يعترف احد الذين شاركوا في جلسة مجلس الحوار الوطني اللبناني الأخيرة، أنه لولا الجهود المضنية التي بذلها رئيس مجلس النواب نبيه بري وكلمة امين عام الحزب السيد حسن نصر الله، وتعقل وصبر رئيس التيار الوطني الحر النائب العماد ميشال عون، لما تمكنت القيادات السياسية المجتمعة من التوصل الى اعلان استمرار جلسات الحوار في الثامن والعشرين من نيسان/ ابريل الحالي، وحيث تخصص الجلسة الاولى لمعالجة ازمة الحكم المتمثلة لدى البعض برئيس الجمهورية اميل لحود، في حين يرى البعض الاخر، انها ازمة مؤسسات تمتد من رأس الهرم إلى قاعدته، وبالتالي فإن العلة في الاشخاص والممارسات على السواء.. وإذا كان الرئيس لحود مصراً على البقاء في بعبدا حتى اخر ولايته، يقول هؤلاء، فليس حباً بالرئاسة، إنما تخوفاً من فراغ كبير في الحكم، طالما أن المتحاورين لم يتفقوا بعد على مرشح إنقاذي يخرج البلاد من ازمة الازمات العالقة، وكثيرها يهدد وجود لبنان ومصيره.
والحقيقة أن الرئيس بري في إجحافه الاعلان رسمياً عن فشل الحوار في التصدي لازمة رئاسة الجمهورية، إنما كان يردد في سره ما تردده الاكثرية الساحقة من المواطنين اللبنانيين، ومن مختلف الطوائف والقيادات السياسية، وحيث بات الجميع على شبه قناعة، بأن ما اتفق عليه المتحاورون في جلساتهم الاولى لم تكن تشكل عقبات تذكر، أو على مستوى من الخطورة والتحديات تهدد وحدة لبنان وسيادته واستقلاله. فالكل طالب بكشف الحقيقة الكاملة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم يرفض أي من الافرقاء تشكيل محكمة دولية ndash; لبنانية مشتركة لكشف هذه الحقيقة، ولا العلاقات الندية على مستوى السفراء بين لبنان وسوريا وترسيم الحدود بينهما، كما اتفق المتحاورون على لبنانية مزارع شبعا وضرورة معالجة اوضاع الفلسطينيين وسلاحهم داخل المخيمات وخارجها. إنما وفي المقابل، وجد المتحاورون أنفسهم امام عجز ناجز وكامل امام امكانية استقالة رئيس الجمهورية وفق الاصول الدستورية أو إقالته عبر الشارع، وكذلك الحال بالنسبة لسلاح المقاومة، وحيث تبدى للجميع، أقله من خلال ما صدر من تصريحات عقب جلسة الحوار الوطني الاخيرة، ان العقدتين مفتوحتان على كل الاحتمالات والمفاجآت، خصوصاً انهما يتعديان ما صرح به الرئيس بري quot;صنع في لبنانquot; الى صناعة اقليمية ودولية، كما كانت حال الرئاسة اللبنانية دائماً منذ فترة ما قبل الاستقلال الى ما بعد الحرب اللبنانية واتفاق الطائف. والوضع نفسه يلازم quot;السلاح الغريبquot; على الساحة اللبنانية مع فارق في التوقيت. فالسلاح الفلسطيني لم يكن في يوم من الايام محلياً ولا سلاح الميليشيات المختلفة التي صالت وجالت على طول الساحات اللبنانية وعرضها طيلة نيف وخمسة عشر سنة مضت حوّلت لبنان الى ارض خراب وموت. وإذا كان لنا ان نستثني سلاح حزب الله الذي تحوّل الى سلاح مقاومة حقيقية حرّر جنوب لبنان من الكماشة الاسرائيلية، فإن ذلك لا ينفي ان هذا السلاح نفسه هو خارجي يجب quot;خبطهquot; وفق القوانين اللبنانية كما يطالب فريق 14 آذار/ مارس، اعتباراً من ان هذا السلاح قد أتم مهمته على احسن ما يكون بخروج القوات الاسرائيلية من كامل الاراضي اللبنانية، في حين يرى فريق 8 شباط أن التحرير لا يكتمل إلا باستعادة مزارع شبعا المتنازع عليها، سورياً ولبنانياً، والمحتلة اسرائيلياً، اقله حتى الآن، ومن باب اولى، يقول هذا الفريق بضرورة وضع ضوابط محلية وإقليمية ودولية امام الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان، براً وبحراً وجواً.
