وزارة الصحة ونقابة الأطباء ..
ما الذي فعلتاه لحماية منتسبيهما ؟!!
مع تفاقم الأزمة السياسية في البلد، وتدهور الأوضاع الأمنية، والإقتصادية، والإجتماعية، والصحية، لعامة العراقيين، وتصاعد الجرائم الإرهابية، وفي مقدمتها جرائم التفجيرات والمفخخات، والقتل الجماعي، والإغتيالات، والخطف، والإغتصاب، والإبتزاز، والإعتداءات، وغيرها من أشكال العنف، في ظل عجز الحكومة والأجهزة الأمنية وقوات التحالف عن حماية حياة المواطنين الأبرياء، ناهيكم عن حل المشاكل القائمة، تدهورت أوضاع شريحة ذوي المهن الطبية والصحية في المجتمع العراقي كثيراً، ولم تسلم من جرائم الإرهاب حتى وهي تؤدي واجبها المهني والإنساني لإنقاذ حياة الجرحى والمرضى.وبدلاً من ان تتوفر لها ظروف طبيعية لتمارس عملها في المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية والعيادات، وهي تخدم جميع المواطنين دون إسثناء، تعرض المئات منها للتهديد، والإهانة، والإختطاف، ودفع الفدية، ومورس العنف ضدهم بوحشية، وتعرضت حياة الكثيرين للخطر، وقتل العشرات منهم، دون أدنى تقدير وإحترام ولا حتى رأفة بالأبرياء، الذين بقوا في العراق، ويتفانون في خدمة أبناء وبنات وطنهم، متحدين كافة الظروف الصعبة والقاسية..
بالنسبة للأطباء، قُتل وجُرح وأُختطف وهُددت حياة المئات منهم، وأُعتدي على العديد منهم بالضرب، والسب، والشتم، وبشتى الإهانات، أثناء تأدية واجباتهم، لا من المجرمين الإرهابيين، حسب، بل وحتى من قبل ضباط في القوات المسلحة، في المستشفيات، وأمام مرضاهم، أثناء تأديتهم لواجبهم، كما حصل في عدة مستشفيات في بغداد والبصرة والموصل، وغيرها، ولم يعاقب المعتدي.
والغريب ان وزارة الصحة ونقابة الأطباء ليس فقط لم تتصديان بموقف حازم لحماية منتسبيهما، ولم يدينا علناً وبصراحة كافة الإعتداءات التي تعرضوا لها، بل وهما لا يمتلكان لليوم إحصائية دقيقة عن عدد ذوي المهن الطبية والصحية الذين قُتلوا أو جرحوا، ولا الذين غادروا العراق قسراً خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، بسبب التهديدات التي تعرضوا لها وعوائلهم. ولليوم كل ما أُعلن ونشر هو إحصائيات غير دقيقة ومتضاربة ..وهذا ما تلمسه بوضوح في تصريحات المسؤولين في الوزارة والنقابة.
فقبل عام ونصف العام، أعلن الدكتور محمد الحسوني- مدير برنامج الوقاية من العنف في وزارة الصحة- بان عدد الاطباء، من مختلف الاختصاصات الطبية، الذين تعرضوا للابتزاز والخطف والقتل والتهديد، بلغ، حسب ما موثق لدى الوزارة، 98 طبيبا، بينما تؤكد معلومات جريدة quot; الصباحquot;بان العدد اكثر بكثير، وقد يصل الى 120 طبيبا، إلا أنهم لم يخبروا او يبلغوا عن ذلك خشية من المجرمين الذين هددوهم بالامتناع عن التبليغ والا فان حياتهم وحياة عوائلهم في خطر.وأفاد الحسوني بان الوزارة عقدت ندوة موسعة لمناقشة ابعاد هذا الموضوع الخطير وتداعياته السلبية وانعكاساته على عمل وعطاء الاختصاصات الطبية في بلادنا والبحث عن العوامل التي من شأنها ترصين الحالة الامنية لهذه الشريحة الباذلة وتهيأة مستلزمات حمايتها. واكد انه تقرر توفير الحماية اللازمة للمجمعات الطبية وبالقرب من تجمع العيادات الطبية للاطباء في المراكز التجارية بعد ان استشرت عمليات الاعتداء والابتزاز التي يتعرض لها الاطباء والاختصاصات الطبية (quot; الصباحquot;، 27 / 11 / 2004).
