقات بالكامل في غضون الشهور القليلة المقبلة.
وإذا كان لنا ان نقر بما توصل اليه الحوار الوطني من تفاهم حول مجمل هذه القضايا، فإن القضايا الرئيسية التي تشكل لب الازمة وصاعق تفجيرها ما زالت مؤجلة الى جلسات اخرى. فالخلافات حول استقالة أو إقالة الرئيس لحود التي شكلت محور الفصل الثالث من الجلسات كادت أن تفجر الحوار الوطني بالكامل، لولا تدارك الامر في اللحظة الاخيرة، وتدخلات اقليمية ودولية، تلاءمت كما يبدو على ضرورة نقل القضية الى كواليس القمة العربية بهدف ايجاد مخارج دستورية، وبالتفاهم الكامل مع الرئيس السوري بشار الاسد وحلفائه فريق 18 اذار ممثلاً بحزب الله وحركة امل والتيار العوني.
وبانتظار ما يتقرر في القمة العربية التي تستعد لاستقبال لحود كما تفترض البروتوكولات الرئاسية، تبقى قضية سلاح المقاومة والمخيمات الفلسطينية على رأس سلم الاهتمامات، واذا حصل التفاهم بين المتحاورين حول لبنانية مزارع شبعا والإمكانيات المتاحة لتحريرها بالطرق الدبلوماسية، فإن الاكيد حتى الآن، ان دمشق لن تتخلى عما تعتبره فرس رهانها المتبقي على الساحة اللبنانية، وبالتالي لا بد من مقايضة ما طالما أن العلاقات بين الدولتين الشقيقتين مستمرة على تناقضات ونزاعات واتهامات لم يعد من السهولة حلها بالابتسامات وquot;تبويس للحىquot;، وبالتالي فإن القضايا الخلافية بين اللبنانيين انفسهم، وبين لبنان والخارج لم تعد تحتمل الاستمرار في التفاؤل، وانه لا بد من مواجهة ما تتعرض له البلاد بمواقف سياسية تساعد على رفع الغطاء عن العابثين والعبثيين من مختلف الافرقاء والتوجهات.
وإذا كان لبنان قد ذاق مرارة ما لحق به من جراء التمديد للرئيس لحود، وعملية اغتيال الرئيس الحريري، وبالإصرار على الانقسام وعلى ادارة الازمة من دون توفير الحلول الجذرية لها، فهل نشهد مع انتهاء القمة العربية في الخرطوم مبادرات من شأنها أن تضع عربة الانقاذ على سكة الخلاص؟