على هذه الخلافات تبدو الازمة اللبنانية على شفير الانفجار، وإذا ارتأى المتحاورون منح القضايا الخلافية لمزيد من الوقت، حتى الثامن والعشرين من نيسان/ ابريل الحالي، لمزيد من الدراسة والمشاورات، تبقى رئاسة الجمهورية قضية مستعصية ترتبط مباشرة بسلاح المقاومة، وحل الاولى يجيز الى حد كبير حل الثانية. وإذا كان البعض يرى ان تعبير ازمة حكم ملتبسة وليس المقصود بها تغييرا رأس الهرم في السلطة، فإن البعض الآخر، رأى أن استعمال هذا التوصيف كتعبير لفظي من باب التسوية اللفظية، لأن المفهوم الوحيد لتلك الازمة هو في موقع رئيس الجمهورية، بمعنى ان المتحاورين وجهوا رسالة الى الرئيس لحود مفادها أن وصعه قد اصبح قيد البحث، بدليل ان مجلس النواب والوزراء لم يكونا مرة من المؤسسات المطعون بشرعيتها ومصداقيتها، بل ان الشكوك حامت حول شرعية رئيس الجمهورية منذ تمديد ولايته، سواء على المستوى الداخلي عبر 29 نائباً اكدوا موافقتهم على التمديد للحود تحت الضغط السوري وبقوة الأمر الواقع، او على المستوى الدولي عبر القرار الدولي 1559 الذي دعا إلى انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وفقاً للدستور اللبناني.
من جهته، يبدو لحود اكثر إصراراً في الحفاظ على موقعه في بعبدا، وزاده عناداً الدعم العربي الذي تلقاه من قمة الخرطوم، فضلاً عن تجاهل تيري ـ رود لارسن موفد أمين عام الامم المتحدة كوفي انان لتنفيذ بنود القرار 1559، موقع رئاسة الجمهورية خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، مكتفياً بالقول إن مهمته تتوقف عند حدود تنفيذ القرار 1559، اما رئاسة الجمهورية فذلك شأن لبناني، ما يفيد ان العواصم الدولية لم تعد مستعجلة رحيل لحود، بالاستقالة ام بالاقالة، وان على القادة اللبنانيين ايجاد quot;المخارج السلمية وبأقل قدر من الضجيج والتحديات السياسية التي من شأنها ان تعيد البلاد الى الفوضى الامنية، وبالتالي إلى المزيد من الازمات الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة.
حتى تتمكن من تذليل هذه الصعوبات؟ من الصعوبة بمكان الإجابة عن سؤال ما زال الافرقاء في عجز شبه كامل عن الاحاطة به. لكن ومن منطلق التفاؤل ليس اكثر، يرجح ان تؤدي المفاوضات المحلية والمبادرات العربية، الى انتاج تفاهم على رئيس من التيار السيادي الذي تواصل مع المسلمين من اجل خلق هذه الارضية الوطنية. انما العقدة تكمن في امكانية قوى 14 شباط من ايصال رئيس للجمهورية من فريقها بالتفاهم مع الافرقاء المحليين وبالتناغم مع المبادرة العربية.
وبانتظار الايام الفاصلة لعودة المتحاورين الى الطاولة المستديرة والتي يمكن ان تشكل فسحة للاتصالات الداخلية والاقليمية والدولية لانضاج المعالجة الناجعة لملف الرئاسة، فإن شكوكاً كثيرة تعتري كثيرين من داخل الحوار وخارجه في قدرة قادة الصف الاول على التوصل الى تسويات وصوغ تفاهمات على غرار ما حصل في الملفات التي انجزت، ذلك ان ملف الرئاسة يتعدى حدود اللاعبين المحليين الذين، وكما يبدو حتى اليوم، يقتصر دورهم على الاخراج، فيما يرسم سيناريو الحل على طاولة اقليمية مثلثة الاضلاع: سورية، مصرية وسعودية، تحت منظار اميركي ـ فرنسي وتحكم ايراني عن بعد.