وبعد ذلك بـ 6 أشهر، أُعلن بأن اخر الاحصاءات بشأن ضحايا العنف، والذين تم اغتيالهم، تؤشر بان 25 طبيبا قتلوا خلال السنتين الماضيتين، وان 300 طبيباً تعرضوا الى الخطف، واطلق سراحهم بعد دفع الفديات من قبل ذويهم، وان معظم هؤلاء الاطباء، اضافة الى عدد من العلماء، غادروا العراق الى دول الخليج ودول مجاورة.ورد هذا في تقرير لوزارة الصحة، وأشار الى ان العشرات من الاطباء والعلماء تقدموا بطلبات للحصول على تراخيص لحمل الاسلحة الشخصية.وأكد بان حياة الاطباء والعلماء في العراق باتت مهددة، ويجب ان تصان، ومن هنا تشكلت لجنة جديدة بين وزارات الصحة، والداخلية، والتعليم العالي، مهمتها تشكيل فرق لحماية شريحة الاطباء والعلماء، يرأسها وزير الصحة، وتجتمع لمرتين شهريا، وسميت quot; لجنة كبح ظاهرة اختطاف وتهديد الاطباء والعلماءquot;..اضافة الى تشكيل دوريات شرطة خاصة لحماية 40 مجمعاً طبياً ومركزاً صحياً في بغداد(quot; الصباحquot;، 24/5/2005).
وأكدت quot; نيويورك تايمزquot;، بالإستناد الى بيانات نقابة الأطباء العراقية، بأن عام 2004 شهد مغادرة حوالي 10 بالمئة من مجموع القدرة الطبية العاملة في بغداد، والتي تقدر بـ 32 ألف طبيباً من المسجلين في النقابة، بسبب الأوضاع الأمنية. وأعلن الدكتور عاكف الالوسي- اختصاصي في علم الامراض في مستشفى الكندي التعليمي، وعضو اقدم في نقابة الاطباء، بأن اعداد الاطباء الذين غادروا البلاد في الاشهر الاخيرة قد تصاعد، مضيفا ان اغلبية الذين فروا هم على الاغلب من كبار الاطباء في البلد. وأضاف بأن هذه النسبة تمثل مقدارا كبيرا من خيرة اطباء البلد، مشيرا الى ان هذه المسألة تعد جريمة بحد ذاتها، فهذه النخبة من الدكاترة هي التي تخرجت على ايديها دفعات كبيرة من اطباء العراق، ناهيك عن كونها تمثل نخبة من رؤساء الدوائر الطبية.وقدر الاَلوسي الاطباء الذين تعرضوا لعمليات الاختطاف طوال السنتين الماضيتين بـ 250 طبيبا.
ولم يتحقق شيئاً من وعود حماية الأطباء، الأمر الذي إضطر أعداد أخرى منهم الى حمل السلاح، لحماية أنفسهم، وقد سهلت وزارة الداخلية الحصول على تراخيص حملهم للسلاح أسرع من غيرهم..ولم يتوقف مسلسل العنف ضدهم. فأعلن مصدر في وزارة الصحة بأنه تم اختطاف أكثر من 350 طبيباً، وقتل اكثر من 50 آخرين، خلال الثمانية والعشرين شهراً الماضية. وقد هاجر وسط تلك المعمعة اكثر من 3000 طبيب إلى الخارج، هرباً من التهديدات التي وجهت إليهم(quot;الحياةquot;، 17/9/2005).وأعلن الدكتور عاكف الألوسي- من نقابة الأطباء- بإن العراق أصبح مثل ميدان معركة، وإن الاطباء يواجهون الخطر أثناء التوجه إلى عملهم بسبب الأعمال الإرهابية. وتفيد تقديرات نقابة الأطباء بأن 1500 من العاملين بالمهن الطبية من أطباء وممرضين وأطباء أسنان وصيادلة غادروا العراق في العام الأخير وحده، وقال الألوسي إن نفس هذا العدد تقريباً غادر العراق عامي 2003 و2004(quot;رويترزquot;، 26/9/2005).
