إصابة الهدف (منوة) كل إنسان، إلا للكاتبِ في بلاد بني يعرب، خيار الأمم وسادتهم. فالكاتب اليعربي الحكيم يتعمّد أن يَميل عن الهدف قليلاً أو كثيراً، ويتحاشى أن يصيبه، فلو أصابه (مخطئاً) ndash; لا سمح الله - فلينتظر المساءلة والتقريع، وإن أصابه (متعمداً) فهو متهور إذا لم يكن مجنوناً، عندها اقرأ عليه وعلى (سنسفيله) السلام! وقد كتب أبو علي مشاري الذايدي - غفر الله لنا وله - في جريدة الشرق الأوسط يقول أن الكتابة في بلاد بني يعرب ضرب من ضروب الحكمة التي تقول: (سددوا وقاربوا). والأصح أن يقول أن مجرد (التسديد)، فضلاً عن (المقاربة) وسوسة من وساوس الشياطين فاجتنبوها لعلكم ترحمون وترزقون.

أما إذا ابتليتَ بمرض عضال اسمه الكتابة، فعند (سعد بن بريك دق بريك). فهو (مثالٌ) لكتاب السلف (الجُـدد) حفظهم الله تعالى، الذين يقتدون بالسلف (القدماء) رحمهم الله تعالى. ولأننا يجبُ ألا نحيد عن نهج أسلافنا قيد أنملة، كان الابتداع ملعون، والإتباع مسنون، والاعتراض ضربٌ من ضروب الجنون، لا يُقدِمُ عليه إلا (العلمانيون). وقديماً قالوا: (من شذ عن درب السلف فقد زاغ وتلف). قالها أبو طحيطح نقلاً عن شيخه أبو مُنيطح، وكانا كثيراً ما يتناطحان. أقول: لا ينتطح في تناطحهما عنزان!

ولأن العرب أمة أمية وما تزال - ولله الحمد والمنة - أصبحت الكتابة (خرابيط)، والرأي (شخبطة)، و(الحفظ) (حِـلية) العلماء، وترديد أقوال السلف الصالح هو صلب (المعرفة) أو كما يسميها الصليبيون: (Knowledge)، ولا معرفة أو (Knowledge) سوى ذلك، وكل علوم غير علومهم (هرطقة). كما أن تعلم علوم الكفار لا يجوز، حتى وإن كان فيها مصلحة كما يزعم (بنو علمان)، لأن مصلحة الاعتقاد أولى، قال بذلك الإمام ابن تيمية جاد الله مرقده بشآبيب رحمته. فتعلم علومهم (قد) يُـفضي بك إلى مناهج (المنطقيين) والملاحدة، فتهلك، وتـَضل (بالفتح) وتـُضِـل (بالضم ثم الكسر)، وبين الفتحة و الضمة والكسرة وما بعدها علمٌ عظيم لقوم يعقلون!

والكتابة عند بني يعرب بن قحطان هي التدوين. و ( دَوّنَ ) فعل ماض يأتي بمعنى كتبَ أو (قـَـيّـد) كما جاء في لسان العرب لابن منظور رحمه الله تعالى. ولأن العرب أمة أحرار - كما قال شيخنا أبو طحيطح - فقد كرهوا الكتابة والتدوين والقيد و(التقييد) لأنهم لا يطيقون (القيود) ويأنفونها، ويعشقون (الحرية) ويقدسونها، ويفرون من (القيد) فرارهم من (المجذوم) امتثالا لأمر الرسول الأمين، وقانا الله وإياكم من الجذام وأهله. لذا كانت المشافهة ميزتهم، والخطابة لا الكتابة حِـليتهم، فبرعوا في العلوم، و(حَـفظوا) المتون، فكان الواحد منهم آية في الحفظ والرواية، فلم يحتاجوا إلى الكتابة كغيرهم من العلوج.

و(الكتابة) أنثى و(الحفظ) فحـَـل. والعربُ أمة تقدس الفحولة وتَضعُ من قـَـدرِ الأنوثة، فلا ترى في المرأة إلا كائناً (يحيضُ ويبيض) أعزكم الله، وكان العرب يحتقرون (الكتابة) احتقارهم للأنثى. قال شيخنا أبو طحيطح: مرّت امرأة كانت تـُـطببُ الناس، وتتلمس لمرضاهم الشفاء، برهط من طلبة العلم، كانوا يتكأكأون على شيخ الإسلام وعالم زمنه (حُـويرث بن خنبقة) رحمه الله تعالى في مسجد في الكوفة، وكانت تمتطي حماراً أعرجَ قبيح الهيئة، فقال: (بئس الراكب والمركوب). فذهب علماؤنا، إستناداً إلى قول حريرث رحمه الله تعالى، إلى تحريم قيادة المرأة للمطايا، حتى وإن كان حماراً أعرج، في حين أبى (العلمانيون) والليبراليون والملاحدة ( كدأبهم ) على المخالفة، وقالوا: كل أمم الأرض تقودُ نساؤها المطايا إلا أنتم، أفلا تعقلون؟. فرد عليهم إمامنا أبو البراء - حفظه الله بعينه التي لا تنام - قائلاً: (نحن أيها الجهلة الفجرة quot;الطائفة المنصورةquot;، غير أنكم لا تعلمون). فألقمهم حجراً وصمتوا. وكان بذلك يُشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ( تفترق أمتي إلى اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة). وهو حديث صحيح ثابت، صحّـحَـه الأولون والمتأخرون من علماء الحديث، ووثقوا سنده، لا يُشكك في ذلك إلا زائغ.

وكان كبار الصحابة يحرصون على تعليم أبنائهم المهارات، ولم يأت ذكرٌ (للكتابة والتدوين). فقد ورد في الأثر: (علّموا أولادكم السباحة والرماية وليثبوا على الخيل وثبا ). قال شيخنا أبو طحيطح: (لو كان في الكتابة فائدة، لأضافوها إلى ما يجب أن يتعلمه فلذات الأكباد) انتهى.

قال أبو البراء: ومن الحكم التي لا تغيب عن الأديب الأريب، والعالم الفطن، أن ما يسمى بأنفلونزا الطيور - كما يقول (الفرنجة) - تصيب من الطيور الإناث، فالدجاج تصابُ بها دون الديكة، وفي ذلك حكمة لو كانوا يعقلون.
أقول: أبعد كل ذلك، يأتي لنا من يقول: ما بالكم تحتقرون الكتابة أعزكم الله؟