وتصاعد إمتعاض ذوي المهن الطبية والصحية ضد إهمال وزارة الصحة، التي لم تول اهمية للعنف والتهديدات والاغتيالات، التي طالت الكثير منهم، وإحتجوا على قلة رواتبهم، وعدم صرف مخصصات الخطورة، ما ادي الي تدهور حالتهم المعيشية.وقد إعترف الدكتور عامر الخزاعي- وكيل وزارة الصحة- بان سلم الرواتب قد ظلم الكثير من منتسبي الوزارة والدوائر التابعة لها ومن ضمنهم شريحة الاطباء والممرضين والممرضات.وأضاف: طالبنا وزارة المالية بشدة بحقوق الجميع ومنح الممرضين والممرضات درجة وظيفية اضافية تشجيعية، فضلاً علي المطالبة بمنحهم مخصصات بدل العدوي، ولكن المالية اشعرتنا بعدم توفر الغطاء المالي(quot; الزمانquot;، 12/ 12 / 2005)
وفي مطلع العام الجاري، 2006، أُعلن بأن الإغتيالات شملت 150 طبيباً، وهناك أكثر من 3000 منهم قرروا الهجرة ليبتعدوا وعوائلهم عن مخاطر عنف، ولعدم مقدرة المسؤولين على توفير حماية لهم(quot; الصباحquot;، 13 / 1 / 2006). وأعلن الدكتور صباح الحسيني- الوكيل الإداري لوزارة الصحة- مقتل 223 من ذوي المهن الطبية في أعمال عنف وصفها بأنها quot;إنفلونزا الإرهابquot;.وقال في مؤتمر صحفي إن اَخر الأحصاءات المسجلة لدى الوزارة حتى 13 / 2 / 2006، تشير الى مقتل 61 طبيباً وجرح 30 اَخرين، ومقتل 173 وجرح 120 من الكوادر الطبية الأخرى بجروح غالبيتها خطيرة (quot; فراني برسquot;، 14/2/2006).وأعلن الحسيني أيضاً تهجير أكثر من 1000 طبيب من إختصاصات نادرة الى خارج البلاد جراء العمليات الإرهابية ضدهم.وإتهم بشكل صريح الصداميين الذين لا يريدون للعراق الجديد النهوض(quot; الصباحquot;، 14/2/2006). وناشد المسؤوليين في الحكومة توفير المزيد من الحماية للاطباء والملاكات الطبية والصحية وتفعيل عمل quot;اللجنة العليا لمكافحة العنف ضد الاطباءquot; باشكاله كافة. كما طالب المنظمات العالمية والمحلية ومنظمات المجتمع المدني للتعاون مع وزارة الصحة لوضع خطة لايقاف العنف المستمر الذي يستهدف هذة الشريحة المهمة في المجتمع(quot; الصباح الجديدquot;، 13/3/2006).. ولم يتحقق من هذا شيئاً ملموساً، وبقي الحال كما هو عليه، بل وأسوء.
* * *
يوم الخميس القادم، المصادف الثلاثين من الشهر الجاري، تعقد نقابة الاطباء مؤتمرها السنوي.والأكيد ان ممثلين عن وزارة الصحة سيشاركون فيه.منتسبو الوزارة، من أعضاء النقابة، يتطلعون أن يتمخض المؤتمر عن قرارات وتوصيات من شأنها أن تسهم في حل مشاكلهم وتخدم مصالحهم، لاسيما وأن أموراً كثيرة مطروحة على المؤتمر، ومنها مناقشة منهاج العمل، والنظام الداخلي الخاص بالنقابة، الصادر عام 1986، والذي لم يعد مناسبا في اطار التحولات الديمقراطية الجارية في العراق. ولأهمية القضايا المطروحة، دعا الدكتور عاكف الالوسي- مسؤول الاعلام في النقابة- جميع الاطباء للمشاركة في المؤتمر وتقديم المقترحات الخاصة بسير العمل النقابي، ومناقشة التعديلات التي ستجري على قانون النظام الداخلي، مضيفاً بان النقابة تعمل حاليا على انجاز قاعدة البيانات الخاصة باطباء العراق التي تبوب جميع المعلومات الخاصة بكل طبيب من سنة تخرجه وتخصصه والبحوث التي قدمها والمستشفيات التي عمل بها ليتسنى للنقابة تقييم عمل اعضائها واناطة المهام حسب كفاءة العضو (quot;الصباحquot;، 25/3/2006)..
يأمل الأطباء في العراق بأن ينجح مؤتمرهم السنوي، ويخرج بحلول ومعالجات تصب في المسعى الجاد والفاعل لحماية حياتهم، والدفاع عن حقوقهم المشروعة، وإنتخاب هيئة إدارية جديدة، أكثر كفاءة وحرصاً على خدمة مصالح منتسبي النقابة، وتعمل بشكل جاد لتوفير فرص تطوير مستوياتهم العلمية، وتمد جسور التعاون والتنسيق مع الأطباء العراقيين في المهجر، وتشجعهم على الإنتماء للنقابة، وفتح فروع لها في الخارج، وبذل كل ما تستطيع عليه للمساهمة بإيقاف الهجرة القسرية للأطباء من العراق.وفي هذا المضمار تتحمل وزارة الصحة مسؤولية أساسية، ويقع على عاتقها أيضاً الوقوف الى جانب النقابة في الضغط على الحكومة لأتخاذ الإجراءات المطلوبة والعاجلة لحماية حياة ذوي المهن الطبية والصحية، وتحسين أوضاعهم المعاشية وظروف عملهم وإحترم حقوقهم. مثلما هي مطالبة، تكفيراً عن السلبيات والتقصيرات، بأن تتعهد أمام المؤتمر السنوي بإلتزامها بمطالب ذوي المهن الطبية والصحية، وتعلن إدانتها وشجبها الواضح والصريح لكل من يعتدي عليهم أثناء تأديتهم لواجباتهم المهنية، أي كان وحيثما وجد..
التعليقات